مهرجان فينيسيا السينمائي يصل إلى دورته الـ82... محطات وأحداث مثيرة جعلته أيقونة الفن السابع

كتبت: ياسمين عمرو في الأربعاء 27 أغسطس 2025 05:12 مساءً - على ضفاف الليدو، حيث يلتقي البحر بالأحلام، وُلد مهرجان فينيسيا السينمائي عام 1932 ليصبح أول تظاهرة من نوعها في العالم. منذ ذلك الحين، لم يعد مجرد منصة لعرض الأفلام، بل تحوّل إلى مرآة تعكس تحولات السينما العالمية وصراعاتها وأحلامها، ومع جائزته الشهيرة الأسد الذهبي، أصبح رمزًا للتميز السينمائي.

على مدار اثنين وثمانين دورة، مرّ المهرجان بمحطات لامعة وأخرى عصيبة؛ من لحظات الانتصار الفني إلى جدالات الرقابة، ومن تتويج أفلام غيّرت مجرى التاريخ إلى مرور نجوم عالميين تركوا بصمتهم على سجادة الليدو الحمراء. استعراض هذه المحطات أشبه بقراءة الذاكرة الحية للسينما ذاتها.

الانطلاقة الأولى (1932) – ولادة المهرجان الأعرق

في صيف 1932، أطلقت إيطاليا أول دورة من مهرجان فينيسيا السينمائي على شاطئ الليدو كجزء من بينالي فينيسيا للفنون التشكيلية، لتسجل حدثًا غير مسبوق: تدشين أول مهرجان سينمائي في العالم، سابقًا مهرجاني كان وبرلين بسنوات.

جاءت المبادرة بدعم من النظام الحاكم وقتها، الذي رأى في السينما أداة قوة ناعمة، لكن المهرجان سرعان ما تجاوز أهدافه المحلية ليغدو ملتقى للفن السابع عالميا.

عُرض أول فيلم، دكتور جيكل ومستر هايد، في الهواء الطلق على شرفة فندق إكسلسيور أمام جمهور متحمس، في تجربة ثورية جمعت السينما بالفنون التشكيلية. منذ تلك اللحظة، دخلت السينما عصرًا جديدًا، وصار لفينيسيا قصب السبق في كتابة فصوله الأولى.

بوستر الدورة الأولى لمهرجان فينيسيا - الصورة أرشيفية

الحرب والعزلة (1939 – 1946)

لم ينجُ مهرجان فينيسيا من عواصف الحرب العالمية الثانية. بين 1939 و1942،حيث أُقيمت دورات محدودة تحت تأثير الدعاية المحلية، وتحوّل الفن السابع إلى أداة تعبئة في زمن الحرب، بينما توقف المهرجان تمامًا بين أعوام 1943 و1945.

مع انتهاء الحرب، عاد المهرجان في 1946 بروح جديدة، حيث أُقيم في سينما سان ماركو وجذب 90 ألف زائر، معلنًا أن السينما أقوى من الحروب. كانت تلك العودة بداية لمرحلة ذهبية أعادت للمهرجان مكانته، ورسّخت صورته كأرض محايدة تحتفي بالإبداع بعيدًا عن السياسة المباشرة.

عصر الخمسينيات والنجوم الكبار

دخل المهرجان خلال الخمسينيات مرحلة من البريق العالمي، حيث أصبحت شاشة الليدو مسرحًا لأهم الأفلام من أوروبا وهوليوود.

خطت صوفيا لورين بخطوات واثقة إلى جوار مارشيلو ماستروياني، بينما أضاءت إنغريد بيرغمان وكاثرين هيبورن سماء المهرجان. الواقعية الإيطالية الجديدة، بقيادة فيتوريو دي سيكا وروبرتو روسيلليني، فرضت حضورها، معلنة أن السينما مرآة للواقع الاجتماعي.

فوز On the Waterfront (إيليا كازان، 1954) بالأسد الذهبي عزز مكانة المهرجان عالميًا. كان فينيسيا جسرًا بين السينما الأمريكية المتألقة والأوروبية الباحثة عن هويتها، ومختبرًا لاكتشاف الاتجاهات السينمائية الجديدة.

الستينيات والسبعينيات – التمرد والجدل

جاءت الستينيات والسبعينيات لتكشف الوجه المتمرد لفينيسيا، متزامنة مع اضطرابات اجتماعية عصفت بإيطاليا والعديد من دول أوروبا، وتحول المهرجان إلى ساحة جدل بين الفن والسلطة، حيث تحوّلت بعض الدورات إلى فعاليات غير تنافسية بين 1969 و1979 بسبب الاحتجاجات الطلابية بعد أحداث ربيع 1968.

احتضن المهرجان أعمال الموجة الفرنسية الجديدة، مثل أفلام جان-لوك غودار، والسينما السياسية الإيطالية، مما جعل الأسد الذهبي إعلانًا لموقف فني جريء. كانت فينيسيا مختبرًا للتمرد، وصوتًا لسينما تبحث عن هويتها وسط عالم متغير.

الثمانينيات والتجديد

في الثمانينيات، استعاد المهرجان توازنه بعد سنوات التوتر. تبنت الإدارة برمجة منفتحة على المدارس السينمائية العالمية، فاستقبلت شاشة الليدو أفلامًا من آسيا، أمريكا، وأوروبا.

حضور مخرجين مثل برناردو برتولوتشي (The Last Emperor، 1987) وفيم فيندرز أعاد تأكيد مكانة المهرجان. تعززت سياسة تكريم المخرجين الكبار التي بدأت عام 1970، مع جوائز فخرية لأسماء مثل أكيرا كوروساوا.

هذا التوازن بين المخضرمين والأصوات الجديدة منح المهرجان نفسًا متجددًا.

لحظات ذهبية – أفلام صنعت مجد الأسد الذهبي

الأسد الذهبي مرادف لأفلام غيّرت مسار السينما.

في 1951، فاز Rashomon (أكيرا كوروساوا) وعرّف الغرب بالسينما اليابانية.

في 2005، توّج Brokeback Mountain (أنغ لي) ليؤكد شجاعة المهرجان في احتضان موضوعات شائكة.

في 2017، فاز The Shape of Water (غيليرمو ديل تورو) وأصبح علامة في السينما الرومانسية.

وفي 2018، صنع Roma (ألفونسو كوارون) تاريخًا كأول فيلم من نتفليكس يفوز، حاصدًا ثلاث جوائز أوسكار.

هذه اللحظات رسّخت فينيسيا كحاضنة للأعمال الخالدة.

النجوم على السجادة الحمراء – مواقف لا تُنسى

تحوّلت سجادة الليدو الحمراء إلى مسرح للأناقة واللحظات الأيقونية.

من صوفيا لورين في فساتينها المبهرة، إلى آل باتشينو يلوّح للجماهير، وبراد بيت وليدي جاجا في 2024 مع Joker: Folie à Deux، صارت هذه الصور أيقونات خالدة، فينيسيا، بسحرها الرومانسي، جمعت الموضة بالسينما، حيث اختلطت إطلالات الممثلات العالميات، مثل إنغريد بيرغمان وأنجلينا جولي ونيكول كيدمان وميريل ستريب وجورجينا رودريغز، مع حضور المخرجين الكبار، لتصنع مساحة استثنائية للفن والجمال.

قرارات مثيرة للجدل

كان المهرجان ساحة للجدل بقدر ما كان مساحة للحوار مع الأفلام العظيمة، فتم استبعاد أفلام مهمة في الستينيات بسبب حساسيات الحرب الباردة، وجاء فوز Roma (2018) وسط نقاشات حول منصات البث، أثارت انقسامات بين النقاد.

للمزيد من الأخبار: بعد فوزه بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا.. المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار يهدي الجائزة لعائلته

الألفية الجديدة – فينيسيا بوابة الأوسكار

في الألفية الجديدة، أصبح مهرجان فينيسيا بوابة للأوسكار.

أفلام مثل Birdman (2014)، The Shape of Water (2017)، وNomadland (2020) فازت بالأسد الذهبي وصولًا إلى الأوسكار.

عُرض Gravity (2013) في فينيسيا واكتسب زخمًا عالميًا.

انفتاح المهرجان على منصات البث الرقمي سمح بتتويج Roma (2018)، مما عزز مكانته كملتقى للسينما الفنية والإنتاجات الكبرى.

المشاركة العربية في مهرجان فينيسيا – من الغياب إلى الحضور الفاعل

غابت السينما العربية عن فينيسيا في عقودها الأولى بسبب ضعف الصناعة السينمائية، مع الستينيات، بدأت بوادر الظهور عبر أسماء مثل يوسف شاهين، لكن الحضور كان مقتصرًا على الأقسام الموازية.

في التسعينيات، شارك ناجي العلي (عاطف الطيب، 1992)، وفي الألفية الجديدة، شهد المهرجان طفرة عربية بعرض عدة أفلام منها:
الشتا اللي فات (إبراهيم البطوط، مصر، 2012)
بيك نعيش (مهدي البرصاوي، تونس، 2019) الذي فاز بجائزتي أفضل ممثل وجائزة الجمهور في قسم "آفاق"
جنائن معلقة (العراق، 2022)
ملكات (المغرب، 2022)
البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو (مصر، 2024)
عايشة (تونس، 2024)
هجرة (، 2025)

رغم عدم فوزها بالأسد الذهبي، أغنت السينما العربية المهرجان برؤى إنسانية، بدعم برامج مثل "فاينال كت".

منذ 1932 وحتى دورته الـ82 في 2025، ظل مهرجان فينيسيا سجلًا حيًا لتاريخ السينما، ومرآة لتقلباتها، من تتويج Rashomon إلى Roma، ومن لحظات النجوم على السجادة الحمراء إلى نقاشات 2025 حول القضايا الإنسانية، يواصل المهرجان دعم الأصوات الجديدة، خاصة من العالم العربي.

الأسد الذهبي لم يعد تمثالًا ذهبي اللون فقط، بل أصبح رمزًا لذاكرة الفن السابع، وعنوانًا لشغف عالمي يتجدد كل خريف على ضفاف الليدو.

يُمكنكم قراءة: أبرز المعلومات عن الأفلام المُنافسة في المسابقة الرسمية بـ مهرجان فينيسيا 2025

لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام الخليج 365».

وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك الخليج 365».

ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «الخليج 365 فن».

 

أخبار متعلقة :