كتبت: ياسمين عمرو في الجمعة 12 سبتمبر 2025 09:59 صباحاً - مع العودة للمدارس تتكرر شكوى كثير من الأمهات من تمارض بعض أطفالهن، تسمعه يقول: أشعر بألم في بطني. أسناني تؤلمني. لا أستطيع الذهاب إلى المدرسة، مع صوت خافت متمارض، وتغيير في ملامح وجهه وابتسامة شقية يحاول إخفاءها.
ولأن الأم حفظت حيلته فنجدها تبادله التمثيل فتجيب: ولكنك كنت تضحك وتلعب بالأمس، ماذا حدث فجأة يا صغيري الحبيب؟: لا أعلم! فترد الأم: ربما تناولت شيئاً غير مناسب، هل ترهقك المدرسة، أم أنك فقط لا ترغب في الذهاب؟
هذا الحوار يتكرر في آلاف المنازل كل صباح، بين الأم التي تحاول بدء يومها بنشاط، وابن يتفنن ليبتكر أعذاراً جديدة كل يوم للبقاء، وكأن التمارض أصبح فناً على كل طفل أن يتقنه، وأنا أعترف أن ابني ممثل بدرجة جيد جداً!
هنا التقينا والدكتورة فاطمة الشناوي استشاري طب النفس ومحاضرة التنمية البشرية لنتعرف إلى أسباب لجوء الطفل للتمارض، وكيف تستطيع الأم أن تميز بين المرض الحقيقي والتمارض؟ وهل هناك مخاطر للتمارض المتكرر؟ وكيف تتعاملين؟ وتفاصيل أخرى كثيرة قد تبدو لطيفة ومرحة عند عرضها، بينما تخفي وراءها حقائق نفسية صادمة.
الطفل المتمارض المبدع
في استطلاع للرأي أجراه مجموعة من الأطباء أفاد أن ، 67% من الأمهات، تمارض أطفالهن مرة واحدة على الأقل شهرياً، بينما قالت 23% إن الأمر يحدث أسبوعياً، خصوصاً أيام العودة بعد العطلة، والطفل لا يحتاج إلى الكثير ليبدأ تمارضه، يكفي أن يرى حقيبة المدرسة أو يسمع صوت المنبه ليبدأ في التمثيل، بعدها يختار أعراضاً سهلة وكلمات مؤثرة للقيام بتمثيلها مثل:
: أشعر بألم في بطني، حلقي يؤلمني، أشعر بالدوار، حرارتي مرتفعة (مع وضع اليد على الجبهة بطريقة درامية)، أما الأكثر ذكاءً منهم، فيبدأ التحضير من الليلة السابقة؛ حيث يرفض تناول العشاء، يتظاهر بالنعاس المبكر، يطلب كوب ماء كل ساعة أو يشتكي من ألم وهمي في الساق أو الرأس.
تجربة أم قامت بدور المحققة الذكية
وما لاحظه الاستطلاع أيضاً؛ أن الأمهات لسن ساذجات؛ فبعد عدة تجارب، تبدأ الأم في تطوير مهاراتها في كشف تمارض طفلها أو طفلتها.
تقول "نهى"، وهي أم لطفلين: ابني يقول لي كل يوم إن لديه صداعاً، ولكن عندما أقول له: حسناً، اذهب إلى المدرسة وإذا شعرت بالتعب اتصل بي، فجأة يصبح نشيطاً ويتناول الإفطار ويضحك أو نضحك معاً!
وتضيف: وفي إحدى المرات وبعد تمثيل دوره كأحسن ما يكون، قلت له: دعنا نقيس الحرارة، أحضرت مقياس الحرارة، فوجدته قد وضعه على المدفأة قبل أن آتي، والمشكلة أنني صدقته ولم يذهب فعلياً للمدرسة.
بعدها بدأت أسلوب "الاختبار":
- أطلب من الطفل وصف الألم بدقة.
- أعرض عليه الذهاب إلى الطبيب.
- أقترح أن يبقى في السرير من دون تلفاز أو ألعاب.
- أراقب سلوكه بعد ساعة: هل ما زال مريضاً؟ أم بدأ يلعب وينسى الألم؟.
لماذا يتمارض الطفل؟
أسباب التمارض ليست دائماً كسلاً، أحياناً تكون رسالة غير مباشرة: فقد يشعر الطفل بالقلق من المدرسة. ربما هناك مشكلة مع زميل أو معلمة.أو أنه لا يحب مادة معينة.
في دراسة نشرت تبين أن 40% من حالات التمارض ترتبط بمشاكل نفسية بسيطة، مثل القلق أو التوتر أو الرغبة في جذب الانتباه، خاصة إذا كان يفتقد الحب والحنان والرعاية، أو كان غيوراً من أخيه أو أخته الصغرى.
تعلق الطفل الشديد بأمه وخوفه من فقدانها وتركها له، ورغبته في الاستحواذ على جل اهتمامها، الخوف نتيجة عدم أداء أحد الواجبات التي يكلف بها كترتيب غرفته مثلاً، أو لمشكلة نفسية يعاني منها الطفل مثل: السخرية والاستهزاء به من قبل الآخرين.
طرق التعامل مع حيلة التمارض
- محاورة الطفل بهدوء ومناقشة الأسباب الكامنة وراء تصرفه.
- إشعار الابن بالحب والعطف والحنان، وإشباع حاجاته النفسية ؛حتى يشعر بالأمان النفسي.
- مكافأة الطفل في حالة إقلاعه عن التمارض، والعكس، حرمانه من رحلة أو من مصروف في حالة تحايله.
- تجاهل مرض الابن إذا كان فعلاً يتمارض، وعدم مجاراته فيما يريد كأن تجعله يتغيب عن مدرسته لأنه عندما تسمحين له بذلك سيصبح التمارض لديه عادة يستخدمها لتحقيق ما يريد.
- تجنب الضرب والقسوة الشديدة على الطفل، واستخدام أساليب أخرى مثل: التشجيع؛ فعبارات التشجيع لها أثر كبير على نفسية الطفل؛ حيث تعطيه الثقة بالنفس والقدرة على تحمل المسؤولية.
- الاستماع إلى ما يشعر به الطفل من أحاسيس ومشاكل يعد من أهم العوامل؛ فالطفل يشعر بالقلق والانفعال عندما يلاحظ أنّ والديه لا يستمعان إليه باهتمام، وهذا يؤدي به إلى عدم الثقة بنفسه.
حيل الأطفال..وإبداعهم!
- يضعون ماءً دافئاً على الجبهة ليبدوا أنهم "محمومون".
- يتظاهرون بالسعال بطريقة مسرحية.
- يطلبون أدوية لا يحتاجونها.
- يرفضون الطعام ليبدو أنهم "فاقدو الشهية".
طفلي لا يأكل جيداً.. متى يصبح الأمر خطراً على الصحة والدماغ؟التقرير يجيب
تابع: نصائح للتعامل
التعامل مع التمارض يحتاج إلى توازن بين الحزم والتفهم، إليكِ بعض النصائح:
- استمعي لطفلكِ بجدية حتى لو شككتِ في تمارضه، لا تظهري ذلك فوراً. اسأليه عن شعوره، وراقبي التفاصيل.
- استخدمي أسلوب "الاختبار" اقترحي الذهاب للطبيب، أو البقاء في السرير من دون أنشطة. إذا كان مريضاً فعلاً، سيتقبل. وإذا كان متمارضاً، سيبدأ بالتراجع.
- افهمي السبب الحقيقي اسأليه عن المدرسة، عن أصدقائه، عن المعلمة، ربما هناك شيء يزعجه ولا يعرف كيف يعبر عنه.
- ضعي قواعد واضحة إذا كان الطفل مريضاً، فهناك شروط: لا تلفاز، لا ألعاب، لا حلويات. هذا يجعل التمارض غير مغرٍ.
- كافئي الصدق إذا اعترف الطفل بأنه فقط لا يريد الذهاب، امدحي صدقه، وناقشي معه السبب، وابحثي عن حلول.
خطورة التمارض على مستقبل الطفل
في بعض الحالات نقول "نعم"، هناك خطورة على الطفل إذا تكرر التمارض كثيراً؛ فقد يؤثر على تحصيل الطفل، ويخلق عادة سلبية، لكن في الغالب، هو مجرد وسيلة للتعبير، أو للهروب المؤقت.والمهم أن تكون الأم يقظة، وتعرف كيف تفرق بين المرض الحقيقي والتمارض، وتتعامل مع كل حالة بحكمة؛ التمارض فن ولكن الأم بذكائها، وصبرها، وحبها، تستطيع أن تكشف الحقيقة، وتوجه طفلها نحو الصدق، وتحميه من عادة قد تؤذيه لاحقاً.
في كل صباح، حين يقول الطفل: أمي، أشعر بألم في بطني.. تبتسم الأم، وتقول: حسناً، دعنا نرى ولكن إن كان تمثيلاً، فستغسل الصحون اليوم.
أخبار متعلقة :