رغم الانتقادات المتزايدة من بعض الأوساط في اليابان تجاه الدعم الثابت الذي قدمته طوكيو لأوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي، فإن كييف أعربت عن تقديرها العميق لهذا الدعم. وفي ظل هذا التباين في الآراء، تقدم خبير العلاقات الدولية هيغاشينو أتسوكو تحليلًا معمقًا للمساعدات اليابانية، التي تم توجيهها بعناية. كما تدعو إلى فتح باب النقاش بشكل أوسع وأكثر استنارة، لضمان استمرارية هذا الدعم في ضوء المصالح اليابانية والإقليمية. فهل ستواصل اليابان السير في هذا المسار، أم أن التحديات الداخلية ستفرض تغييرًا في الموقف؟
منذ بداية الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، اتخذت اليابان موقفًا استثنائيًا على الصعيد الدولي من خلال تقديم دعم مستمر وشامل لأوكرانيا. وقد تمثل هذا الدعم في مجموعة متنوعة من المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى تقديم موارد لإعادة الإعمار ودعم الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي، دون الدخول في تقديم مساعدات عسكرية مباشرة. وهنا سأقوم بتقييم مساهمة اليابان من منظور دولي، مع تسليط الضوء على خصائصها المميزة، والتحديات التي تواجهها طوكيو في مواصلة هذا الدعم.
الترتيب العالمي
ما هو حجم المساعدات التي قدمتها اليابان لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي الكامل في أواخر فبراير 2022، وكيف تقارن هذه المساهمة بجهود الدول الأخرى؟
تنص اتفاقية دعم أوكرانيا والتعاون بين حكومة اليابان وأوكرانيا، الموقعة في 13 يونيو/ حزيران من هذا العام، على أن ”اليابان التزمت وقدمت ... مساعدة بقيمة إجمالية تبلغ 12 مليار دولار أمريكي“، وهو ما يعكس حسابات الحكومة اليابانية الخاصة. في المقابل، يضع مؤشر دعم أوكرانيا الذي نشره معهد كيل للاقتصاد العالمي قيمة المساعدات اليابانية حتى نهاية يونيو/ حزيران 2024 عند 9.1 مليار يورو، أو أقل بقليل من 10 مليارات دولار. ومع ذلك، يصنف معهد كيل اليابان في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث القيمة التراكمية لدعمها لأوكرانيا، خلف الولايات المتحدة (75.1 مليار يورو)، وألمانيا (23.6 مليار يورو)، وبريطانيا (13 مليار يورو)، وفرنسا (12 مليار يورو).
ومع ذلك، يتغير الترتيب تمامًا عندما يتم التعبير عن المساهمات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. وفقًا لمكتب الإحصاءات، تتصدر الدنمارك القائمة بنسبة 1.83% من الناتج المحلي الإجمالي، تليها إستونيا (1.66%)، وليتوانيا (1.43%)، ولاتفيا (1.35%). ووفقًا لهذا المقياس، تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثالثة والعشرين (0.35%)، في حين تأتي اليابان في المرتبة 31، حيث ساهمت بنسبة 0.20% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.
المساعدات الحيوية لإزالة الألغام
تشكل إزالة الألغام حاجة ملحة لأوكرانيا في الوقت الحالي، وقد استفادت اليابان من خبراتها المتراكمة لتقديم دعم لا يقدر بثمن في هذا المجال. حيث قُدِّر أن نحو 174 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الأوكرانية، أي ما يقرب من ثلث إجمالي مساحة البلاد، ملوثة بالألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، التي نشرتها القوات الروسية بشكل رئيسي. ومن المتوقع أن يستغرق إزالتها جميعًا عقدًا من الزمن على الأقل، بتكلفة تقدر بحوالي 38 مليار دولار.
تتمتع اليابان بخبرة واسعة في عمليات إزالة الألغام، حيث قدمت دعمًا طويل الأمد لجهود إزالة الألغام في كمبوديا. ومنذ بداية الغزو الروسي، زودت الحكومة اليابانية أوكرانيا بخمسين جهازًا صغيرًا لكشف الألغام ونحو 10 آلات كبيرة لتطهيرها، من خلال وكالة التعاون الدولي اليابانية. بالإضافة إلى ذلك، قدمت اليابان تدريبًا لموظفي إزالة الألغام الأوكرانيين لتشغيل هذه الآلات المتقدمة.
يجري تنفيذ برنامج إزالة الألغام بالشراكة مع كمبوديا، حيث ساعدت اليابان في إزالة ملايين الألغام الأرضية منذ تسعينيات القرن العشرين. ويخضع مزيلا الألغام الأوكرانيون للتدريب داخل كمبوديا.
على الرغم من عدم تبني كمبوديا للعقوبات ضد روسيا، إلا أنها صوتت لصالح قرار الأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 الذي يدين محاولة روسيا ضم أراضٍ أوكرانية، وكذلك قرار فبراير/ شباط 2023 الذي يطالب بانسحاب روسيا. يُظهر قرار بنوم بنه بالشراكة مع اليابان لإزالة الألغام الأرضية في أوكرانيا الفوائد المحتملة التي يمكن أن تقدمها المساعدة اليابانية للدول المتضررة من الحروب على المدى الطويل، مما يتناقض مع الرؤية التقليدية التي تفيد بأن الدول الغنية فقط هي التي تدعم أوكرانيا، دون اعتبار لأي دعم من دول الجنوب العالمي.
استضافة المنتديات الدولية
في ظل الهجوم الروسي المستمر، يعاني المجتمع الأوكراني من إرهاق شديد، ويتفاقم الوضع مع استمرار الغزو. بعبارة أخرى، مع استمرار الحرب، تتزايد الحاجة الملحة للمساعدة في أوكرانيا. ومع ذلك، من المحتمل أن يتسلل شعور الإرهاق بين المانحين الداعمين للبلاد.
لعبت اليابان دورًا رئيسيًا في الحفاظ على الزخم من خلال مشاركتها المستمرة في المنتديات الدولية الواسعة النطاق التي وفرت فرصًا للتشاور بشأن احتياجات أوكرانيا. يُعتبر هذا الجهد شكلًا مهمًا من أشكال المساعدة. من خلال هذه الاجتماعات، ساعدت اليابان في بناء جسور التواصل بين كييف والحكومات التي كانت مترددة في البداية في تقديم الدعم.
على سبيل المثال، في مايو/أيار 2023، حضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قمة مجموعة الدول السبع في هيروشيما بدعوة من اليابان. كانت هذه أول زيارة لزيلينسكي إلى شرق آسيا منذ بداية الغزو الروسي الكامل، حيث أتيحت له الفرصة لمناشدة مجموعة الدول السبع مباشرة للاستمرار في دعم أوكرانيا، بالإضافة إلى لقائه مع زعماء مدعوين من دول المحيطين الهندي والهادئ مثل كوريا الجنوبية وأستراليا والهند.
كانت محادثاته مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مثمرة بشكل خاص. على الرغم من انتقاد الهند للعدوان الروسي، إلا أنها أظهرت قلة من الحماسة لمساعدة أوكرانيا. ومع ذلك، أثارت محادثات مايو 2023 تعهدًا من مودي بأن الهند ستفعل ”كل ما في وسعها“ لمساعدة أوكرانيا في إنهاء الحرب. وقد شجع هذا التصريح زيلينسكي على اعتماد دبلوماسية هندية أكثر استباقية. وهكذا، لعبت اليابان دورًا محوريًا في جمع البلدين، وهو إنجاز يُحسب لها.
أشكال الدعم الأخرى
على الرغم من التعاطف الواسع مع أوكرانيا في المجتمع الدولي، واجه الرئيس زيلينسكي صعوبة في كسب الدعم لصيغة السلام التي قدمها لأول مرة خلال قمة مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. تتضمن صيغة السلام الأوكرانية 10 شروط لإنهاء الحرب، تشمل السلامة النووية، الإفراج عن جميع السجناء وإعادة المرحلين، الانسحاب الكامل للقوات العسكرية الروسية من أوكرانيا، واستعادة الحدود بين روسيا وأوكرانيا إلى وضعها قبل ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، وفقًا للمادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة. تُعتبر جميع هذه الشروط حيوية لمنع العدوان المستقبلي من جانب روسيا وضمان السلام الدائم. ومع ذلك، لا يزال الوعي الدولي بمبادرة السلام منخفضًا، وتواجه كييف صعوبات في كسب الدعم لها.
من ناحية أخرى، أيدت اليابان الخطة منذ اللحظة التي صدرت فيها. حيث أشارت الحكومة اليابانية صراحة إلى صيغة السلام في عدة بيانات، بما في ذلك الاتفاق الذي وُقِّع في 13 يونيو/حزيران، مما أعطى كييف شعورًا بالارتياح تجاه دعم طوكيو.
إضافة إلى ذلك، نالت اليابان إشادة كبيرة من أوكرانيا لمساعداتها الإنسانية الواسعة. تشمل هذه المساعدات الدعم لمواجهة فصل الشتاء في المدن المتضررة من أضرار البنية التحتية للطاقة، حيث قدمت مساعدات مالية لقطاع الطاقة بالإضافة إلى إمدادات من المعدات مثل المولدات والمصابيح الشمسية. كما دعمت اليابان نظام الرعاية الصحية في البلاد وساعدت في إعادة تأهيل الجنود المصابين بجروح خطيرة.
مواجهة حقائق أوكرانيا
لقد رأينا كيف استغلت اليابان نقاط قوتها وخبراتها في تقديم المساعدة لأوكرانيا، وقد نالت إشادة عالية من الأوكرانيين على هذه الجهود. لكن ما الذي يجب علينا فعله للحفاظ على هذا الالتزام في المستقبل؟
أرى أن التحديات الأساسية التي تواجهنا هي: (1) عدم النسيان، و(2) الحصول على المعلومات الدقيقة.
أولاً، من الضروري ألا نغفل التأثير المدمر الذي لا يزال الغزو يخلفه على المجتمع الأوكراني، خصوصًا بسبب استمراره لفترة طويلة. لا تزال الصواريخ الروسية تضرب مستشفيات الأطفال وغيرها من المنشآت المدنية، وترتفع حصيلة هذه الهجمات يومًا بعد يوم. علينا أن نواجه هذا الواقع على أساس يومي، ونستمع إلى أصوات الشعب الأوكراني المتألم لتذكير أنفسنا بالحاجة المستمرة للمساعدة.
ثانيًا، من المهم نشر معلومات دقيقة حول أوكرانيا ومستوى المساعدات اليابانية المقدمة لها. يميل منتقدو برنامج المساعدات اليابانية إلى القول إن الحكومة اليابانية ليس من حقها استثمار الكثير في أوكرانيا بينما يحتاج شعبنا إلى المساعدة. لكن علينا أن نتذكر أن المساعدات اليابانية لأوكرانيا لا تتجاوز 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي لبلدنا. يجب أن تكون هناك مناقشة متوازنة تأخذ في الاعتبار القوة الاقتصادية الكبيرة التي تتمتع بها اليابان.
حجة أخرى نسمعها كثيرًا هي أن توجيه المساعدات إلى دولة تعاني من الفساد مثل أوكرانيا أمر لا طائل منه. صحيح أن الفساد الحكومي يمثل مشكلة مزمنة في أوكرانيا، ولكن قبل استخدام ذلك كذريعة لوقف المساعدات، ينبغي علينا تشكيل صورة دقيقة عن الوضع الحالي في البلاد.
وقد تناولت اليابان هذه القضية بالتعاون مع شركائها في مجموعة الدول السبع من خلال مجموعة دعم سفراء مجموعة الدول السبع لأوكرانيا، التي تأسست في عام 2015. ومن خلال هذا الإطار، نقوم بإجراء مسوحات دقيقة لقياس مدى الفساد الحكومي، ونقدم المشورة للحكومة بشأن الجوانب التي تحتاج إلى تحسين، ونقدم المساعدة اللازمة لتنفيذ هذه الإصلاحات. بفضل هذه المبادرات، التي تزامنت مع دعم اندماج أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، حققت جهود مكافحة الفساد تقدمًا كبيرًا حتى في خضم ويلات الحرب.
من المؤسف حقًا أن الكثير من الخطاب الياباني بشأن أوكرانيا لا يزال عالقًا في الصور النمطية القديمة رغم هذا التقدم. نحن بحاجة إلى تحديث تصورات اليابان عن الإدارة العامة في أوكرانيا إذا كنا نرغب في إجراء مناقشة موضوعية حول المساعدات المقدمة. لقد عززت سمعة اليابان بفضل الدعم المستمر الذي قدمته طوكيو لأوكرانيا على مدى العامين والنصف الماضيين. ومن خلال استمرار دعمنا لهذا الالتزام، يمكننا تعزيز صورة الدبلوماسية اليابانية كدبلوماسية ذات مبادئ ثابتة وموثوقة.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي: رئيس الوزراء آنذاك كيشيدا فوميئو، على اليسار، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوقعان اتفاقية دعم أوكرانيا في قمة زعماء مجموعة السبع في إيطاليا، 13 يونيو/ حزيران 2024. © كيودو)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | دعم أوكرانيا: لماذا تتمسك اليابان بمساعداتها رغم التحديات؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :