واجهت شركة نيبّون ستيل اليابانية انتكاسة في يناير/كانون الثاني بعد رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن عرضها للاستحواذ على شركة يو إس ستيل الأمريكية. ورغم التغيرات السياسية، يشير بعض المراقبين إلى أن الموقف قد لا يختلف كثيرًا في ظل إدارة دونالد ترامب. ومع ذلك، يبقى على اليابان أن تراقب عن كثب توجهات السياسات الاقتصادية في واشنطن للتكيف مع المتغيرات المستقبلية.
رسم ”صورة كبيرة“ لإرضاء ترامب
مثّل قرار الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بمنع شركة ”نيبّون ستيل“ من الاستحواذ على شركة ”يو إس ستيل“ في أوائل يناير/كانون الثاني، خطوة سياسية محسوبة اتُخذت مع الأخذ في الحسبان انتخابات التجديد النصفي لعام 2026. وكان من الواضح أنه لو سمح بايدن للصفقة بالمضي قدما، لكان الرئيس التالي دونالد ترامب قد ألغاها. وكانت الحسابات السياسية لبايدن الذي ينتمي للحزب الديمقراطي هي أنه إذا خرج منافسه من الصفقة بمظهر جيد، وقرر اتحاد عمال الصلب الأمريكيين تغيير ولاءاته ليصطف إلى جانب ترامب، فإن ذلك سيشكل أمرا سيئا لفرص الديمقراطيين في الانتخابات. لقد بدأت المعركة بالفعل.
ولكن هل هذا يعني أن أزمة شركة نيبّون ستيل لا يمكن حلها خلال فترة حكم ترامب؟ أعتقد أنه لا يزال هناك أمل ضعيف. والأمر يعتمد على قدرة الجانب الياباني على إبرام صفقة تتيح للأمريكيين الحصول على نوع من المكاسب. سيكون ترامب سعيدا بتغيير موقفه حيال هذه القضية إذا كان ذلك سيمكنه من دخول انتخابات التجديد النصفي وبيده ورقة التنازلات التي تمكن من انتزاعها. إن الرئيس الأمريكي الجديد يحب الصفقات الكبيرة التي تجعله يظهر في صورة جيدة. ولكن نيبّون ستيل لن تكون قادرة بمفردها على تقديم مثل هذه ”الهدية“ لترامب. بل إن ذلك يتطلب تضافر الجهود على مستوى البلاد، ربما في صورة زيادة استثمارات قطاع السيارات الياباني في الولايات المتحدة. وعلى اعتبار أن الزيادات على التعريفات الجمركية التي تفرضها الحكومة الأمريكية ستستهدف قطاع السيارات على الأرجح، فإن استراتيجية تفاوض قطاعي السيارات والصلب بشكل مستقل عن بعضهما البعض لن تكون ناجعة. ولن تتمكن اليابان من إقناع الجانب الأمريكي ما لم تتمكن من رسم ”صورة كبيرة“ تشمل كلا القطاعين.
مصنع إدغار تومسون للصلب التابع لشركة يو إس ستيل بالقرب من بيتسبرغ في بنسلفانيا. (© جيجي برس)
سيركز ترامب في ولايته الثانية على إحياء قطاع التصنيع الأمريكي. ويتعين على اليابان إثبات قدرتها على المساعدة. على سبيل المثال، يمكن للمصالح اليابانية أن تجادل أنه عبر الاستثمار في الولايات المتحدة فإن مصنعي معدات ومواد أشباه الموصلات سيساعدون الصناعات التي تدعم قطاع أشباه الموصلات في أمريكا.
ومن المهم أيضا مداعبة كبرياء الرئيس ترامب. فعندما خضعت نيبّون ستيل لتعريفات جمركية أعلى على الصلب فرضتها إدارة ترامب الأولى، تحركت الشركة للاستحواذ على يو إس ستيل والعمل من داخل السوق بدلا من التعامل مع هذه العوائق. ولأن الصفقة تنطوي على استثمار في الأسهم والتكنولوجيا من قبل نيبّون ستيل في كيان أمريكي، فإنها ستكون أول حالة لشركة يابانية تعيد تأهيل شركة صناعية أمريكية، وهو مصدر خارجي للمساعدة قد يرحب به ترامب. وتتمثل استراتيجية أخرى في مداعبة كبرياء ترامب من خلال تأطير الصفقة باعتبارها نتيجة إيجابية لزيادات التعريفات الجمركية التي فرضها في ولايته الأولى.
صفقة الاستحواذ تحظى بدعم الأغلبية
كانت شركة كليفلاند كليفس المنافسة لصناعة الصلب، هي التي حاولت منع استحواذ نيبّون ستيل على يو إس ستيل، وذلك بعد خسارتها أمام منافستها اليابانية في محاولة لشراء الشركة في عام 2023. وعلى الرغم من هزيمة كليفلاند كليفس في عروض الاستحواذ، إلا أنها واصلت محاولاتها لخفض سعر سهم يو إس ستيل بسبب افتقارها إلى السيولة الكافية لإجراء عملية الشراء. يشكل موظفو كليفلاند كليفس غالبية أعضاء اتحاد عمال الصلب، ويعمل الاتحاد والشركة جنبا إلى جنب بشكل وثيق. في غضون ذلك، يتردد أن لورينكو جونكالفيس الرئيس التنفيذي لشركة كليفلاند له صورة سلبية للغاية داخل هذا القطاع، مع مخاوف من أن استحواذ كليفلاند كليفس على يو إس ستيل قد يتسبب في إغلاق مصانع الصلب وتسريح العمال.
من شأن الاندماج بين يو إس ستيل وكليفلاند كليفس أن يؤدي إلى إنشاء كيان يسيطر على 100% من مصانع الصلب في الولايات المتحدة. وتعارض شركات صناعة السيارات التي تشتري الصلب المنتج، بشدة عملية الاندماج بين الشركتين، لأنها قد تضطر في نهاية المطاف إلى الشراء بأسعار أعلى لقاء منتج أقل جودة، وهذا من شأنه أن يقوض قدرتها التنافسية. كما أعربت غرفة التجارة الأمريكية عن معارضتها لأي اندماج، وهو الموقف الذي حظي بتغطية واسعة من قبل وسائل الإعلام الأمريكية.
في الوقت نفسه، من المعروف أن لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة – على الرغم من تجنبها إصدار حكم رسمي بشأن الاستحواذ على يو إس ستيل، وتركت القرار لجو بايدن – تؤيد صفقة الاستحواذ بشدة، حيث يفوق عدد المؤيدين في اللجنة عدد المعارضين بمعدل 9 إلى 1. وكانت الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي – الداعمة لموقف بايدن –هي العضو الوحيد في اللجنة التي عارضت الصفقة. ولكن على اعتبار أن لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة هي منظمة تعتمد على الإجماع في قراراتها، فإن عدم إصدار أي إعلان رسمي من قبلها ليس له أهمية كبيرة، ومن الواضح أنه باستثناء كليفلاند كليفس واتحاد عمال الصلب، هناك في الواقع دعم كبير داخل الولايات المتحدة لصفقة الاندماج بين نيبّون ستيل وشركة يو إس ستيل.
مخاوف بشأن حكومة إيشيبا
ذكرت أعلاه أن المصالح اليابانية إذا أرادت التأثير على صفقة استحواذ نيبّون ستيل على شركة أمريكية، فسيتعين عليها بدلا من الانخراط في مناقشة جادة حول قضايا الأمن، أن تقوم برسم ”صورة كبيرة“ للنتائج الإيجابية التي يمكن توقعها من عملية الاندماج. ولكن في الواقع، لا يوجد دعم لمثل هذه الاستراتيجية. ولا يمكننا الاعتماد على البيروقراطيين المسؤولين عن المعاملات التجارية، بل من الضروري أن يكون هناك توجيه سياسي مباشر يخبرهم بما يجب عليهم فعله من أجل رسم هذه الصورة الكبيرة. وإن أي خطة كبرى لتأمين الدعم لقطاع السيارات من أجل استراتيجية تهدف لإيجاد شعور بالامتنان تجاه نيبّون ستيل، لا يمكن تنفيذها إلا من أعلى الهرم إلى أسفله وبوجود قيادة سياسية.
ولكن هذا الأمر يتجاوز قدرات حكومة الأقلية التي يرأسها رئيس الوزراء إيشيبا شيغيرو، وهو ما يدفعني إلى التشاؤم. سيتعين على طوكيو إجراء حسابات دقيقة فيما يتصل بأفضل توقيت لاستخدام أوراقها في المفاوضات، وبما أن أحد أهم اهتمامات ترامب هو إعادة بناء قطاع التصنيع الأمريكي، فإن ”الأوراق“ التي ستُستخدَم في المفاوضات لابد وأن تتماشى مع هذا الهدف.
أحد المخاوف الرئيسية هنا هو أن رئيس الوزراء إيشيبا يُنظر إليه من قبل البعض في المؤسسات الأمريكية على أنه موالٍ للصين بشكل زائد. وحقيقة أن المكالمة الهاتفية التي أجراها إيشيبا في 7 نوفمبر/تشرين الثاني مع ترامب بعد إعادة انتخابه لم تستمر سوى 5 دقائق، تشير إلى أن ترامب لا يأخذ إيشيبا على محمل الجد. كما أن تصريحات إيشيبا بأن اليابان تسعى إلى إيجاد توازن دبلوماسي بين الولايات المتحدة والصين، لا تشعرني بالثقة في علاقاتها المستقبلية مع واشنطن. من المقرر أن يسافر إيشيبا إلى الولايات المتحدة لحضور قمة في فبراير/شباط عام 2025، ويشكل تبديد مثل هذه المخاوف أولوية قصوى. ليس الوقت مناسبا لمناقشة شركة نيبّون ستيل. والواقع أن الرسالة الأمريكية التي تم إيصالها إلى إيشيبا قد تكون أنه في ضوء سعيه إلى إقامة علاقات دافئة مع بكين أيضا، فإن صفقة الاستحواذ من قبل نيبّون ستيل من شأنها أن تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي.
هل هناك توقعات مؤلمة لنيبّون ستيل؟
أصبح مسعى نيبّون ستيل للاستحواذ على يو إس ستيل بمثابة ورقة يُلعب بها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وعلى الرغم من أن نيبّون ستيل قدمت عرضها في عام 2023، إلا أنها لم تتمكن من تجنب التأثر بالمنافسة في العام التالي.
ولكن يتوجب عليّ الإشارة إلى أن افتقار نيبّون ستيل إلى الوعي بالمشهد السياسي الأمريكي يلعب أيضا دورا في هذا الأمر هنا. فقد ارتكبت الشركة خطأ عندما قررت تعيين وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو كمستشار في يوليو/تموز عام 2024. وعزت الشركة قرارها إلى صلاته القوية بالحزبين الديمقراطي والجمهوري، لكن علاقة بومبيو مع ترامب كانت سيئة خلال فترة رئاسته الأولى. ويتردد أن التوتر بين الرجلين أثار غضب ترامب إزاء خبر تعيين بومبيو.
عملتُ مع نيبّون ستيل قبل نحو 25 عاما، بهدف تقليل الاحتكاك في تجارة الصلب بين اليابان والولايات المتحدة. كان للشركة آنذاك فريق صغير ماهر من جماعات الضغط في الولايات المتحدة. وأعتقد أن غياب الاحتكاك التجاري بين الدولتين لاحقا تسبب في تآكل قدرات نيبّون ستيل على جمع المعلومات وتحليلها. وأعتقد أنه يتعين على الشركة إعادة النظر في قرارها بالاحتفاظ ببومبيو كمستشار لها. كما أن جيه دي فانس نائب الرئيس الأمريكي ينحدر من ولاية أوهايو، المقر الرئيسي لشركة كليفلاند كليفس، ما يعني أنه قد يتعين على الجانب الياباني التحرك في تلك الولاية المحورية للحصول على دعم فانس.
وإذا فشلت محاولة الاستحواذ الحالية، فسوف تتضرر استراتيجية أعمال نيبّون ستيل بشكل كبير، وستضطر الشركة إلى طرح مقترح بديل. ومن بين بدائل الاستحواذ الكامل، الاستحواذ الجزئي على حصة في الكيان الأمريكي أو تشكيل تحالف تقني معه، وكلا الخيارين ينطوي على مستوى أقل من التعاون. وبالتالي فإن الأمر يتطلب إشراك شركات صناعة صلب أخرى أو إعادة النظر في الاستراتيجية.
وبالطبع يجب أن نلاحظ أن الكثير من الاحتكاكات الحالية فيما يخص القضية ليست بسبب السياسة الأمريكية تجاه اليابان، بل هي ناجمة عن تصريحات لورينكو جونكالفيس الرئيس التنفيذي لشركة كليفلاند كليفس المحرضة على طبيعة اليابان كشريك تجاري وكدولة. وهذا ليس بالأمر الذي يمكن أن نستند إليه في صياغة ملاحظات عامة. والفشل في إيجاد حل لهذه القضية بعينها لا ينبغي أن يعوق التدفق الإجمالي للاستثمارات اليابانية إلى الولايات المتحدة أو استحواذ الكيانات اليابانية على شركات أمريكية. فالموقف الأمريكي مرحب بالاستثمار المباشر من كل البلدان، باستثناء الصين. ومن أجل المفاوضات المتعلقة بشركة نيبّون ستيل، أعتقد أن هناك فوائد استراتيجية في الاستمرار في تأطير القضية باعتبارها قضية قد تؤثر على الصناعة اليابانية.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني عام 2025، استنادا إلى مقابلة أجراها موتشيدا جوجي من Nippon.com. الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: مصنع شرق اليابان التابع لشركة نيبّون ستيل في كاشيما بمحافظة إيباراكي. © AFP/ جيجي برس)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | صناعة الصلب على صفيح ساخن... ما مصير استحواذ نيبّون ستيل اليابانية على يو إس ستيل الأمريكية؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :