مع دخول الصراع في أوكرانيا عامه الثالث في فبراير/شباط 2025، لا تزال تداعيات الحرب تلقي بظلالها على البلاد، بينما يبدو أن القتال وصل إلى طريق مسدود. في خضم هذه الأزمة، تتجه الأنظار إلى الدور الذي يمكن لليابان أن تلعبه في دعم جهود إعادة الإعمار. في هذا الحوار، يتحدث سفير أوكرانيا لدى اليابان عن احتياجات بلاده الملحّة وما يمكن لليابان تقديمه لمساعدة الأوكرانيين في استعادة أراضيهم وإعادة بناء حياتهم.
دولتان تقتربان من بعضهما البعض
قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، كان من المرجح أن ينظر معظم اليابانيين إلى أوكرانيا كدولة بعيدة جغرافيًا وثقافيًا، تقع على بعد آلاف الكيلومترات في شرق أوروبا. لكن بعد اندلاع الحرب، أعتقد أن هناك تحولًا ملحوظًا قد طرأ على وعي الناس في اليابان وتفكيرهم تجاه بلدنا. قد يبدو هذا القول مبالغًا فيه بعض الشيء، لكن مع تعاطف الشعب الياباني العميق مع المآسي والكوارث التي عصفت بأوكرانيا خلال السنوات الثلاث الماضية – من تدمير للبنية التحتية إلى نزوح الملايين – أشعر أنهم قد فتحوا قلوبهم بصدق لشعب أوكرانيا. هذا التعاطف لم يقتصر على مجرد الشفقة، بل تجاوزه إلى تضامن حقيقي، عززته جهود اليابان في تقديم المساعدات الإنسانية والدعم الدبلوماسي. نتيجة لذلك، يبدو أن الروابط بين شعبينا قد تعمقت، وأصبحنا أقرب من أي وقت مضى.
السفير سيرغي كورسونسكي في 17 يناير 2025، في السفارة الأوكرانية في طوكيو. (© شيوا كوجي)
أحد الأمثلة هو كيف أنه كلما ركبت القطارات في رحلات العمل أو ما شابه، يقترب مني الناس ويسألونني إذا كنت السفير الأوكراني. دائمًا ما يقدمون كلمات التشجيع والدعم، معبرين عن تضامنهم مع الشعب الأوكراني في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد منذ بدء النزاع في عام 2014، والذي تصاعد بشكل كبير في عام 2022. تستقبل السفارة استفسارات مستمرة حول طرق المساعدة ليس فقط من الحكومة الوطنية، بل من الحكومات المحلية والأشخاص في جميع أنحاء اليابان. على سبيل المثال، قامت محافظة أوكاياما مؤخرًا بالتبرع بشاحنات إطفاء وسيارات إسعاف تم استبدالها حديثًا، مجانًا. وبطبيعة الحال، كانت هذه المركبات قد تم صيانتها بدقة وكانت لا تزال في حالة جيدة تمامًا، مما يعكس التزام اليابان بتقديم مساعدات عالية الجودة. ستكون ذات فائدة كبيرة لخدمات الطوارئ في أوكرانيا، خاصة في المناطق المتضررة من الحرب حيث تفتقر البنية التحتية للموارد الأساسية.
كما قبلت اليابان أكثر من 2700 لاجئ أوكراني حتى الآن، وهو رقم يبرز استجابة اليابان الإنسانية مقارنة بسياستها التقليدية الصارمة تجاه الهجرة. تمكن بعضهم بالفعل من العودة إلى ديارهم بعد تحسن الأوضاع في مناطقهم، لكن العديد منهم لا يزالون يعيشون بدعم من الحكومات المحلية والمؤسسات. كان الدعم الخاص واسعًا وغنيًا، بما في ذلك التبرعات بمعدات ترجمة محمولة وبطاقات SIM للهواتف لتسهيل التواصل، بالإضافة إلى دروس في اللغة اليابانية التي تقدمها منظمات غير حكومية ومتطوعون محليون، على سبيل المثال. ساعد هذا الدعم المادي وغير المادي على زيادة فرص الأوكرانيين في العثور على عمل أيضًا، حيث تمكن بعض اللاجئين من الانخراط في سوق العمل الياباني في مجالات مثل التعليم والخدمات، مما يعزز اندماجهم في المجتمع المحلي.
(© شيوا كوجي)
إن العلاقة بين اليابان وأوكرانيا ليست قاصرة على الدعم السياسي أو الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى تفاعلات ثقافية ورياضية متنوعة تعزز الروابط بين الشعبين. في عام 2023، شهدت هذه العلاقات تطورًا ملحوظًا، حيث جاءت فرقة الرقص الشعبي الوطنية الأوكرانية إلى اليابان، وحققت عروضها نجاحًا كبيرًا، حيث نفدت التذاكر بشكل سريع. هذه الزيارة لم تكن مجرد حدث فني، بل كانت فرصة لليابانيين للتعرف على الثقافة الأوكرانية الغنية وتقديرها.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت العلاقات الثقافية بين البلدين العديد من المشاريع الأخرى التي ساهمت في تعزيز الاهتمام بالثقافة الأوكرانية في اليابان. على سبيل المثال، قامت رياضيات يمارسن الجمباز الإيقاعي من أوكرانيا بالتدريب في مركز تدريب سكني في مدينة تاكاساكي بمحافظة غونما، حيث تلقين تدريبات متخصصة وحصلن على دعم لتحسين مهاراتهن. كما شارك رياضيون أوكرانيون آخرون في تدريبات لرياضة الجودو، مما يعكس التبادل الرياضي بين البلدين.
ومن الجوانب الأخرى المثيرة للاهتمام، هناك مصارعان أوكرانيان يشاركان في بطولات السومو للمحترفين في اليابان. هذان المصارعان يمثلان أوكرانيا في واحدة من أعرق الرياضات اليابانية، مما يعكس مدى عمق التفاعل الثقافي والرياضي بين البلدين.
التعلم من تجربة إعادة الإعمار
أكد مؤتمر اليابان وأوكرانيا لتعزيز النمو الاقتصادي وإعادة الإعمار، الذي عُقد في طوكيو في فبراير 2024، التزام القطاعين العام والخاص في اليابان بدعم تعافي أوكرانيا وإعادة إعمارها. وقد برزت اليابان كواحدة من أكبر الدول المانحة، حيث تحتل المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من خلال تقديم مساعدات واسعة النطاق تشمل الدعم الحكومي والمساهمات الكبيرة من مئات المنظمات غير الحكومية، وعلى رأسها جمعية الصليب الأحمر الياباني.
تستند مساهمة اليابان في هذا المجال إلى خبرتها الطويلة في إعادة الإعمار والتعافي من الكوارث، مما يجعلها شريكًا قيّمًا لأوكرانيا. في عام 2023، نُشر في أوكرانيا كتاب يستعرض الدروس المستفادة من تجارب اليابان في التعامل مع الأزمات وإعادة البناء. وتشمل هذه الخبرات محطات مفصلية مثل إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية، والتعامل مع آثار زلزال كانتو الكبير عام 1923، وزلزال هانشين-أواجي عام 1995، وأخيرًا زلزال شرق اليابان الكبير عام 2011.
إن تجربة اليابان في تجاوز المحن، من خلال التخطيط الدقيق وإدارة الأزمات والاستفادة من التكنولوجيا، توفر نموذجًا ملهمًا لكيفية التعامل مع الدمار وإعادة بناء المجتمعات المتضررة. ومن خلال هذا التعاون، تأمل اليابان في أن تسهم معرفتها في تسريع عملية إعادة إعمار أوكرانيا، وتعزيز قدرتها على الصمود في وجه التحديات المستقبلية.
السفير كورسونسكي يعرض كتابه لعام 2023. (© شيوا كوجي)
عندما كنت أكتب كتابي، حرصت على تسليط الضوء بشكل خاص على شخصية غوتو شينبي، الذي كان له دور بارز في إعادة بناء طوكيو بعد الكارثة المدمرة التي تسبب فيها زلزال كانتو الكبير. بصفته مديرًا لمكتب إعادة الإعمار للعاصمة الإمبراطورية، نجح غوتو في تنفيذ خطة واسعة النطاق لإعادة هيكلة طوكيو الحضرية، حيث قام بتطوير شوارع شريانية جديدة وتنظيم مناطق المدينة بطريقة حديثة. هذه الإصلاحات لم تقتصر على إعادة بناء المباني، بل شملت أيضًا تجديد بنية المدينة بشكل يجعلها أكثر مقاومة للكوارث المستقبلية.
من خلال هذه التجربة، أرى أن هناك العديد من الدروس القيمة التي يمكن استخلاصها، خاصة في سياق الأزمات التي تواجهها الدول. في أوكرانيا، على سبيل المثال، أعتقد أن هناك حاجة ملحة لنوع من الدعم الذي يعكس ”الأسلوب الياباني“ في إعادة البناء والتطوير. فهذا النهج يتسم بالمرونة، والقدرة على التحول السريع، والرؤية المستقبلية التي تدعم التحديث الشامل والبنية التحتية المتكاملة.
تطهير حقول الألغام بالخبرة اليابانية
وفقًا لتقرير صادر في فبراير/ شباط 2024 من خدمة الطوارئ الحكومية في أوكرانيا، قد تكون هناك ألغام أرضية مدفونة فيما يقارب 156,000 كيلومتر مربع من أراضي أوكرانيا—أي أكثر من ربع إجمالي مساحة البلاد—نتيجة الغزو الروسي. هذه الألغام تشكل تهديدًا كبيرًا لحياة المواطنين وتعيق عملية إعادة الإعمار. هنا يمكن أن تلعب الخبرة اليابانية دورًا حاسمًا في مساعدة أوكرانيا على التغلب على هذه المشكلة.
تعمل اليابان منذ سنوات على إزالة الألغام في كمبوديا، حيث بنت خبرة كبيرة في هذا المجال. وقد سافر أعضاء من القوات الخاصة الأوكرانية إلى كمبوديا واليابان عدة مرات للتدريب تحت إشراف متخصصين يابانيين. شمل هذا التدريب توفير المعدات المتخصصة وإعطاء تعليمات دقيقة حول استخدامها. بفضل هذه الجهود، أصبحت اليابان تُعتبر زعيمة عالمية في مجال إزالة الألغام.
قبل أن تبدأ عملية إعادة بناء المدن المدمرة، يجب أولاً تنظيفها من الألغام. فقط بعد ذلك يمكن للمواطنين العودة إلى منازلهم بأمان. يضع الشعب الأوكراني آمالًا كبيرة في مساهمات اليابان في هذه الجهود، حيث تُعتبر هذه المساعدة شكلًا آخر من أشكال الدعم عن طريق ”الأسلوب الياباني“—وهو أسلوب يعتمد على الدقة والخبرة والتكنولوجيا المتقدمة.
(© شيوا كوجي)
دعم لا يتزعزع
تشير التقارير إلى أن بعض الدول الأوروبية، خاصة تلك الأقرب جغرافيًا إلى أوكرانيا، بدأت تفقد اهتمامها التدريجي بالملف الأوكراني. ومع استمرار الحرب وطول أمدها، باتت هذه الدول تشتكي مما يُعرف بـ”إرهاق الدعم“، حيث تقلصت المساعدات وتراجع الاهتمام السياسي. لكن في المقابل، تقدم اليابان—رغم بُعدها الجغرافي عن أوكرانيا بحوالي 8000 كيلومتر—نموذجًا مغايرًا تمامًا، إذ تستمر في إبداء اهتمام عميق ودعم قوي لا يتراجع مع مرور الوقت.
مع استمرار المحادثات بين البلدين على مستويات متعددة—بدءًا من المستوى الوطني والبرلماني وصولًا إلى القطاع الخاص—يمكنني التأكيد على أن ظاهرة ”إرهاق الدعم“ غير موجودة في اليابان. فهناك بين اليابانيين من لا يزالون يتذكرون كيف نقض الاتحاد السوفيتي السابق معاهدة عدم العدوان مع اليابان، ثم غزا الأراضي التي كانت تحت سيطرتها. هؤلاء الأشخاص يرون أوجه تشابه بين ما تعانيه أوكرانيا اليوم وما مرت به اليابان في الماضي، مما يعزز تعاطفهم وفهمهم العميق للوضع الأوكراني.
علاوة على ذلك، فإن ما يحدث في أوروبا له تأثير مباشر على شرق آسيا، بما في ذلك اليابان. وبالمثل، فإن أي صراع في شرق آسيا سيكون له تداعيات على أوروبا. في العام الماضي، وقّعت روسيا وكوريا الشمالية معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، والتي تُعتبر في جوهرها تحالفًا عسكريًا. وقد شاهدنا بالفعل كيف انضمت كوريا الشمالية إلى الحرب في أوكرانيا من خلال تزويد روسيا بالأسلحة والذخيرة، مما يزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي. هذا الواقع يُظهر بوضوح مدى ترابط الأزمات بين أوروبا وآسيا، ويؤكد أن الأمن والاستقرار العالميين لا يمكن النظر إليهما من منظور إقليمي ضيق.
(© شيوا كوجي)
كان رئيس الوزراء الياباني السابق كيشيدا فوميئو يؤكد أن ”أوكرانيا اليوم قد تكون شرق آسيا غدًا“، في إشارة إلى أن نجاح روسيا في غزو أوكرانيا قد يشجعها، أو يشجع دولًا أخرى، على محاولة القيام بالمثل في مناطق أخرى من آسيا. وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل التنامي الملحوظ في التعاون العسكري بين روسيا والصين، حيث أجرت البحريتان الروسية والصينية تدريبات تكتيكية واسعة النطاق العام الماضي، وهي تدريبات باتت تتكرر بوتيرة متزايدة. فما المغزى الحقيقي وراء هذه التحركات؟ وما هي الرسائل التي تسعى موسكو وبكين إلى إيصالها من خلالها؟
علاوة على ذلك، تبرز كوريا الشمالية كلاعب رئيسي في هذا المشهد المعقد، خاصة بعد أن عززت قدراتها النووية وأصبحت أكثر جرأة في سياساتها العسكرية. فكيف ستتصرف بيونغ يانغ في المستقبل في ظل هذه التغيرات الجيوسياسية؟ وما مدى تأثير تحالفها المتنامي مع روسيا على استقرار المنطقة؟ هذه التساؤلات تجعل من الواضح أن الوضع في أوكرانيا ليس مجرد قضية أوروبية، بل هو جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن في شرق آسيا.
ولمنع تكرار سيناريو ”أوكرانيا أخرى“ في شرق آسيا، يتعين على أوكرانيا واليابان الاستمرار في تعزيز تعاونهما الاستراتيجي، سواء على الصعيدين الأمني والاقتصادي أو من خلال التنسيق السياسي والدبلوماسي. فالتحديات التي تواجه أوكرانيا اليوم قد تكون مماثلة لما قد تواجهه اليابان ودول أخرى في المستقبل، مما يجعل التضامن بين البلدين ضرورة ملحّة، وليس مجرد خيار.
(نُشر في الأصل باللغة اليابانية بناءً على مقابلة أجراها فياتشيسلاف أونيتشينكو وسومي كيوسوكي من Nippon.com، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي © شيوا كوجي)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | من الحرب إلى البناء: كيف ترى أوكرانيا دور اليابان في إعادة الإعمار؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :