شهدت انتخابات مجلس الشيوخ في اليابان في يوليو/تموز 2025 تحوّلًا لافتًا في المشهد السياسي، حيث تقدمت الأحزاب الصاعدة على حساب القوى التقليدية التي هيمنت طويلًا على الساحة. المثير أن الحماس الذي أبداه أنصار هذه الأحزاب الصغيرة يشبه في شدته الطريقة التي يتابع بها المعجبون نجومهم المفضلين أو شخصياتهم الخيالية، ما يعكس بروز نمط جديد من المشاركة السياسية في البلاد.
قياس عمق الولاء السياسي
كانت الانتخابات التي جرت في 20 يوليو/تموز عام 2025 لمجلس الشيوخ (المستشارين) في اليابان حدثا استثنائيا بكل المقاييس، إذ قلبت كثيرا مما كنا نظنه ثابتا في السياسة اليابانية. فقد جاءت نتائجها، التي شهدت مكاسب مفاجئة لأحزاب مثل الحزب الديمقراطي من أجل الشعب وحزب سانسيتو، متسقة مع ما رأيناه في انتخابات محافظ طوكيو في يوليو/تموز عام 2024 ومحافظ هيوغو في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه. ففي انتخابات طوكيو، توقع كثيرون أن تنحصر المنافسة بين المحافظة الحالية كويكي يوريكو ورينهو، لكن المفاجأة جاءت من إيشيـمارو شينجي، العمدة السابق لمدينة أكيتاكاتا في محافظة هيروشيما، الذي قفز إلى المركز الثاني من حيث عدد الأصوات. أما في هيوغو، فقد تمكن سايتو موتوهـيكو من استعادة منصب المحافظ رغم استقالته في وقت سابق من العام نفسه على خلفية اتهامات بسوء السلوك، بل وحقق عددا أكبر من الأصوات مقارنة بتلك التي حصل عليها في الانتخابات السابقة.
والقاسم المشترك بين هذه الانتخابات جميعا كان وجود دعم شعبي مفاجئ من حيث شدته لهؤلاء السياسيين، متجاوزا ما اعتدنا رؤيته للأحزاب والمرشحين التقليديين. إذ تكشف مراجعة للمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي لمؤيدي الحزب الديمقراطي من أجل الشعب وحزب سانسيتو قبل انتخابات مجلس الشيوخ هذا العام، أو منشورات داعمي إيشيـمارو وسايتو في انتخابات المحافظين العام الماضي، عن مستوى من الحماسة لم يظهر لدى مؤيدي الأحزاب الأخرى. وقد أصدر أكاديميون يابانيون في الأشهر الأخيرة عددا من الدراسات التي شبهت هذا النوع من التأييد بما يعرف بـ ”أوشيكاتسو“، أي أنشطة الدعم المكثف التي يمارسها المعجبون لفنانيهم أو شخصياتهم الخيالية المفضلة.
وخلال الفترة بين 16 و19 يوليو/تموز هذا العام، أي الأيام الأربعة السابقة على انتخابات مجلس الشيوخ، قدت فريقا أجرى استطلاعا عبر الإنترنت شمل 4109 أشخاص من كلا الجنسين من مختلف أنحاء اليابان. ولضمان أن يكون الاستطلاع معبرا قدر الإمكان عن المجتمع الياباني، حددنا سقفا أعلى لعدد الإجابات في كل فئة بحسب الجنس والعمر (بمعدل 10 سنوات لكل فئة) ولكل منطقة سكنية. وعلى الرغم من أنه كان من الواضح أن بعض المشاركين أجابوا على الأسئلة دون قراءة متأنية، فقد أدرجنا جميع الردود في تحليلنا، معتبرين أنها تمثل أنماطا معينة من الناخبين. (وقد خضع الاستطلاع لمراجعة وموافقة لجنة أخلاقيات البحث في جامعة أوساكا للاقتصاد).
كان هدف الاستطلاع قياس درجة الحماسة التي أظهرها أنصار كل حزب سياسي بشكل تجريبي، مع تعريف ”الحماسة“ بأنها مستوى عال من الالتزام العاطفي المرتبط ارتباطا وثيقا بآراء الحزب وقيادته.
وقد طرحنا في الاستطلاع أسئلة تتعلق بالأحزاب السياسية الكبرى وزعمائها، وقسنا ”درجة الحرارة العاطفية“ للمشاعر الإيجابية التي يكنها المشاركون لهم. ومع تحديد أعلى مستوى ممكن من الدعم عند 100 وأدناه عند 0، ومتوسط الرأي عند 50، طلبنا من المشاركين اختيار درجات تعكس آراءهم تجاه الأحزاب وقادتها.
وفيما يلي أعرض مقارنة بين مستويات الحماسة التي يبديها الناس للأحزاب والسياسيين، بحسب الأحزاب التي يعلنون تأييدها. ويعرض الشكلان أدناه درجة الحماسة الشعبية للأحزاب وقادتها. ويُرتب الشكل الأول بحسب أنصار كل حزب، حيث نجد مثلا في أعلاه درجة الحماسة 69.1 التي منحها أنصار الحزب الليبرالي الديمقراطي لحزبهم، مقابل درجة حماسة بمقدار 56.9 لرئيس الحزب إيشيبا شيغيرو، بينما يعرض الشكل الثاني الحماسة لدى جميع المشاركين في الاستطلاع.
حماسة كبيرة تجاه الأحزاب الجديدة على عكس الحزب الليبرالي الديمقراطي
عند النظر أولا إلى مؤشرات درجة الحماسة الصادرة بشكل منفصل عن أنصار كل حزب، يمكننا أن نلحظ ثلاثة اتجاهات رئيسية.
أولا، يظهر أنصار الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم قدرا أقل بكثير من الحماسة مقارنة بأنصار الأحزاب الأخرى. فقد كانت حماستهم تجاه الحزب ككل وتجاه رئيسه – رئيس الوزراء إيشيبا شيغيرو – أدنى بشكل ملحوظ مما هو مسجل لدى الأحزاب الأخرى ورؤسائها. وبكلمة أخرى، حتى أنصار الحزب الليبرالي الديمقراطي كانت لديهم آراء سلبية نسبيا عن حزبهم خلال الفترة السابقة لانتخابات مجلس الشيوخ هذا العام.
ثانيا، تمتعت الأحزاب الصغيرة بدعم قوي من أنصارها. وقد تجلت هذه الحماسة الاستثنائية في معدلات التأييد المرتفعة تجاه الحزب الديمقراطي من أجل الشعب (81.6) وحزب سانسيتو (85.1) وحزب ريوا شينسينغومي (86.6).
ثالثا، كان الفارق بين دعم الحزب ودعم زعيمه أكثر وضوحا لدى الحزب الليبرالي الديمقراطي مقارنة بالأحزاب الأخرى. فقد بلغ الفارق 12.2 نقطة كاملة بين درجة دعم الليبراليين الديمقراطيين (69.1) ودرجة دعم إيشيبا (56.9)، بينما كان الفارق أقل بكثير لدى بقية الأحزاب: 4.5 نقاط للحزب الديمقراطي من أجل الشعب و1.8 نقطة لحزب سانسيتو و1.3 نقطة فقط لحزب ريوا. وهذا يوضح أن أنصار تلك الأحزاب يربطونها بقوة أكبر بقياداتها، على عكس أنصار الحزب الليبرالي الديمقراطي.
بل يمكن القول إن دعم الناخبين لهذه الأحزاب تحركه بدرجة كبيرة شخصية الزعيم نفسه، إذ إن حماسة الأنصار تتركز على القادة في قمة هرم الحزب. حتى عندما تندلع فضيحة، مثلما حدث حين كُشف عن علاقة خارج إطار الزواج لرئيس الحزب الديمقراطي من أجل الشعب تاماكي يوئيتشيرو، أو عندما اتهم كامييا سويهـي من حزب سانسيتو خلال الحملة الانتخابية بمخالفات مالية، فإن ذلك لم يلحق سوى ضرر طفيف بمستويات الدعم المرتفعة التي ظلوا يحظون بها. وكل ذلك يحمل بصمة ”أوشي“ أو الولاء العاطفي الشديد.
وفي الوقت نفسه، فإن هذا يعد أيضا مؤشرا على أن هذه الأحزاب مبنية بطريقة تسمح لها بالتهرب من المساءلة عن المشكلات التي قد تسببها. وهذا أمر لا يمكن الترحيب به في السياسة. فقد تعرض كل من الحزب الديمقراطي من أجل الشعب وحزب سانسيتو لانتقادات بسبب قضايا متنوعة مرتبطة بالحوكمة. وإذا ما حال اندفاع الحماسة غير المنضبطة لدى أنصارهما دون تطوير أنظمة حكم أكثر انضباطا، فمن المرجح أن يعيق ذلك جهودهما في توسيع قاعدة شعبيتهما بين شرائح جديدة من الناخبين.
دعم واسع النطاق أم ولاء متعصب؟
من المفيد أيضا النظر إلى الفجوات بين مستوى الحماسة التي يظهرها أنصار أحزاب معينة (والموضحة بالأعمدة الحمراء في الرسم البياني الأول أعلاه) وبين الآراء الإيجابية تجاه تلك الأحزاب لدى الناخبين بشكل عام (الأعمدة الزرقاء في الرسم البياني الثاني). وكلما اتسعت هذه الفجوات، دل ذلك على مستويات من الدعم قد تصل إلى حد التعصب، وربما تكون خارجة عن المألوف قياسا بالمعايير الاجتماعية.
لا شك أن من يعرّفون أنفسهم كأنصار لأي حزب معين سيكونون أكثر صراحة في دعمهم لذلك الحزب مقارنة بالجمهور الأوسع. ومع ذلك، يمكننا أن نرصد فروقا كبيرة في مدى هذا التباين بحسب الحزب المعني.
فبالنسبة للحزب الليبرالي الديمقراطي، بلغ الفارق بين الحماسة التي أظهرها أنصاره وتلك التي عبر عنها الناخبون عموما 32.2 نقطة. أما بالنسبة للحزب الدستوري الديمقراطي الياباني فقد وصل إلى 35.8 نقطة، وللحزب الديمقراطي من أجل الشعب 32.2 نقطة، ولحزب إيشين 35.4 نقطة. غير أن هناك فارق كبير بين هذه الفجوات ونظيراتها في حزب سانسيتو (46.4 نقطة) وحزب ريوا (52.5 نقطة).
وعلى الرغم من أن الحزب الديمقراطي من أجل الشعب وحزب سانسيتو حققا مكاسب قوية في انتخابات مجلس الشيوخ في يوليو/تموز، فإن هذه الأرقام تكشف عن اختلاف جوهري في طبيعة الدعم الذي حظيا به. وبعبارة أخرى، يبدو أن دعم الحزب الديمقراطي من أجل الشعب كان منسجما إلى حد كبير مع ما يبديه الناخبون عموما تجاه الأحزاب السياسية، في حين أن حماسة أنصار سانسيتو بدت أشد حرارة على نحو لافت، ما يشير إلى أن نسبة إقبال الناخبين على التصويت له كانت أكثر ارتباطا بقاعدته الانتخابية المؤيدة على وجه الخصوص.
عصر جديد يواجه جميع الأحزاب
ومع كل ما سبق، يجب التنويه إلى أن الأرقام التي اعتمدتُ عليها في التحليل أعلاه جاءت من استطلاع أجري قبل الانتخابات. فأحزاب مثل سانسيتو، التي اكتسبت شهرة بفضل التقدم الذي أحرزته في صناديق الاقتراع، قد تحظى بآراء أكثر إيجابية من الجمهور نتيجة لذلك. وفي الواقع، أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة يوميؤري شيمبون يومي 21 و22 يوليو/تموز، أي مباشرة بعد الانتخابات، أن ما نسبته 12% من المشاركين في الاستطلاع اختاروا سانسيتو بوصفه حزبهم المفضل، ما جعله الحزب المعارض الأكثر دعما، متقدما على الحزب الديمقراطي من أجل الشعب (11%) والحزب الدستوري الديمقراطي الياباني (8%). ويبدو بالتالي أن فرص نمو الحماسة المؤيدة لهذا الحزب في المستقبل قد تعتمد على الكيفية التي سيضع بها استراتيجيته في المرحلة المقبلة، ضمن مشهد سياسي يشكل فيه ائتلاف الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب كوميه حكومة أقلية مقيدة في كلا مجلسي البرلمان.
وبينما من البديهي أن الحزبين الحاكمين يواجهان مسارا صعبا، ينبغي أيضا الإشارة إلى أن الحزب الدستوري الديمقراطي الياباني، رغم كونه قوة معارضة راسخة نسبيا وفي بيئة انتخابية ملائمة للغاية، فشل في توسيع عدد مقاعده في مجلس الشيوخ، وهو ما يعد مؤشرا على الأزمة العميقة التي يمر بها هذا الحزب.
ولا يسع المجال هنا للدخول في تفاصيل أعمق، لكن من اللافت أن الحماسة تجاه الحزب الدستوري الديمقراطي الياباني وزعيمه نودا يوشيهيكو جاءت أعلى من الأرقام المسجلة لحزب سانسيتو وزعيمه كامييا سويهي. وهذا يعني أنه لا يمكن استبعاد الأول أو التعامل معه وكأنه أقل شعبية من الخيارات الأخرى. لكن نتائج الانتخابات قد تكشف حقيقة غير مريحة، وهي أنه من الأفضل أن تكون موضع رفض، ما دام الناس يولونك اهتماما، على أن يتم تجاهلك تماما من البداية.
ومع المضي قدما، سيكون من المهم مراقبة إن كانت الأحزاب الراسخة ستسعى إلى رفع مستويات الحماسة الشعبية تجاهها، أم أنها ستختار تقديم نفسها بوصفها كيانات مستقرة وموثوقة تستحق تصويت الناخبين لها. وفي جميع الأحوال، لقد دخلت السياسة اليابانية مرحلة جديدة، وعلى كل الفاعلين فيها أن يقرروا كيف سيتعاملون مع تطوراتها.
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | من الشغف إلى صناديق الاقتراع: قراءة في الدعم الشعبي للأحزاب اليابانية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :