مع مطلع عام 2024، هزّ زلزال مدمر شبه جزيرة نوتو في محافظة إيشيكاوا، تاركًا وراءه مشاهد مؤلمة لضحايا، كان بينهم عدد كبير من كبار السن الذين وجدوا أنفسهم معزولين لأسابيع بلا خدمات أو إمدادات أساسية. لم يكن ذلك مجرد اختبار لقدرة المنطقة على الصمود، بل كان صرخة استغاثة كشفت عن ثغرات خطيرة في منظومة إدارة الكوارث. واليوم، وبعد مرور أكثر من عام، نرى كيف تحولت هذه التجربة القاسية إلى نقطة انطلاق لإصلاحات جذرية، إذ تشرح لنا نائبة محافظ إيشيكاوا السابقة كيف مهّدت دروس الزلزال الطريق نحو تشريعات واسعة النطاق لإدارة الكوارث، أقرها البرلمان الياباني في مايو/ أيار 2025.
كان الزلزال الذي بلغت قوته 7.6 درجة والذي ضرب شبه جزيرة نوتو في محافظة إيشيكاوا في الأول من يناير/ كانون الثاني 2024 حدثًا مدمرًا. وكان السبب المباشر في وفاة 228 شخصًا وعاملًا مساهمًا رئيسيًا في وفاة 397 شخصًا آخرين (حتى يوليو/ تموز 2025). ودُمر ما يقرب من 30 ألف مبنى أو لحقت به أضرار بالغة. وأصبحت شرايين النقل التي تمتد على طول شبه الجزيرة النائية غير صالحة للسير، وارتفع قاع البحر بما يصل إلى أربعة أمتار، مما قلل من عمق المياه الساحلية وجعل الموانئ غير صالحة للاستخدام. وأعاق تعطيل كل من الطرق البرية والبحرية عمليات الإنقاذ والإغاثة المبكرة بشكل كبير. كما أدى الضرر الذي لحق بالبنية التحتية إلى عزل المجتمعات الريفية، وترك آلاف السكان بدون ماء أو كهرباء أو خدمات أساسية أخرى. وتعطلت شبكات الاتصالات، مما جعل من الصعب للغاية على المتعاملين مع الكارثة حتى تحديد مواقع المحتاجين إلى الإنقاذ والإغاثة. وقد ساهمت هذه العوامل مجتمعة في ارتفاع أعداد الوفيات غير المباشرة.
تحليل أسباب فشل النظام
مع تدفق الضحايا على مراكز الإجلاء الأولية، أصبح الاكتظاظ مشكلة، فلجأ الكثيرون إلى ملاجئ مؤقتة، بما في ذلك منازل ومستودعات وبيوت بلاستيكية وسيارات متضررة. ونظرًا لكثرة موظفي البلديات المتضررين من الكارثة، كانت ملاجئ الإجلاء العامة تفتقر إلى الكادر الكافي. وسرعان ما توافد متطوعون من منظمات غير ربحية ومنظمات أخرى على المنطقة، راغبين في تقديم المساعدة من خلال توفير وجبات مجانية أو المساهمة في إدارة مراكز الإجلاء. إلا أن التعاون بين القطاعين الخاص والعام واجه العديد من العقبات المتعلقة بقضايا الوصول إلى المعلومات، واستخدام المعدات والمرافق العامة، والمسؤولية عن التكاليف المتكبدة.
وانتشرت انقطاعات المياه على نطاق واسع، لا سيما في البلديات التي تعاني من نقص في الميزانية وتناقص في أعداد سكانها، والتي تباطأت في تحديث شبكات إمدادات المياه. وقد قُدِّر أن عملية استعادة المياه الجارية ستستغرق أسابيع في بعض المناطق. وفي منطقة معروفة بمناخها الشتوي القاسي، سرعان ما تبين أنه من غير المجدي لسكان المجتمعات الريفية المتضررة البقاء في أماكنهم، ومع تعرض خدمات الرعاية الاجتماعية الإقليمية لضغط غير مسبوق، توصلنا إلى أن آلاف السكان سيحتاجون إلى نقل مؤقت. إلا أن مثل هذا ”الإخلاء الواسع النطاق“ أعاقته قوانين تمنع البلديات من مشاركة المعلومات الشخصية مع جهات أخرى - عامة أو خاصة - مستعدة لتقديم الدعم والمأوى.
وتتجلى شيخوخة سكان الريف الياباني بشكل خاص في شبه جزيرة نوتو. ففي البلديات المتضررة من الزلزال مثل واجيما وسوزو ونوتو وأناميزو، تبلغ نسبة السكان الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر 50% على الأقل. ونتيجةً لذلك، برزت حاجة ملحة، ليس فقط لفرق المساعدات الطبية لتقديم الرعاية الطبية التقليدية، بل أيضًا لفرق مساعدات معنية بالرعاية في أوقات الكوارث، ولتنسيق إرسال طواقم التمريض لدعم الضحايا المسنين. وللأسف، لم يشمل قانون الإغاثة من الكوارث هذه الخدمات. وقد أعاق هذا الأمر، إلى جانب صعوبة تبادل المعلومات حول المحتاجين إليها، جهود الإغاثة المبكرة. كما أدى ذلك إلى نقص في المساكن المؤقتة المُجهزة لتلبية احتياجات الضحايا المسنين.
مأوى ضحايا زلزال نوتو في إحدى الدفيئات البلاستيكية في مدينة واجيما، محافظة إيشيكاوا، في 9 يناير/ كانون الثاني 2024، بعد أكثر من أسبوع من وقوع الزلزال. (© كيودو نيوز)
التكنولوجيا الرقمية للإغاثة الموجهة للضحايا
هناك اتفاق واسع النطاق على أن عمليات الإغاثة لضحايا زلزال نوتو تعطلت بشكل كبير بسبب ضعف الوصول إلى المعلومات عن ضحايا الكارثة، وخاصة أولئك الأكثر احتياجًا إلى المساعدة - وهي المشكلة التي تفاقمت بسبب جغرافية شبه جزيرة نوتو وكبار السن من السكان.
وفي تقريرها الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 بشأن دروس إدارة الكوارث من زلزال نوتو، دعت اللجنة المركزية للوقاية من الكوارث التابعة لرئيس الوزراء إلى ”تحول مفاهيمي“، من الإغاثة التي تركز على المكان وتستهدف مواقع الإخلاء العام إلى الإغاثة التي تركز على الناس وتستهدف الضحايا.
وقد تحرّكت محافظة إيشيكاوا بشكل استباقي، حيث أنشأت أول قاعدة بيانات لضحايا الكوارث في اليابان، بدعم من حكومات محلية أخرى، والوكالة الرقمية التابعة للحكومة المركزية، ومجلس التعاون بين القطاعين العام والخاص للوقاية من الكوارث. وبعد جمع البيانات المقدمة من ضحايا الكوارث باستخدام تطبيق المراسلة LINE ”لاين“، وبطاقات (Suica IC) أو بطاقات ”سويكا“ الذكية، وأدوات أخرى، بدأت حكومة محافظة إيشيكاوا بالفعل باستخدام قاعدة البيانات لتحديد أماكن النازحين، بهدف تحسين توزيع التبرعات ومراقبة رعاية المسنين. كما نشر فريق العمل المشارك في تصميم النظام وتنفيذه مجموعة من الإجراءات والمواصفات التي يمكن استخدامها على نطاق أوسع في مناطق أخرى (بدعم من الوكالة الرقمية وجهات حكومية أخرى).
تطوير الإطار القانوني
في 28 مايو/ أيار 2025، أقرّ البرلمان تشريعًا لتعديل القانون الأساسي لإدارة الكوارث، وقانون الإغاثة الأساسية من الكوارث، والقوانين الأخرى ذات الصلة. وتهدف هذه التعديلات إلى ثلاثة أهداف أساسية: تعزيز التعامل الوطني مع الكوارث، وتعزيز الدعم لضحايا الكوارث، وتسريع إصلاح وإعادة إعمار البنية التحتية. وأركز هنا على التعديلات الهادفة إلى تعزيز الدعم لضحايا الكوارث.
وبموجب التشريع الجديد، عُدِّل قانون الإغاثة من الكوارث لتوسيع نطاق المساعدات ليشمل مراكز الإجلاء العامة، لضمان دعم ”توفير الخدمات الاجتماعية“. ويهدف ذلك إلى ضمان تقديم إغاثة كافية لشريحة أوسع من الضحايا، بمن فيهم كبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة، والأشخاص غير القادرين على الوصول إلى مراكز الإجلاء، والضحايا الذين يلجأون إلى منازلهم. كما ينص القانون الأساسي لإدارة الكوارث المُعدّل صراحةً على توفير خدمات الرعاية الاجتماعية.
وتتعلق تغييرات أخرى بمشاركة المعلومات الشخصية في حالات الكوارث التي تتطلب إخلاءً واسع النطاق. وفي اليابان، تتحمل البلديات مسؤولية تقديم الخدمات الحكومية والمساعدة لسكانها المُسجلين، وتحدّ القوانين المنظمة لحماية المعلومات الشخصية من الوصول إلى معلومات السكان. ولكن في حالة وقوع كارثة تتطلب إخلاءً واسع النطاق، يجب مشاركة هذه المعلومات مع البلديات الأخرى (بما في ذلك تلك الموجودة في المحافظات المختلفة) لضمان حصول الضحايا النازحين على الخدمات الحكومية دون انقطاع. ويدعو القانون الأساسي المعدّل لإدارة الكوارث بوضوح إلى مساعدة المحافظات في إعداد سجلات ضحايا الكوارث الخاصة بالبلديات. وسيسمح هذا الأمر للبلديات بتبادل المعلومات حول الضحايا النازحين عبر حكومات المحافظات.
تسجيل المنظمات المتعاونة
في أعقاب زلزال نوتو، تدخّلت العديد من المنظمات غير الربحية والمجموعات التطوعية للمساعدة في تشغيل مراكز الإجلاء، وتوفير وجبات الطعام، ومساعدة السكان في أعمال التنظيف بعد الزلزال، وما إلى ذلك. ومع ذلك، نظرًا لنقص الخبرة والدراية السابقة، تبيّن أن تنسيق هذه المساهمات مع أنشطة الحكومة المحلية ومجالس الرعاية الاجتماعية كان صعبًا، مما أدى إلى عدد من المشكلات. وفي محاولة لتجنب مثل هذه المشاكل مستقبلًا، تدعو التعديلات الأخيرة إلى إنشاء سجل وطني لمجموعات الدعم المؤهلة. ويفتح القانون المعدّل المجال لتبادل المعلومات بين هذه المجموعات والبلديات المتضررة، وللتمويل الحكومي لدعم جهود الإغاثة التي تبذلها هذه المنظمات.
وتعكس التعديلات الأخيرة أيضًا إدراكًا للتقدم الذي أحرزته محافظة إيشيكاوا في قاعدة بيانات ضحايا الكوارث. حيث ينص التشريع المُعدَّل صراحةً على بذل الجهود لاستخدام التكنولوجيا الرقمية، إدراكًا للدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه في رصد وتبادل المعلومات المُحدَّثة عن ضحايا الكوارث وتحركاتهم، بما يُتيح تقديم المساعدة اللازمة للأفراد أينما كانوا.
الإفصاح عن مخزونات الطوارئ
من المشكلات الرئيسية التي برزت في أعقاب زلزال نوتو مباشرةً نقص إمدادات الطوارئ نتيجةً لنقص المخزون على مستوى المحافظات والبلديات. وتفاقم هذا النقص بسبب وقوع الزلزال في يوم رأس السنة الجديدة، حيث ازداد عدد السكان المقيمين نتيجة لزيارات الأقارب والسياح. وفي الوقت نفسه، أدى الزلزال والانهيارات الأرضية الناتجة عنه إلى إغلاق الطرق، مما أعاق جهود الحكومة المركزية لتوصيل إمدادات إضافية إلى مراكز الإجلاء والمجتمعات المعزولة.
وفي محاولة لمنع تكرار مثل هذه المشاكل، يدعو التشريع المُعدَّل إلى تضافر الجهود لبناء مخزونات كافية، مع مراعاة احتياجات المجتمعات الصغيرة المُعرضة للعزلة. كما يُلزم التشريع الحكومات المحلية بنشر معلومات عن مخزونات الطوارئ الخاصة بها مرة واحدة سنويًا، حتى يتمكن السكان من التحقق من جاهزية مجتمعاتهم ومقارنتها بجاهزية المجتمعات الأخرى.
إصلاح متعدد الجوانب
عدّل التشريع الذي أُقرّ في مايو/ آيار ستة قوانين مختلفة. فبالإضافة إلى القانون الأساسي لإدارة الكوارث وقانون الإغاثة من الكوارث، عدّل المشرّعون قانون إمدادات المياه، والقانون الأساسي لإعادة الإعمار للتعامل مع زلزال شرق اليابان الكبير، وقانون التدابير الخاصة لمكافحة الزلازل واسعة النطاق، بهدف تسريع ترميم البنية التحتية الحيوية. كما عدّلوا قانون إنشاء مكتب مجلس الوزراء لتأسيس مركز قيادة مركزي للإشراف على إدارة الكوارث وتنسيقها.
ومع ذلك، يُشكل القانون الأساسي لإدارة الكوارث وقانون الإغاثة من الكوارث جوهر سياسة إدارة الكوارث في اليابان. حيث صدر القانون الأساسي لإدارة الكوارث في الأصل عام 1961 للتعامل مع إعصار إيسيوان عام 1959 المعروف باسم (إعصار فيرا)، الذي خلّف أكثر من 5.000 قتيل ومفقود. ويُوفر القانون إرشاداتٍ للتأهب للطوارئ وإدارتها قبل الكوارث وأثناءها. أما قانون الإغاثة من الكوارث، الذي يُعنى بتوفير الإنقاذ والإغاثة في حالات الطوارئ، فقد صدر في البداية عام 1947، عقب زلزال ”شووا نانكاي“ عام 1946، ثم عُدِّل لاحقًا لتوسيع نطاق الإنقاذ والإغاثة.
ويُنشئ قانون الإغاثة من الكوارث نظامًا مُتدرجًا للتعامل مع الكوارث، حيث يُسند المسؤولية الرئيسية إلى محافظ المحافظة. وعند وقوع كارثة على نطاق مُعين في بلدية أو بلديات، يكون محافظ المحافظة مُلزمًا بتوجيه وتنسيق ودعم جهود الإغاثة في البلديات المُتضررة. ويشمل ذلك توفير المأوى الطارئ والمساكن المؤقتة؛ وتوفير الوجبات ومياه الشرب وغيرها من الضروريات؛ والرعاية الطبية للضحايا، وإزالة حطام الطرق والعوائق الأخرى. وتتحمل الحكومة المركزية التكاليف في النهاية.
ومع كل كارثة كبرى، كانت هذه القوانين موضع تدقيق ونقاش مع ظهور تحديات جديدة. ويحدوني الأمل في أن هذه الحزمة الأخيرة من الإصلاحات التي تركز على المواطن، بتركيزها على تنسيق الإغاثة ودعم الفئات الضعيفة، ستساهم في الحد من عدد الوفيات غير المباشرة المرتبطة بالكوارث في مجتمع اليابان المُسن.
(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة الموضوع: أحد الأشخاص في مدينة واجيما بمحافظة إيشيكاوا، يلتقط مقص الخياطة الخاص بزوجته من بقايا منزله المتفحم في 4 يناير/ كانون الثاني 2024. © جيجي برس)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | زلزال شبه جزيرة نوتو يكشف الثغرات… قوانين جديدة في اليابان لحماية البنية التحتية والأفراد لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :