يبدأ شهر آب بمحطَّتين مهمَّتين: الأولى هي عيد زيَّاح الصليب الكريم، أو بالأحرى تذكار إخراج ومسيرة الصليب الكريم إلى الشعب [1] وقد بدأ هذا الأمر على الأرجح في القرن التاسع ميلاديًّا، حيث كان يتمُّ إخراج عود الصليب من كنيسة القصر الملكيِّ إلى كنيسة الحِكمة المقدَّسة – آيا صوفيا – في تطواف مهيب.
وكانت تُقام صلاة تقديس المياه في بيت المعموديَّة الصغير[2] الملحق بكنيسة آيا صوفيا، حيث يُغطَّس الصليب في المياه ثلاث مرَّات، ثمَّ يُصار إلى نضح المؤمنين بها.
كما كان يُقام زيَّاح يوميٌّ في قسم من المدينة، حتَّى مساء عيد رقاد والدة الإله في 14 آب، ليشمل في نهايته المدينة كلَّها، وذلك لأجل حماية الشعب والمدينة من الأوبئة والأمراض الَّتي كانت تنتشر في شهر آب نتيجة الحرِّ الشديد والرطوبة. وما زالت بعض الأديار تحافظ على إقامة هذه الصلاة في الأوَّل من كلِّ شهر.
المحطَّة الثانية: بدء صوم والدة الإله تحضيرًا لبلوغ تذكار رقادها في 15 آب. وهنا نسأل: هل من علاقة بين الصليب المقدَّس ووالدة الإله؟
الجواب: بالتأكيد نعم.
لنبدأ بالصليب، الَّذي تمَّ عليه الفداء. فالفداء هو ثمرة مشيئةٍ ثالوثيَّة واحدة، غير مجتزأة على الإطلاق. ومن الخطأ الجسيم الاعتقاد بأنَّ الله الآب كان غاضبًا على البشريَّة، وأنَّ الابن الوحيد – الربَّ يسوع المسيح – قدَّم نفسه ذبيحة دمويَّة لإرضاء هذا الغضب. هذا شطَط لاهوتيٌّ.
هذا بالضبط ما أكَّده يسوع حين قال: «أنَّه هكذا أحبَّ الله العالم، حتَّى بذل ابنَه الوحيد، لكي لا يهلك كلُّ مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديَّة» (يوحنَّا 3: 16). ففداء الربِّ لم يكن قصاصًا، بل قيامة مجيدة للبشريَّة، وغلبة على الموت، وعبورًا إلى الملكوت السماويِّ. إنَّه انتصار المحبَّة الإلهيَّة، لا عقوبة من السماء.
ولا ننسَ أنَّ الربَّ يسوع كانت له طبيعتان: إلهيَّة كاملة، وبشريَّة كاملة، باتِّحادٍ كاملٍ لا اختلاط فيه ولا انقسام، من دون أن تلغي إحداهما الأخرى. لهذا، بكى يسوع على لعازر بطبيعته البشريَّة، مثلنا تمامًا، ولكنَّه أقامه بسلطان طبيعته الإلهيَّة. وكذلك قال، بملء إنسانيَّته: «يا أبتاه، إنْ شئتَ أن تجيز عنِّي هذه الكأس، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك» (لوقا 22: 42). وظهر له ملاكٌ من السماء يقوِّيه. لكنَّ يسوع، رغم هذا الألم، أكمل مسيرته طوعًا نحو الصليب، حبًّا بنا، وبإرادة حرَّة كاملة. وهكذا نحن أيضًا: ضعف طبيعتنا البشريَّة، حين تكون بمعزل عن اتِّحادنا بالربِّ، يمنعنا من الخلاص. لكنَّنا، حين نتَّحد بالمسيح، نتقوَّى ونسير خلفه حاملين صليبنا، نحو القيامة.
نعود إلى كلمة الفداء (rédemption). نقرأ في إنجيل مرقس: «لأنَّ ابن الإنسان أيضًا لم يأتِ ليُخدَم، بل ليَخدم، وليبذل نفسَه فدية عن كثيرين» (مرقس 10: 45). هذا يعني تحرير الإنسان من عبوديَّة الخطيئة والموت، ليستعيد حرِّيَّته الحقيقيَّة الَّتي خلقه الله عليها. قدَّم يسوع نفسه كفَّارة (expiation) ليمحو ذنوبنا وخطايانا، أي حملها على عاتقه بكامل إرادته. وفي معنى أعمق، أرانا يسوع نتيجة الخطيئة، وهي الموت، وأرانا في المقابل الخلاص، وهو القيامة. فمن يتَّحد بالخطيئة ولا يتوب، يموت. ومن يتَّحد بالربِّ، يقوم ويحيا.
قديمًا، سعى الإنسان إلى تقديم ذبائح بشريَّة أو حيوانيَّة للتكفير عن الخطايا، أمَّا يسوع، فقد قدَّم نفسه شخصيًّا، ليكون عنوان المحبَّة الحقيقيَّة والأسمى. ولأنَّه تجسَّد، فهو قدَّم ذاته عنَّا، نحن البشر. يا لعظمة هذا العشق الإلهيِّ للإنسان![3]
الفداء والكفَّارة مترابطان ترابطًا وثيقًا. يشير العهد القديم إلى عمليَّة الكفَّارة كما يلي: «ثمَّ يأخذ (هارون شقيق موسى ورئيس الكهنة) من دم الثور وينضح بإصبعه على وجه الغطاء إلى الشرق، وقدَّام الغطاء ينضح سبع مرَّات من الدم بإصبعه» (لاويِّين 16: 14).
في الترجمة السبعينيَّة (القرن الثالث ق.م.)، تُرجمت كلمة Kappōret إلى اليونانيَّة بـ: ἱλαστήριον – hilastērion، وتعني: غطاء الكفَّارة أو موضع التكفير. وتُذكر الكلمة نفسها أيضًا في الرسالة إلى العبرانيِّين (عب 9: 5). المصالحة تتمُّ في الإنسان، لا في الله. فالله لا يتبدَّل، ولا يتقلَّب في محبَّته، بل هو دائم المحبَّة والرحمة. لكنَّه ينتظر عودتنا إليه، ليغسل خطايانا ويجعلها – كما قال النبيُّ: «تبيَضُّ كالثلج» (إشعياء 1: 18). وهذا إن توقَّفنا عن فعل الشرِّ، وغيَّرنا طريقنا ومسلكنا.
هذا تمامًا هو معنى كلمة «مطانيَّة metánoia – μετάνοια»، وهي الكلمة اليونانيَّة الَّتي تعني «التوبة». وتتألَّف من: «μετά» أي «ما بعد» أو «تغيير»، و«νοῦς – nous» أي «العقل» أو «الذهن». فيكون المعنى الكامل: تغييرًا عميق في العقل، والقلب، والاتِّجاه نحو الله.
الكلمةُ نفسها في اليونانيَّة الَّتي تُترجم بـ «الكفَّارة ἱλαστήριον – hilastērion»، نجدها في العهد الجديد تصف عمل المسيح: «متبرِّرين مجَّانًا بنعمته، بالفداء الَّذي في يسوع المسيح، الَّذي قدَّمه الله كفَّارة (hilastērion) بالإيمان بدمه» (رومية 3: 24–25).
أمَّا والدة الإله، الَّتي حملت في أحشائها الربَّ الفادي، فقد جاز في قلبها سيفٌ، كما أنبأها سمعان الشيخ (لوقا 2: 35). هذا السيف، هو الصليب، وقد ارتضت أن تحمله بصمتٍ عميقٍ ومحبَّةٍ كاملة، دون أن تطلب يومًا شيئًا لنفسها.
الدخول في صوم السيِّدة وصلاة البراكليسي، استعدادًا لعيد رقاد والدة الإله، يهدفان إلى أن نتخلَّى عن كلِّ ما يجعلنا نموت ولا نرقد.
فـالموت هو ألَّا نشتهي المسيح، أمَّا الرُقاد، فهو مجرَّد محطَّة قبل أن ينقلنا الربُّ يسوع المسيح إليه، إلى موطننا الأوَّل، إلى حضنه الدافئ.
إلى الربِّ نطلب.
[1]. Ἐκφόρησις τοῦ Τιμίου Σταυροῦ
[2]. Μικρός Ἁγιασμός أو βαπτιστήριον
[3]. «المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا، لأنَّه مكتوب: ملعون كلُّ مَن عُلِّق على خشبة» (غلاطية 3: 13).
كانت هذه تفاصيل خبر الصليب ووالدة الإله والخلاص لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على النشرة (لبنان) وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :