الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من بيروت: في فرنسا، حيث تطارد العدالة الأنيقة أثر الثروات المتعجلة، فُتح تحقيق جنائي بحق رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي. التهمة؟ اقتناء أصول مشبوهة في قلب أوروبا الأنيق، من الريفييرا إلى شوارع باريس التي تعرف الفرق جيدًا بين الاستثمار والتستّر.
النيابة العامة المالية الوطنية الفرنسية أعلنت رسميًا، بعد عام كامل من الترقّب، عن بدء التحقيق استنادًا إلى دعوى رفعتها جمعيتان: "تجمّع ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان" و"شيربا"، المتخصصة في الجرائم المالية العابرة للحدود. محامي الجمعيتين، ويليام بوردون، أشار إلى أن ضمّ أدلة جديدة في نيسان/أبريل 2025 دفع القضية نحو مسارها القضائي الحالي.
التحقيق لا يدور حول شقة متواضعة في الدائرة السادسة، بل عن إمبراطورية ميقاتي المالية: عقارات في الريفييرا وموناكو، يخوت وطائرات خاصة، واستثمارات في عالم الموضة عبر شركة "فاسونابل"، فضلًا عن صِلات بمؤسسات مالية، بينها فرع بنك عودة في فرنسا.
الشكوى تتّهم نجيب ميقاتي، وشقيقه طه، وأفرادًا من العائلة بجمع هذه الثروات عبر منظومة قانونية متعددة الواجهات. الأخوان، بحسب الشكوى، استفادا من عقد اتصالات أُبرم بين لبنان وسوريا عام 1994، وُصف بأنه حرم الدولة اللبنانية من إيرادات ضخمة بينما ضخّ عائدات للطرف المتعهد.
القضاء الفرنسي لا ينظر إلى الملف باعتباره مخالفات إدارية، بل يحقق تحت توصيفات قانونية صارمة تشمل: غسل أموال، إخفاء مسروقات، والتواطؤ، في إطار ما يُشتبه أنه "عصابة منظمة"—وهي عبارة تُقلق حتى أكثر المحامين هدوءًا.
ووفق صحيفة "لوريان لو جور" اللبنانية التي كشفت المستجدات عبر تقرير موسّع أعدّه الصحافي منير يونس، فإن فتح التحقيق يعكس "قناعة قضائية أولية بوجود عناصر شبهة تستوجب التحقيق الموسّع"، استنادًا إلى ما تراكم من وثائق ومعطيات على مدى 12 شهرًا.
شخصيات لبنانية بارزة... وأصول فاخرة قيد التدقيق
تشير الشكوى إلى أن نجيب ميقاتي، البالغ من العمر 69 عامًا، يُقدَّم إلى جانب شقيقه طه ميقاتي (80 عامًا) كشخصيتين بارزتين على رأس منظومة مالية عائلية يُشتبه بأنها تمتّعت بامتيازات واستثمارات واسعة، تشمل أصولًا عقارية وتجارية في الريفييرا الفرنسية وموناكو وأحياء راقية في باريس، إضافة إلى امتلاك يخوت فارهة، طائرات خاصة، واستثمارات في شركات موضة مثل فاسونابل.
ويتهم مقدّمو الشكوى الأخوين ميقاتي وأفرادًا من عائلتهما، من بينهم أبناؤهم، بجمع هذه الثروات من خلال كيانات قانونية متعدّدة، من ضمنها شركات خارجية، وسط مؤشرات على وجود شبهات احتيال ضريبي وتبييض أموال.
علاقات مصرفية وعقود اتصالات
ويجري التحقيق بها ضمن توصيف قانوني مشدّد باعتبار أن "الأفعال نُفّذت في إطار عصابة منظمة"، وهو ما يرفع من درجة الخطورة القانونية للقضية، خصوصًا ضمن اختصاص النيابة العامة المالية الفرنسية، التي تتعامل عادة مع جرائم مالية عابرة للحدود.
بيان ميقاتي: ثروتنا قانونية
ردًا على التطورات، أصدر مكتب رئيس الوزراء اللبناني السابق وعائلته بيانًا تلقّته وكالة الصحافة الفرنسية (AFP)، أكد فيه أن:
"مصدر ثروة عائلة ميقاتي واضح وقانوني وشفّاف."
وأضاف البيان:
"نثق تماماً باستقلالية القضاء الفرنسي وجديّته، ونحن على أتمّ الاستعداد لتقديم أي معلومات تُطلب منّا. ونُجدّد تمسّكنا بالمبدأ الأساسي المتمثّل بقرينة البراءة."
وشدّدت العائلة على أن استثماراتها بدأت قبل تولّي أي منصب رسمي في لبنان، وتشمل مجالات الاتصالات والعقارات والموضة الجاهزة، ما ينفي، وفق قولها، أي تضارب محتمل في المصالح أو استغلال للسلطة.
دراسة قضائية كاملة سبقت القرار
الصحافي منير يونس، الذي تابع مسار القضية عبر صحيفة "لوريان لو جور"، اعتبر في تصريحات إعلامية أن فتح التحقيق الرسمي "يعني أن القضاء الفرنسي قد وجد في الشكوى عناصر جدية تستحق الملاحقة القضائية".
وأضاف يونس:
"منذ تقديم الشكوى الأولى في نيسان 2024، مرورًا بالأدلة الجديدة في نيسان 2025، امتلك الادعاء الفرنسي الوقت الكافي لدراسة المعطيات كافة. قرار فتح التحقيق لا يُتخذ إلا إذا توفرت أسباب قانونية ووقائعية قوية".
وفق فوربس: ثروة تتجاوز 3 مليارات دولار لكل من الشقيقين
بحسب قائمة فوربس للأثرياء العرب – 2025، جاء كل من نجيب ميقاتي وطه ميقاتي في المرتبة 14 بثروة تُقدّر بـ 3.1 مليار دولار لكل منهما.
وتُشير البيانات المرافقة إلى أن الشقيقين أسّسا شركة إنفستكوم عام 1982 خلال الحرب الأهلية اللبنانية، في قطاع بيع هواتف الأقمار الصناعية. ثم توسّعا نحو القارة الإفريقية، حيث بنيا أبراج اتصالات في غانا، ليبيريا، وبنين.
وفي عام 2005، طُرحت "إنفستكوم" للاكتتاب العام في بورصة لندن، ثم تم بيع الحصة إلى شركة MTN الجنوب أفريقية عام 2009 مقابل 3.6 مليار دولار، ما مثّل القفزة الكبرى في مسار الثروة.
رياض سلامة وكفالة الـ20 مليون دولار
ولا يمكن فصل هذه القضية عن المناخ القضائي الأوروبي الأوسع، الذي يلاحق وجوهًا لبنانية مألوفة. رياض سلامة، الحاكم السابق لمصرف لبنان، نموذج سابق وبارز: ثلاث مذكرات توقيف دولية، وكفالة لبنانية بلغت 20 مليون دولار، وهي رقم لا يشي بالبراءة أكثر مما يدل على شراسة الاتهام.
وكانت جمعية "شيربا" نفسها قد رفعت دعوى ضد سلامة، الذي خضع لتحقيقات في فرنسا وواجه 3 مذكرات توقيف دولية. وفي أيلول (سبتمبر) 2024، أفرج عنه القضاء اللبناني بعد توقيف استمر أسابيع، مقابل كفالة بلغت 20 مليون دولار، وُصفت بأنها "غير مسبوقة" في تاريخ الملاحقات المالية اللبنانية.
أخبار متعلقة :