دبلوماسيون ومحللون لـ«الاتحاد»: قمة الدوحة.. صوت موحد لرفض العدوان الإسرائيلي

ابوظبي - سيف اليزيد - أحمد شعبان (القاهرة)

أكد دبلوماسيون ومحللون سياسيون أن البيان الختامي لقمة الدوحة الطارئة يشكّل محطة مفصلية في تاريخ الموقف العربي والإسلامي المشترك، معتبرين أنه رسالة واضحة وصريحة لإسرائيل وللمجتمع الدولي، تُعبّر عن التضامن الكامل مع قطر في مواجهة الاعتداء الإسرائيلي الأخير، وتعيد القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العالمي، باعتبارها قضية مركزية تمس الأمن القومي العربي.
وقال المتحدثون، في تصريحات خاصة لـ«الاتحاد»، إن القادة والزعماء العرب والمسلمين، عبر تبنيهم هذا البيان القوي، أعادوا التأكيد على وحدة الصف في مواجهة أي اعتداء على سيادة الدول العربية، ووجّهوا تحذيراً شديد اللهجة لإسرائيل بأن سياسة فرض الأمر الواقع والتوسع الاستيطاني لن تمر من دون رد، مشددين على أن ما حدث يمثل تحولاً كبيراً في الموقف العربي الرسمي، ويزيد من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية.

تضامن مع قطر
السفير الدكتور صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وصف البيان بأنه «رسالة ردع قوية لإسرائيل»، مشيراً إلى أنه يمثل تضامناً كبيراً مع قطر، ويوجّه إنذاراً إلى إسرائيل بأن الهجوم على الدوحة لا يمكن أن يُقبل عربياً أو إسلامياً. 
وأكد السفير حليمة، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الاعتداء على قطر يُعد انتهاكاً خطيراً لسيادة الدول الخليجية والعربية والإسلامية، وتهديداً مباشراً لأمنها القومي، كما ينسف أي جهود للسلام أو تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.
وأوضح حليمة أن البيان شدّد على ضرورة مواجهة مخططات إسرائيل لفرض أمر واقع جديد في المنطقة، لافتاً إلى أن تل أبيب تمارس سياسة استعمارية توسعية تهدف إلى ضم أراضٍ عربية ضمن مشروع «شرق أوسط جديد». 
وأكد أن القمة بعثت برسالة موحّدة بأن هذه المخططات لن تمر، معرباً عن ثقته بأن الدول العربية تملك القدرات والإمكانيات اللازمة للدفاع عن أمنها القومي.
وأضاف الدبلوماسي المصري أن القمة أرسلت رسالة واضحة أن الاعتداء على قطر لا يقتصر على استهدافها وحدها، بل هو استهداف مباشر للأمن العربي الجماعي، معتبراً أن هذا الاعتداء يعكس نوايا إسرائيلية لتوسيع دائرة العدوان إلى ما هو أبعد من فلسطين، الأمر الذي يتطلب وحدة عربية حقيقية واستراتيجية مشتركة.

موقف عربي
من جانبه، قال المحلل السياسي التونسي، صهيب المزريقي، إن البيان الختامي يمثل منعطفاً سياسياً مهماً في مسار الموقف العربي الجماعي من السياسات العدوانية التي تنتهجها إسرائيل في المنطقة. 
وأشار المزريقي، في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أن هذه هي المرة الأولى منذ سنوات التي يتصدر فيها عدوان إسرائيلي على دولة عربية خارج حدود فلسطين المحتلة جدول أعمال قمة عربية وإسلامية بهذا الزخم، ما يعكس إدراكاً عربياً متنامياً بأن التهديد الإسرائيلي لم يعد محصوراً في الجغرافيا الفلسطينية، بل بات يمس الأمن القومي العربي برمّته.
ولفت المزريقي، إلى أن البيان استخدم مصطلحات قانونية شديدة القوة مثل «جرائم إبادة جماعية» و«تطهير عرقي» و«جرائم ضد الإنسانية»، وهي عبارات لها دلالات كبيرة على المستوى الدولي، ويمكن أن تمهّد لتحرك قانوني أمام المحكمة الجنائية الدولية أو في مجلس الأمن، مشيراً إلى أن هذه اللهجة غير المسبوقة تعبّر عن تحول نوعي في الخطاب العربي والإسلامي.
وأكد أن القمة وجّهت رسائل تضامنية واضحة مع قطر، ورفضاً قاطعاً لأي استهداف إسرائيلي لسيادة الدول العربية مهما كانت الذرائع أو التوقيت، مضيفاً أن المجتمع الدولي أصبح أمام مسؤولية عاجلة للتدخل لوقف هذه الاعتداءات ومنع فرض أمر واقع جديد في المنطقة.
وأوضح المحلل التونسي أن البيان يعكس أيضاً إجماعاً عربياً على رفض التوسع الإسرائيلي ومحاولاته لتغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي في الأراضي الفلسطينية، أو توسيع دائرة عدوانه لتشمل دولاً عربية أخرى، وهو ما يضع المنطقة أمام مرحلة جديدة من الصراع تحتاج إلى توحيد الصفوف.

تحرك دبلوماسي وقانوني
الدكتور عمرو الديب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، اعتبر أن البيان الختامي ليس مجرد إعلان سياسي، بل هو خطوة عملية نحو تحرك دبلوماسي وقانوني واسع لمحاسبة إسرائيل على جرائمها. 
وأوضح الديب، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن التوافق العربي والإسلامي الشامل الذي ظهر في قمة الدوحة يمنح الدول العربية والإسلامية قوة تفاوضية كبيرة للتحرك أمام المجتمع الدولي، خاصة عبر مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية.
وأشار الديب إلى أن هذا التوافق يفتح المجال لتنسيق أوسع مع قوى كبرى مثل روسيا والصين والدول الأوروبية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية والتي ساندت قطر، ما قد يساهم في كبح جماح العدوان الإسرائيلي على غزة ووقف الاستهداف المتكرر لدول عربية، مثل لبنان وسوريا.
واختتم الديب، مؤكداً أن البيان بعث برسالة بأن المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته، مشدداً على أن هذه القمة قد تكون نقطة انطلاق لتحرك عربي أكثر صرامة، ليس فقط سياسياً، بل اقتصادياً وقانونياً، بما يضع حداً لسياسة الإفلات من العقاب.

صوت موحد 
أكد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، زيد الأيوبي، أن البيان الختامي يجسّد صوتاً عربياً موحداً لإدانة الهجمات الإسرائيلية المتكررة، سواء على فلسطين أو على الدول العربية، ويدين ويستنكر ويرفض الهجوم على دولة قطر، باعتباره يقوض فرص السلام والاستقرار في المنطقة، ويعكس وجود رؤية عربية مشتركة حول الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الدول العربية.
وأوضح الأيوبي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن نحو 80 % من نص البيان خُصص لدعم القضية الفلسطينية، وأن ذلك يعكس مكانة فلسطين في ضمير العرب والمسلمين، ويؤكد أن غزة وما تتعرض له من حصار وتجويع وإبادة جماعية هي أولوية عربية وإسلامية لا يمكن تجاهلها.
وأشار الأيوبي إلى أن البيان أدان بوضوح جرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري للشعب الفلسطيني، ورفض سياسة الحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية والأدوية، مؤكداً أن هذه المواقف تمثل إجماعاً عربياً غير مسبوق في مواجهة جرائم الاحتلال.
وأوضح أن القادة والزعماء العرب لم يكتفوا بالتضامن مع قطر في مواجهة الاعتداء الإسرائيلي على سيادتها، بل عبّروا أيضاً عن موقف عربي جماعي داعم للسلام العادل، يقوم على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، باعتبار ذلك الطريق الوحيد لإنهاء الصراع.
وأضاف الأيوبي أن البيان أعطى قطر ما كانت تسعى إليه من رفض عربي جامع للاعتداء على أراضيها، مشدداً على أن القادة العرب يقفون إلى جانب الدوحة في جميع الإجراءات السياسية والدبلوماسية التي تراها مناسبة لمواجهة هذا الاعتداء، واصفاً الموقف العربي بأنه «تاريخي وسيسجله التاريخ بأحرف من نور».
وأكد الأيوبي أن لغة البيان لم تتضمن تهديدات أو دعوات للحرب، بل التمسك بخيار السلام العادل والشامل، مع الحرص على تكريس الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأشار إلى أن قطر، على الرغم من الاعتداء الذي تعرضت له، لا ترغب في التصعيد مع إسرائيل، بل تؤكد استمرار دورها في الوساطة، وحرصها على وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى، في إطار جهودها لإحلال السلام.
وأوضح أن الاعتداء على قطر يهدف في جانب منه إلى إضعاف جهودها الدبلوماسية كوسيط محايد في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن القمة جاءت لتؤكد أن دور قطر في الوساطة يحظى بدعم عربي وإسلامي كامل، وأن أي استهداف لها هو استهداف مباشر للعمل العربي المشترك.

أخبار متعلقة :