الرياص - اسماء السيد - وقعت السعودية وباكستان اتفاقية للدفاع المشترك، في خطوة عدّها البعض أوّل قرار دفاعي قوي تتخذه دولة خليجية، بعد هجوم إسرائيل على قطر في التاسع من سبتمبر/أيلول الجاري.
وأدى الهجوم الإسرائيلي إلى تأجيج مخاوف خليجية تتعلق بمدى التزام الولايات المتحدة بالدفاع عنها، لا سيما ضد التصرّفات الإسرائيلية التي أظهرتْ واشنطن عدم قُدرة على التنبؤ بها.
ووصف وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الهجوم على الدوحة بأنه "عدوان وحشيّ يتطلب رداً عربياً وإسلامياً ودولياً".
ورأت الباحثة فيلينا تشاكاروفا، مديرة المعهد النمساوي لأوروبا والسياسة الأمنية، أنّ اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان تمثل "تطوراً جيوسياسيا مفاجئاً وصادماً"، مفاده أن الرياض لم تعُد تكتفي بـ"المظلة النووية الأمريكية" وحدها.
وقالت تشاكاروفا، على منصة إكس، إنّ الشرق الأوسط وجنوبي آسيا يدخلان عبر هذه الاتفاقية "واقعاً جيوسياسياً جديداً".
وفي حديث لبي بي سي، قال الباحث السياسي السعودي مبارك آل عاتي، إن "الاتفاقية ليست مفاجئة"، منوهاً إلى أن التعاون بين السعودية وباكستان قائم منذ نحو ثمانين عاماً ومعروفٌ للجميع.
ورأى آل عاتي أنّ ما سلّط الضوء على هذه الاتفاقية، التي تأتي تتويجاً لهذا التعاون القديم، إنما هو مجيئُها في "ظرف سياسيّ حادّ جداً" تشهده المنطقة والمجتمع الدولي.
"تحوّل في ميزان القوى الإقليمية"
وقالت وزارة الدفاع السعودية، إن الاتفاقية "الاستراتيجية" تهدف إلى تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين المملكة وباكستان وتعزيز الردع المشترك ضد أيّ اعتداء، كما تنصّ على أنّ "أي اعتداء على أيّ من البلدين هو اعتداء على كليهما".
وفي حديثه لبي بي سي، لفت مبارك آل عاتي إلى المتغيرات المعقّدة التي وُلدتْ في ظلّها هذه الاتفاقية - سواء فيما يتعلق بالاعتداءات الإسرائيلية المستمرّة في المنطقة، أو فيما يتعلق بالخذلان الذي تعرضت له قطر من الحليف الاستراتيجي المتمثل في الولايات المتحدة على حد وصفه.
وعلى مدى عقود، قامت العلاقة بين الولايات المتحدة ودول منظمة التعاون الخليجي السِتّ (البحرين، الكويت، عمان، قطر، الإمارات، والسعودية) على أساس صفقة تقضي بأن تقوم واشنطن بحماية هذه العواصم السِتّ، مقابل تأمين إمدادات من النفط والغاز، فضلاً عن استغلال بعض ثرواتها الهيدروكربونية.
وكانت أوّل هزّة تعرّض لها أساس هذه الصفقة، وفقاً لمجلة الإيكونوميست البريطانية، عندما وقعتْ هجمات مدعومة من إيران في السعودية في 2019، ثم في الإمارات في 2022، دون ردّ أمريكي قويّ على أيّ منهما.
ورأت الإيكونوميست أن دول الخليج الآن تبحث عن ضامن ليس فقط لالتزام إسرائيل بعدم تكرار مثل هذه الضربة ضد قطر أو غيرها، وإنما عن ضمانات أمنية أكبر وأكثر وثوقاً وأطول أمداً.
وفي حديثه لبي بي سي، قال الباحث السعودي آل عاتي، إن بلاده "لا تريد أن ترتهن لحليف واحد في قضاياها الأمنية أو الاستراتيجية؛ ومن ثم رأت في تعديد سلّة تحالفاتها أمراً حيوياً".
ويرى مراقبون أن الاتفاقية الجديدة يمكن أنْ تؤرّخ لتحوّل كبير في ميزان القوى الإقليمية، وأنّ من شأنها كذلك أنْ تقلبْ حسابات إسرائيل الاستراتيجية رأساً على عقب.
وبموجب هذه الاتفاقية، يمكن لباكستان أن تنشُر صواريخها أو أيّ من أسلحتها دون استثناء على التراب السعودي.
"قوة القرار السيادي السعودي"
وتغطّي كلمة "استراتيجية"، الواردة في وصْف اتفاقية الدفاع المشتركة الجديدة بين السعودية وباكستان، استخدام الصواريخ والسلاح النووي، بحسب ما أوضح الباحث حسين حقاني، زميل معهد هدسون.
ولفت حقاني، على منصة إكس، إلى أن باكستان عادة ما تستخدم وصْف "استراتيجي" للتعبير عن برامجها الصاروخية والنووية.
لكنّ آل عاتي، في حديثه لبي بي سي، أكّد أنها ليست موجهة ضد أيّ قوى إقليمية أو دولية، مشدداً على أن السعودية وباكستان إنما تسعيان لحفظ أمن المقدّسات والمكتسبات ولصالح شعوب المنطقة.
ورأى الباحث السعودي أن الاتفاقية تنمّ عن "قوة القرار السيادي السعودي"، متمثلة في القدرة على تعديد سلّة التحالفات مع عدد من القوى وعدم الاقتصار على حليف واحد مهما كان.
ونوّه آل عاتي إلى أن هذا الاتفاق لا يلغي أيّ اتفاق آخر أبرمته السعودية مع أيّ قوة كانت، بل على العكس هو يتكامل مع هذه الاتفاقيات.
يُذكر أن كلا من السعودية وباكستان شريكان قويان في الترتيبات الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة؛ فهما من أهم البلاد الواقعة ضمن نطاق عمليات القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى المعروفة اختصاراً باسم "سنتكوم".
هل ينقل الهجوم الإسرائيلي على قطر العلاقات الخليجية-الإسرائيلية إلى مرحلة مختلفة تماماً؟
وبينما تظلّ الولايات المتحدة هي الشريك الأمني الأساسي للمملكة السعودية، فإن هذه الاتفاقية الدفاعية مع باكستان تحقق العديد من المكاسب الجيوسياسية والاستراتيجية للبلدين وللعالم الإسلامي، وفقاً للباحث السعودي مبارك آل عاتي.
وفي حديثه لبي بي سي، نوّه آل عاتي إلى ما يجمع السعودية وباكستان من "الدين الواحد والمصير المشترك والثقة القوية بين الدولتين، فضلاً عن الموقع الجغرافي القريب جداً والمُطلّ على خليج عمان، بالإضافة إلى عوامل أخرى منها الكتلة البشرية الباكستانية الكبيرة والمُهابة في المنطقة"، على حدّ تعبيره.
يُذكَر أن باكستان هي الدولة الوحيدة ذات الغالبية المسلمة التي تمتلك أسلحة نووية، مع ترسانة تتجاوز 170 رأساً نووية، وأنظمة إطلاق متنوعة، وفقاً لموقع الدفاع العربي.
في المقابل، أعلنت السعودية أنها تدرس زيادة استثماراتها في باكستان لتصل إلى 25 مليار دولار في قطاعات مختلفة. كما يبحث الصندوق السعودية للتنمية زيادة مبلغ الوديعة المقدّمة للبنك المركزي الباكستاني لتصل إلى مليارَي دولار قبل موعد تمديدها، فضلاً عن استثمارات سعودية أخرى بمليارات الدولارات في مجال المعادن والمشتقات النفطية بباكستان، وفقاً لوكالة بلومبرغ.
شراكة تاريخية
وتأتي الاتفاقية الدفاعية المشتركة الجديدة مع باكستان "انطلاقاً من الشراكة التاريخية الممتدة لنحو ثمانية عقود ... وبناءً على روابط الإخوّة والتضامن الإسلامي، واستناداً إلى المصالح الاستراتيجية المشتركة، والتعاون الدفاعي الوثيق بين البلدين"، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس).
وبحسب مراقبين، فإن الالتزام الأمني بالدفاع عن الحرمين الشريفين في مكة والمدينة يشكّل "جوهر التحالف" بين باكستان والسعودية اللتين أبرمتا معاهدةً للصداقة في عام 1951.
وشهدت حقبة الستينيات من القرن الماضي، وصول قوات باكستانية لأول مرّة إلى السعودية، على خلفية مخاوف تتعلق بحرب كانت تخوضها في ذلك الوقت قوات مصرية في اليمن.
وفي أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، تعزّزت هذه الروابط بين السعودية وباكستان، في ظل مخاوف المملكة من اشتعال مواجهة مع طهران.
وخلال عملية عاصفة الصحراء 1990-1991، قامت باكستان بنشر فرقة عسكرية في السعودية، والتي كانت مُكلفة بحماية الحرمين الشريفين.
وفي عام 2016، انضمت باكستان إلى التحالف العسكري الإسلامي بقيادة السعودية لمواجهة الإرهاب.
وبحلول عام 2018، كان أكثر من 1000 ضابط باكستاني في السعودية لأغراض التدريب والاستشارات.
نواة معاهدة تضمّ دولاً أخرى في المنطقة
في المقابل، يصف بعض المحللين الرياض بأنها "المموّل الصامت" للبرنامج النووي في إسلام آباد، على خلفية عقود من الدعم المالي السعودي، لميزانية الدفاع الباكستانية، وتطوير الترسانة النووية على وجه الخصوص.
وتشير مجلة الإيكونوميست إلى أنه وعلى مدى سنوات، ردّد مراقبون ودبلوماسيون باكستانيون أنّ المملكة السعودية بإمكانها الاستفادة من "مظلة باكستان النووية"، لا سيما في ظلّ تنامي المخاوف من البرنامج النووي الإيراني.
وتشير التقارير إلى أن دولاً خليجية أخرى، إلى جانب السعودية، قدّمت دعماً مالياً لميزانية الدفاع الباكستانية.
ويمكن لاتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان أنْ تُشكّل "نواة لمعاهدة يمكن تنضمّ إليها دول أخرى في المنطقة لاحقاً"، وفقاً لـ طلحة عبد الرزاق، الباحث في قضايا الأمن في الشرق الأوسط بجامعة إكستر.
وفي منشور على منصة إكس، رأى عبد الرزاق في ذلك رسالة مُفادها أن "الضمانات الأمنية الأمريكية لم تعُد تؤخذ بجديّة، وأن دول الخليج بسبيل تنويع اتفاقاتها الأمنية في عالم يسير نحو تعدُّد الأقطاب بوتيرة متسارعة" على حدّ تعبيره.
أخبار متعلقة :