ارتفاع طفيف لخام برنت والخام الأمريكي يستقر

شكرا لقرائتكم خبر عن ارتفاع طفيف لخام برنت والخام الأمريكي يستقر والان مع بالتفاصيل

دبي - بسام راشد - أخبار الفوركس اليوم Fx News Today

2025-09-25 17:17PM UTC

المنقح: محمد غيث

الكاتب: يوسف عمر

تدقيق: خالد سلطان

يُعد مشروع فينوس (Venus) التابع لشركة توتال إنرجيز (TotalEnergies) في حوض أورانج ببحر ناميبيا من الاكتشافات التي تجعل عيون التنفيذيين في شركات النفط تتلألأ، وتدفع الحكومات إلى الحلم بعوائد ضخمة. فقد أُعلن عنه في فبراير 2022، وسرعان ما اعتُرف به كأحد أكبر الاكتشافات في القارة منذ عقود، إذ يُقدَّر احتواؤه على نحو 1.5 مليار برميل من النفط الخام الخفيف (45 درجة API) إضافة إلى 4.8 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.


التوقعات هائلة: إذ يُقدَّر أن يصل الإنتاج في ذروته إلى 150 ألف برميل يوميًا، مع إمكانية استمرار الحقل في الإنتاج لمدة تتراوح بين 30 و40 عامًا. أما هيكل الملكية، فيعكس مزيجًا من رأس المال العالمي والمشاركة المحلية: توتال إنرجيز (45.25%)، قطر للطاقة (35.25%)، الشركة الوطنية للنفط في ناميبيا نامكور (10%)، وشركة إمباكت أويل آند غاز البريطانية (9.5%). بالنسبة لناميبيا، التي لم يسبق لها إنتاج نفط على نطاق واسع، يمثل فينوس نقطة تحول هائلة، إذ قد يرفع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بما يصل إلى 20% بحلول 2030.


لكن وعود فينوس لا تنفصل عن تحدياته. فالحقل يقع في مياه عميقة جدًا (3000 متر تحت السطح وعلى بعد 300 كيلومتر من الشاطئ)، ما يجعله من بين أكثر المشاريع البحرية تطلبًا من الناحية التقنية في العالم. يضاف إلى ذلك تعقيد الغاز المصاحب، الذي أصبح محور خلاف يعرقل المفاوضات: ناميبيا تريد نقل الغاز إلى الشاطئ لتعزيز توليد الكهرباء محليًا، في حين أن توتال إنرجيز تفضل إعادة حقن الغاز في المكمن للحفاظ على الضغط، نظرًا لانخفاض نفاذية الصخور. بالنسبة للحكومة، المسألة تتجاوز الطاقة إلى ضمان إيرادات طويلة الأمد وبناء أساس لتوليد الكهرباء محليًا، بينما ترى الشركة أن هذا يزيد التكاليف والمخاطر في مشروع على حافة الجدوى التجارية.


وقد عدلت توتال إنرجيز بالفعل خطتها الإنتاجية بما يتماشى مع واقع ناميبيا. فبعد أن كانت قد اقترحت في البداية استراتيجية أكثر طموحًا بقدرة إنتاجية تبلغ 200 ألف برميل يوميًا، خُفِّض الرقم إلى 150 ألف برميل. ويبدو أن هذا التعديل مرتبط باستراتيجية الشركة الأوسع لتركيزها على القيمة بدلاً من الحجم، عبر الحفاظ على plateau إنتاجية ثابتة لسبع أو ثماني سنوات بدلًا من تحقيق مكاسب سريعة مبكرة. كما يعكس إدراكها للسياق الاستراتيجي: فبعد انسحاب شل، أصبحت توتال إنرجيز اللاعب الكبير الوحيد تقريبًا في ناميبيا، وأي بنية تحتية مستقبلية (محطة غاز مسال محتملة، أنابيب، مرافق أخرى) ستقع مسؤوليتها عليها بالدرجة الأولى. وبالتالي، فإن إطالة عمر الإنتاج يضمن تحقيق عوائد على مدى أطول لتغطية هذه الاستثمارات المكلفة.


هذا التوتر يُعرّف المفاوضات الجارية الآن. فقد وضعت الرئيسة الجديدة نيتومبو ناندي-نديتواه القضية تحت إشرافها المباشر، وأنشأت وحدة للنفط في الرئاسة لمتابعة المحادثات. القلق واضح: ناميبيا لا تريد تكرار تجربة غيانا، حيث حصلت الحكومة هناك في اتفاق 1999 مع إكسون موبيل على معدل إتاوة لم يتجاوز 2%، وهو ما تعتبره نموذجًا سلبيًا للدول الناشئة في قطاع النفط. ولهذا تدخل ناميبيا المفاوضات مع توتال إنرجيز بموقف أكثر صرامة. أما رئيس الشركة التنفيذي باتريك بويانيه فأكد أن بلوغ هدف بدء الإنتاج في 2029 يتطلب اتخاذ القرار الاستثماري النهائي قبل نهاية هذا العام، وهو جدول زمني يبدو بالفعل صعب التحقيق في ظل استمرار الخلافات.


الجدوى الاقتصادية للمشروع تمثل أيضًا موضع خلاف. إذ أشارت توتال إنرجيز إلى سعر تعادل 20 دولارًا للبرميل، وهو ما يبدو أقرب إلى ورقة تفاوضية من كونه تقييمًا واقعيًا، إذ إن معظم مشاريع المياه العميقة المشابهة تتراوح تكلفتها حول 35 دولارًا للبرميل. على سبيل المثال، مشاريع إكسون موبيل في غيانا (1700 متر عمقًا) وحقول ما قبل الملح التابعة لبتروبراس في البرازيل (2000 متر) تُظهر ذلك. أما فينوس، بعمق يفوق 3000 متر وإجمالي عمق جيولوجي يصل إلى 6300 متر، إضافة إلى ارتفاع نسبة الغاز إلى النفط، فإنه يواجه صعوبات أكبر. كما أن غياب بيانات دقيقة عن محتوى الغاز في المكمن يجعل من الصعب تصميم خطط إعادة الحقن والمعالجة، ما يزيد من عدم اليقين بشأن التكاليف. ويحذر محللون من أنه إذا كان الغاز أكثر وفرة مما هو متوقع، فإن إعادة الحقن قد تقلص العوائد بشكل كبير.


تجربة شل الأخيرة تقدم تحذيرًا واضحًا. ففي مطلع 2025، أعلنت الشركة شطبًا بقيمة 400 مليون دولار على رخصتها PEL 39 قبالة سواحل ناميبيا، وتخلت عن آبار جونكر وغراف وإنجما بعدما خلصت إلى أن جودة المكمن الضعيفة وارتفاع محتوى الغاز جعلاها غير مجدية تجاريًا. هذا الخروج يوضح أن ليس كل الاكتشافات في حوض أورانج قابلة للتطوير، وأن فينوس، رغم وعوده الهائلة، ليس بمنأى عن هذه القيود الجيولوجية والاقتصادية.


مع ذلك، تسعى ناميبيا إلى ترسيخ نفسها كمركز طاقة جديد. فإلى جانب النفط، دفعت الحكومة بمشروع الهيدروجين الأخضر بقيمة 10 مليارات دولار مع مستثمرين ألمان، والمقرر أن يبدأ الإنتاج في 2027–2028. هذا التوجه الموازي نحو الطاقة غير الأحفورية يُظهر استراتيجية التنويع، حيث يشكل فينوس الركيزة الأساسية لكنه ليس العمود الوحيد.


بالنسبة لتوتال إنرجيز، يعكس فينوس حجم رهاناتها في إفريقيا ومخاطرها في الوقت نفسه. إذ تشكل القارة الآن نصف إنتاجها التشغيلي، وتستحوذ على النصيب الأكبر من ميزانية الاستكشاف. وتتركز أهداف النمو على الغاز الطبيعي المسال والنفط البحري في ناميبيا وأنغولا والغابون. لكن المشروع الناميبي يُجسد التحديات الملازمة للتنقيب في المناطق الحدودية. انسحاب الشركة من جنوب إفريقيا عام 2025، بعد إلغاء رخصتها البحرية قبالة كيب بسبب تحديات سياسية وبيئية، يوضح هشاشة بيئة التشغيل في المنطقة.


كما يضيف العامل الجيوسياسي بُعدًا آخر: الصين رسخت موقعها بالفعل كأكبر مستثمر أجنبي في تعدين اليورانيوم في ناميبيا، وتنشط في الطاقة المتجددة والبنية التحتية. وقد افتتحت غرفة الطاقة الإفريقية مكتبًا في شنغهاي لتسهيل المشاركة الصينية في مشاريع الطاقة، ما يشير إلى توجه استراتيجي على مستوى القارة. بالنسبة لتوتال إنرجيز، فإن أي تأخير أو خلاف مع الحكومات قد يمنح منافسين فرصة لتعزيز حضورهم، مما قد يُضعف موقع الشركة الفرنسية على المدى الطويل.


وهكذا، يقف مشروع فينوس بين كونه فرصة استثنائية واختبارًا عميقًا. على الورق، قد يضخ نموًا كبيرًا في تدفقات توتال إنرجيز النقدية بحلول 2030 ويعيد تشكيل المسار الاقتصادي لناميبيا. لكن على أرض الواقع، لا بد من تجاوز تحديات تقنية هائلة، والتوصل إلى شروط مالية تحقق توازنًا بين عوائد المستثمرين وتطلعات الدولة، والتعامل مع بيئة جيوسياسية متقلبة. فإذا حُسمت القضايا المتعلقة بالغاز والإيرادات والبنية التحتية قريبًا، فقد يصبح فينوس أحد المشاريع النفطية الفارقة في هذا العقد. أما إذا تعثرت، فقد يكون مثالًا جديدًا على كيف يمكن للفرص الهائلة في قطاع الطاقة الحدودي أن تتوقف تحت وطأة التكاليف والسياسة والمنافسة.

أخبار متعلقة :