تجربتي: تعليم طفلتي الموسيقى طّور قدراتها العاطفية والتعبيرية والاجتماعية


كتبت: ياسمين عمرو في الأربعاء 24 سبتمبر 2025 08:08 صباحاً - كشفت أبحاث علمية حديثة أن تعليم الموسيقى في المدرسة أو المنزل يمكن أن يكون استثماراً في مستقبل أبنائنا؛ حيث إنها تعزز النمو العقلي للطفل، والمهارات الاجتماعية، والقدرات العاطفية، وحتى الأداء الأكاديمي، فالموسيقى أشبه بأداة تعليمية وتربوية، والأطفال الذين يستمعون إلى أنغام موسيقية في صغرهم، أو يتلقون تدريباً موسيقياً حتى لو كان بسيطاً، يشهدون تطوراً ملحوظاً في القدرات اللغوية والذاكرة أيضاً.
في هذا التقرير نستمع لـ"تجربتي" لتعليم طفلتي الموسيقى، تحكيها "أم هدى" -بحماس شديد- عن ابنتها البالغة من العمر ست سنوات، والتي كانت تعاني من بعض المشاكل في الدراسة بجانب عدم القدرة وربما الخجل من التعبير عن مشاعرها، ولكن بعد أن بدأت الأم معها جلسات أسبوعية من الغناء والإنشاد في المنزل، أصبحت الطفلة أكثر هدوءاً، وتغير حالها في المدرسة بشكل إيجابي، وباتت تعبر عن حزنها أو فرحها بسهولة من خلال الكلمات أو حتى مقاطع إحدى الأغاني.
اللقاء والدكتور محمود السيد العربي أستاذ طب نفس الطفل لتقييم التجربة، والتأكيد على أهمية الموسيقى في حياة الطفل بعامة، من خلال عدة محاور أساسية، مدعمة بأبحاث ودراسات ونصائح للآباء والأمهات.

1-تجربتي مع ابنتي والموسيقى


طفلة تتدرب على لعب الكمان

تقول أم هدى:

الموسيقى ساعدت طفلتي على التركيز والتعبير عن مشاعرها
بداية... أنا بطبيعتي أميل لسماع الموسيقى وترديد الأغاني، وحدث أنه في صباح يوم هادئ جلستُ في غرفة المعيشة مع ابنتي ذات ست السنوات، وأمسكت بآلة صغيرة تشبه الإكسيل فون، وبدأت أعزف ألحاناً بسيطة، ولم تكن -بطبيعة الحال- تعرف أسماء النوتات أو القواعد الموسيقية، لهذا أخذت تضحك وتعيد ترديد الألحان بحماس.
وبعد أسابيع قليلة، وبتكرار سماع الموسيقى، لاحظت أن طفلتي أصبحت أكثر قدرة على التركيز، أكثر جرأة في التعبير عن مشاعرها، وهذه التطورات التي تبدو بسيطة ليست لحظة عائلية دافئة، بل أعتقد أنها انعكاس لقوة الموسيقى في تشكيل عقول وأرواح الأطفال.
ولدهشتي مما حدث بحثت وقرأت؛ فوجدت دراسة أجريت على أطفال في مرحلة رياض الأطفال أظهرت أن من يتلقون دروساً في العزف على البيانو يصبحون أكثر قدرة على تمييز الأصوات المتقاربة في الكلمات، مما ينعكس إيجاباً على القراءة والكتابة.

وتتابع أم هدى:

الموسيقى حفزت طفلتي على تطوير مهارات القراءة والحساب

كما قرأت بدراسات تعليمية أخرى؛ أن المشاركة في أنشطة موسيقية خلال السنوات الأولى للطفل، تساعد على تطوير مهارات القراءة والحساب، من خلال الإيقاع والعدّ والتسلسل، بنسبة تصل إلى 20% أعلى، مقارنة بالأطفال الذين لا يشاركون في مثل هذه الأنشطة.

هنا تشجعت وأخذت أغني مع طفلتي الأغاني البسيطة أثناء ترتيب الغرفة أو غسل اليدين، هذه اللحظات الصغيرة كانت تزرع حب اللغة والإيقاع في ذهن طفلتي.

وتستكمل أم هدى:

عرفت أن المشاركة الفعلية تعمل على تنشيط الدماغ بشكل أقوى

طفلة تغني وتعزف على الكمان

عرفت من خلال الخطوات التي مرت في تجربتي مع طفلتي، أن الاستماع للموسيقى ممتع، لكنه ليس كافياً لتحقيق الفوائد الكاملة؛ بينما أثبتت الأبحاث أن العزف أو الغناء والمشاركة الفعلية تترك أثراً أعمق على دماغ الطفل من الاستماع السلبي.
فعندما يضرب الطفل -الطفلة- على الطبول الصغيرة، أو يعزف لحناً بسيطاً على آلة موسيقية، فإن الدماغ ينشط في مناطق مسؤولة عن التخطيط، والإدراك السمعي، والذاكرة العاملة.
لذا شعرت بأن المشاركة الفعلية تجعل الطفل أكثر قدرة على معالجة الأصوات وفهم الكلمات، وهو ما ينعكس مباشرة على نجاحه الأكاديمي لاحقاً، لهذا شعرت بأنه لا يكفي أن أضع لطفلتي مقاطع موسيقية في الخلفية، بل الأهم أن أتيح لها الفرصة للتجربة والإبداع بنفسها.
والآن نظراً لنجاح البدايات في تجربتي مع طفلتي، بدأت أخصص ركناً موسيقياً في المنزل، يحتوي على أدوات بسيطة مثل الطبول البلاستيكية، أو الصفارات، أو حتى أواني المطبخ المعدنية، لتجرب طفلتي صناعة الإيقاع بنفسها... إلى حين تتضح الرؤية وأعرف قدر ميلها لدراسة الموسيقى بشكل أكاديمي، أم الاكتفاء بتعلم اللعب على إحدى الآلات الموسيقية.

2-الرأي العلمي التربوي

أب يدعم طفلته في تعلم العزف
  • الموسيقى تحفز النمو الاجتماعي والعاطفي والتفاعل الأسري
هنا يضيف الدكتور محمود السيد العربي: إن الموسيقى لغة عالمية تعبر عن المشاعر حين تعجز الكلمات، لهذا فإن الأطفال الذين يمارسون الأنشطة الموسيقية يتمكنون من التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية، ويتعلمون كيف يفهمون مشاعر الآخرين.
من جهة أخرى، المشاركة الموسيقية بين الوالدين والأطفال لها أثر كبير في تقوية الروابط الأسرية، فالغناء المشترك أو العزف الجماعي يعزز التفاعل الإيجابي ويزيد من لحظات المرح والدفء الأسري.
يؤكد هذا أن إحصاءات حديثة تشير إلى أن الأنشطة الموسيقية الأسرية تقلل مستويات التوتر لدى الأطفال والوالدين معاً، وتدعم الروابط العاطفية بينهم.
لهذا اجعلي وقت النوم فرصة لغناء أغنية قصيرة وهادئة مع طفلك، هذه العادة تترك أثراً عاطفياً طويل الأمد وتساعده على النوم بطمأنينة.
  • الموسيقى تطور مهارات الطفل الحركية والوظائف التنفيذية
فرقة موسيقية عائلية

العزف على آلة موسيقية لا يقتصر على تحفيز الدماغ فقط، بل يسهم أيضاً في تطوير المهارات الحركية؛ تحريك الأصابع للعزف على البيانو، أو التنسيق بين اليدين والقدمين عند الطبول، كلها أنشطة تعزز التنسيق بين العين واليد، وتقوي العضلات الدقيقة.
كما أن الموسيقى تتطلب الانضباط، وتنظيم الوقت، والقدرة على متابعة الإيقاع، وهي جميعها مهارات تدخل ضمن ما يعرف بالوظائف التنفيذية التي يحتاجها الطفل للنجاح الأكاديمي والشخصي لاحقاً.
مرة ثانية: شاركي طفلك أنشطة تعتمد على الحركة، مثل التصفيق مع الأغنية أو الرقص البسيط، هذه الأنشطة لا تنمّي عضلاته فقط، بل تقوي أيضاً مهارات التنظيم الذاتي والانتباه.
  • الفوائد الأكاديمية والحياتية طويلة الأمد
طفلة تتدرب على العزف على البيانو

الارتباط بين الموسيقى والتفوق الدراسي أصبح حقيقة مثبتة، فالأطفال الذين يتلقون تعليماً موسيقياً، يحققون نتائج أفضل في الرياضيات والعلوم والقراءة.
والفارق كما أثبتت الأبحاث؛ أن الفارق قد يصل إلى عامين أو ثلاثة أعوام أكاديمية، بين الأطفال الذين يمارسون الموسيقى وأقرانهم، كما أن للموسيقى أثراً طويل الأمد يتجاوز المدرسة.
الموسيقى "الخليج 365" تغرس قيم الانضباط، والمثابرة، والقدرة على الإبداع، وتساعد الأطفال على تطوير مهارات التفكير النقدي، والتعاون مع الآخرين، وهي مهارات أساسية في الحياة العملية والمهنية.
إحدى الإحصاءات التربوية العالمية تشير إلى أن الأطفال الذين يشاركون بانتظام في أنشطة موسيقية يكونون أكثر استعداداً للالتحاق بالجامعة مستقبلاً، حتى في البيئات الأقل حظاً.
ما رأيك في تسجيل طفلك في كورس موسيقي مدرسي، أو نشاط مجتمعي بسيط، حتى لو مرة واحدة في الأسبوع، الاستمرارية أهم من الموهبة، والأثر سيتضح بمرور الوقت.
  • الموسيقى استثمار مستقبلي
طفلة تغني

الموسيقى ليست مجرد ترفيه للأطفال، بل هي استثمار في عقولهم وقلوبهم ومستقبلهم.
الموسيقى تعزيز للذكاء واللغة، وتعمل على بناء الروابط الأسرية، وتطوير المهارات الأكاديمية والاجتماعية.
الموسيقى تمنح الأطفال أدوات تساعدهم على أن يصبحوا أشخاصاً أكثر توازناً ونجاحاً في الحياة.
قد يكون أول لحن يعزفه طفلك بسيطاً وغير متقن، لكنه بداية رحلة طويلة مليئة بالإبداع والاكتشاف.
ومن خلال دعم الآباء والأمهات، يمكن لهذه الرحلة أن تتحول إلى أساس متين يبني شخصية طفل واثق، متفوق، وسعيد.

أخبار متعلقة :