فن ومشاهير

كلوديا كاردينالي وعمر الشريف... انطلاقة مشتركة من "جحا" إلى ذاكرة السينما العالمية

  • كلوديا كاردينالي وعمر الشريف... انطلاقة مشتركة من "جحا" إلى ذاكرة السينما العالمية 1/3
  • كلوديا كاردينالي وعمر الشريف... انطلاقة مشتركة من "جحا" إلى ذاكرة السينما العالمية 2/3
  • كلوديا كاردينالي وعمر الشريف... انطلاقة مشتركة من "جحا" إلى ذاكرة السينما العالمية 3/3

كتبت: ياسمين عمرو في الأربعاء 24 سبتمبر 2025 02:25 مساءً - رحلت عن عالمنا صباح اليوم، 24 سبتمبر 2025، النجمة العالمية كلوديا كاردينالي Claudia Cardinale، أيقونة الجمال الإيطالي المولودة في تونس، عن عمر 87 عاماً في مدينة نيمور قرب باريس، محاطة بعائلتها، كما أكد وكيل أعمالها لورانت سافري لوكالة الأنباء الفرنسية، غادرت تاركة وراءها إرثاً سينمائياً عظيماً، يمتد لأكثر من ستة عقود، شاركت خلالها في أكثر من 130 فيلماً، من بينها أعمال خالدة مثل الفهد (1963) للوكينو فيسكونتي، و8½ (1963) لفيدريكو فيلليني، وكان يا ما كان في الغرب (1968) لسيرجيو ليوني، وفي خضم هذا الوداع الحزين، تستعيد الذاكرة نقطة البداية التي شهدت انطلاقتها السينمائية الأولى، حين وقفت إلى جوار النجم المصري العالمي عمر الشريف في فيلم جحا (1958)، الذي أخرجه الفرنسي جاك باراتييه، قبل أن يتعاونا مجددا للمرة الثانية في فيلم More than a miracle الذي عرض عام 1967 وهو فيلم رومانسي إيطالي من إخراج فرانشيسكو روسي.

وقد تذكّرت كلوديا كاردينالي Claudia Cardinale، لاحقاً تلك التجربة قائلة عن عمر الشريف: «هو ممثل حساس جداً، لا يخرج الكلمة إلا بعد أن تمرّ على مراكز الإحساس لديه»، في إشارة إلى تجربتهما المشتركة في جحا. وعن إمكانية مشاركتها في فيلم مصري، صرّحت: «من المؤكد ستكون تجربة رائعة وأتمنى تحقيقها، لكني لا أجيد الحديث باللغة العربية، ولذلك سيكون دوري مقصوراً على تجسيد شخصية أجنبية في فيلم مصري». وأضافت عن مصر: «مصر بلد جميل ذو حضارة عظيمة مثل حضارة بلادي، وقد جعلني مولدي في تونس عاشقة للحضارات العربية». هذه الكلمات، التي نقلتها مقابلاتها في رويترز (2015)، عكست إدراكها المبكر للقيود اللغوية، لكنها كشفت أيضاً شغفها العميق بالثقافة العربية، التي تجذرت فيها منذ نشأتها في تونس.

لقطات من فيلم جحا - مصدر الصورة السينماتيك الفرنسي

لم يكن جحا مجرد تجربة سينمائية شهدت اكتشاف النجمين كلوديا كاردينالي وعمر الشريف، بل كان حدثاً استثنائياً في تاريخ السينما العربية، فهو أول فيلم تونسي يدخل المسابقة الرسمية لمهرجان كان، حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم (Prix du Jury) وتُرشح للسعفة الذهبية، قبل أن يُعاد عرضه بعد عقود في قسم "كلاسيكيات كان" عام 2013.

جحا بين الأسطورة الشعبية والإنتاج المشترك: جسر بين الشرق والغرب في زمن التحولات

جحا (1958)، الفيلم التونسي-الفرنسي الذي وُلد من رحم الأسطورة الشعبية العربية، استند إلى شخصية جحا الشهيرة التي لطالما رُويت حكاياتها في المقاهي والبيوت العربية، تلك الشخصية التي تجمع بين السذاجة الظاهرة والذكاء الماكر. اقتبس الفيلم عن رواية جحا البسيط للكاتبين إسحاق آدس وشموئيل يوسف أغنون (وليس "جوزيبوفيسي" كما يُكتب أحياناً)، وقد أعاد الشاعر اللبناني جورج شحادة صياغة النص بروح شرقية شاعرية، محولاً الشخصية من نزعة استشراقية غربية إلى طابع عربي أكثر أصالة، كما وصف المخرج جاك باراتييه لاحقاً: «شحادة أعاد تعريب جحا، موجهاً القصة نحو الشرق العربي».

جسّد عمر الشريف، في عاشر أفلامه وأول عمل دولي له خارج مصر، شخصية جحا التونسي، الفتى الساذج الذي يُستغفل من محيطه لكنه يخفي ذكاءً ودهاءً يتفجران حين يقع في غرام "فُلّة" (زينة بوزيان)، زوجة الشيخ العجوز تاج العلوم (دانيال إميلفورك) ليتورط بعدها في الكثير من الأزمات وينجو منها بسبب قدراته على المكر والدهاء.

مع المعالجة الشاعرية لجورج شحادة تحوّل الفيلم إلى مزيج ساحر بين الحكاية الشعبية والفانتازيا الشعرية، مطعّم بإيقاع بصري بديع من تصوير جان بورغوان، وموسيقى ساحرة لموريس أوهانا، وديكورات جورج كوسكاس التي عكست جماليات تونس القديمة.

كتب الناقد الفرنسي جورج سادول في Les Lettres Françaises (1959): «باراتييه جعل من جحا فيلسوفاً متخفياً، يمارس السخرية كأداة نقد اجتماعي»، بينما وصفت مجلة الكواكب المصرية العمل (أبريل 1958): «إنه أول فيلم تونسي يُقدَّم بجدية عالمية، يمزج بين السرد الشعبي والتصوير الشعري».

لم يكن جحا مجرد فيلم، بل مغامرة إنتاجية طموحة، وُلدت كأول ثمار التعاون بين فرنسا وتونس بعد استقلال الأخيرة عام 1956، بتمويل من شركة "الأفلام الفرانكو-إفريقية"، التي أسسها باراتييه نفسه، والهيئة التونسية الناشئة (SATPEC، أو Société Anonyme Tunisienne de Production et d’Expansion Cinématographique)، واجه الفيلم صعوبات مالية ولوجستية هائلة.

ووثّقت أرشيفات السينماتيك الفرنسي أن التصوير تأجل بسبب أحداث الجزائر، ليبدأ فعلياً في 14 مارس 1957 بعد إعداد مكثف في فبراير، واستمر لمدة 15 أسبوعاً بدلاً من 10 المخطط لها. الفيلم صدر بنسختين، الأولى ناطقة باللهجة التونسية العربية ظلت نادرة حتى تم اكتشافها وعرضها في تونس عام 2018، والأخرى فرنسية هي المتداولة حاليا وتبلغ مدتها 83 دقيقة، وصُوّر في مواقع طبيعية بتونس، من حوزة الحمامات إلى رأس الجبل وجربة، ليحمل بذلك بذور ولادة صناعة سينمائية محلية.

طالب الشريك التونسي، ممثلاً ببشير بن يحمد (سكرتير الدولة للإعلام وقتها)، بتعديلات للسيناريو ليحمل "علامة تونسية أصيلة"، كما أشار برنارد باستيد في مقالته عام 2011. إلى أن هذه التعديلات صنعت التوازن بين البُعد التراثي والتجديد السينمائي ما جعل جحا أقرب إلى حكاية أسطورية متخيلة، وفي الوقت نفسه صدىً واقعياً لحياة الناس في تونس ما بعد الاستعمار، كما كتبت صحيفة La Presse de Tunisie (مارس 1958): «الفيلم ليس فقط مغامرة إنتاجية مشتركة، بل إعلان ولادة لصوت تونسي جديد في السينما العالمية».

كلوديا كاردينالي... من مجال التعليم إلى عالم السينما عبر جسر مسابقات الجمال

كانت كلوديا كاردينالي، الفتاة التونسية-الإيطالية ما تزال في مطلع العشرينيات حين لفتت أنظار المخرج جاك باراتييه. وُلدت في 15 أبريل 1938 لأسرة مهاجرة من صقلية؛ والدها فرانسيسكو كاردينالي، عامل في السكة الحديد في جيلا، وأجدادها يملكون شركة صغيرة لبناء السفن في تراباني. تحدثت الفرنسية واللهجة التونسية العربية ولهجة صقلية كلغات أم، ولم تتعلم الإيطالية إلا لاحقاً من أجل أفلامها الإيطالية.

تلقت تعليمها في مدرسة سان جوزيف دي لا أباريشين بقرطاج، ثم في مدرسة بول كامبون، حيث تخرجت عازمة على أن تصبح معلمة. في سن المراهقة، كانت هادئة وغامضة، مفتونة بالممثلة بريجيت باردو في الرب خلق المرأة (1956) لروجيه فاديم.

أول لقاء لها بالسينما كان في فيلم قصير من إخراج رينيه فولييه مع زملاء صفها، عُرض في مهرجان برلين وحقق نجاحاً محلياً. ثم جاءت نقطة التحول عام 1957 خلال أسبوع السينما الإيطالية في تونس، حيث فازت بجائزة "أجمل إيطالية في تونس"، التي منحتها رحلة إلى مهرجان البندقية السينمائي، لتُفتح أمامها أبواب السينما.

في جحا، وبحسب أرشيف السينماتيك الفرنسي أرادها باراتييه لدور البطولة (فُلّة)، لكن السلطات التونسية فضّلت ممثلة تونسية أصيلة، فاختار زينة بوزيان، وأسند إلى كاردينالي دوراً ثانوياً، وقبلت الدور على مضض. ورغم صغر الدور، تركت انطباعاً لافتاً، حيث التقطت الكاميرا ملامحها الفريدة وجمالها الطبيعي. وكتبت صحيفة Le Monde الفرنسية (مايو 1958): «من بين وجوه الفيلم، يسطع وجه شابة مغمورة تملك عينين تتكلمان أكثر من أي حوار مكتوب».

وأضافت The Times البريطانية (يونيو 1959): «تلك الشابة القادمة من تونس تحمل وعدًا لسينما أوروبا، مزيج من الشرق والغرب في ابتسامة واحدة». هذا الظهور، الذي كان أول ظهور روائي طويل لها (رغم بدء الإنتاج في 1957 وصدور الفيلم في 1958)، شكّل نقطة انطلاق نحو تعاونها لاحقاً مع كبار السينمائيين مثل فيسكونتي وفيلليني.

قد ترغبين في معرفة النجمة العالمية كلوديا كاردينالي في تونس: لماذا؟ | مجلة...

الاستقبال والذاكرة السينمائية: علامة فارقة في السينما التونسية والعالمية

حين عُرض جحا في مهرجان كان 1958، كأول فيلم تونسي يدخل المسابقة الرسمية، استقبلته الأقلام النقدية الفرنسية بترحاب كبير. أشاد به جان-لوك جودار، وهنري سادول، وكلود مورياك، واعتبروه تحفة شعرية بصرية، حيث كتب جودار في Cahiers du Cinéma: «جحا يحمل سحراً بصرياً يجمع بين بساطة الحكاية الشعبية وتعقيد الفن السينمائي».

فاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم (Prix du Jury) وجائزة "النظرة الأولى" في قسم " Un Certain Regard" لأصالته الشعرية وتميّز حوارات شحادة، كما تُرشح للسعفة الذهبية. لكنه واجه صعوبات في التوزيع، إذ جاء في زمن اجتياح "الموجة الجديدة" الفرنسية بقيادة غودار وتروفو، ولم يُعرض في صالات فرنسا إلا في مايو 1959، كما وثّق برنارد باستيد.

في تونس، عُرضت النسخة الفرنسية أولاً في سينما لو باري بتونس في أبريل 1958، ثم توزعت النسختان العربية والفرنسية بالتوازي، لكن الاستقبال كان فاتراً، إذ رأى الجمهور التونسي أن شخصية جحا في الفيلم بعيدة عن الصورة المرحة والماكرة التي يعرفونها، فضلاً عن ضعف جودة الدبلجة في النسخة العربية، كما أشار الناقد التونسي الطاهر شريعة في مهرجان قرطاج 1966: «جحا سيظل شاهدًا على أن السينما التونسية بدأت باحتضان الأسطورة الشعبية وتقديمها للعالم».

رغم عدم تحقيقه نجاحاً تجاريا جماهيرياً كبيراً وقت عرضه، ظل جحا علامة فارقة في تاريخ السينما التونسية والعربية، كونه جمع أسماء ستصبح لاحقاً أيقونات خالدة: كلوديا كاردينالي في أول أدوارها، وعمر الشريف في خطوته الأولى نحو العالمية قبل لورانس العرب (1962).

بالنسبة إلى تونس، كان الفيلم نافذة مبكرة على الإنتاج المشترك مع أوروبا، وللعالم العربي تجربة نادرة في تقديم شخصية جحا بروح إنسانية عالمية، بعيداً عن الصور النمطية الاستشراقية، كما كتب الناقد التونسي شريعة: «جحا أثبت أن السينما المغاربية قادرة على إنتاج صوت خاص، مختلف عن الصور الاستشراقية». لقاء الشريف مع كاردينالي في جحا بدا وكأنه وعد مبكر بلقاء عابر بين ضفتين: الشرق العربي وأوروبا المتوسطية. وصفت مجلة الكواكب المصرية (أبريل 1958): «لم نندهش من وسامة الشريف وحضوره، لكن المفاجأة كانت في الشابة ذات العينين الواسعتين التي سرقت الكادر من حوله».

وأضافت صحيفة La Croix الفرنسية (1959): «المقابلة بين عمر الشريف، القادم من مصر، وكلوديا كاردينالي، التونسية-الإيطالية، تعكس أفقاً جديداً للسينما المتوسطية».

لقطات من فيلم جحا - مصدر الصورة السينماتيك الفرنسي

إرث الفيلم والوداع الأخير: وثيقة سينمائية نادرة للحظة ميلاد نجمة

مع رحيل كلوديا كاردينالي، يبدو جحا اليوم كوثيقة سينمائية نادرة تسجل لحظة الميلاد الأولى لنجمة ستكتب تاريخاً حافلاً بالإبداع. هذا الفيلم، الذي نسي العالم أحياناً أنه جمع بين كاردينالي وعمر الشريف، كان أكثر من مجرد عمل سينمائي؛ كان حلماً طموحاً جمع بين خيال الشرق وأساليب الإنتاج الغربي، وأطلق مسيرتين سينمائيتين ستصبحان من الأعمدة الراسخة للسينما العالمية، بالنسبة إلى كاردينالي، كان جحا البداية التي مهدت لأدوارها الكبرى، حيث انتقلت من دور ثانوي في شوارع تونس القديمة إلى أضواء هوليوود وأوروبا. وبالنسبة إلى الشريف، كان جسراً إلى العالمية، حيث أثبت قدرته على تقديم شخصية شعبية عربية بأسلوب عالمي، وكتب الناقد الفرنسي كلود مورياك: «في جحا، رأينا وميضاً مبكراً لعمر الشريف، نجم سيصبح رمزاً عالمياً، ولكلوديا كاردينالي، التي بدت وكأنها وُلدت لتسرق الأضواء».

رحلت كلوديا كاردينالي، لكن ابتسامتها الأولى في شوارع تونس، بين الحكايات الشعبية وظلال جحا وحماره، ستبقى خالدة كوميض أول لنجمة أضاءت سماء السينما لأكثر من ستة عقود، تاركة إرثاً يفيض بالأدوار والحضور الطاغي الذي جعلها أيقونة من أيقونات الفن السابع عالميا.
شاهدي كلوديا كاردينالي عملاقة السينما في سطور.. من تونس إلى العالمية

لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام الخليج 365»

وللاطلاع على فيديوجراف المشاهير زوروا «تيك توك الخليج 365»

ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «الخليج 365 فن»

 

Advertisements

قد تقرأ أيضا