اليابان | تراجع الدعم الأمريكي في المحيط الهادئ: هل تملأ اليابان الفراغ؟

يتراجع دور الولايات المتحدة عالمياً يوماً بعد يوم في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويؤثر انسحابها من عدة اتفاقيات ومؤسسات دولية على دول في شتى أنحاء العالم. وعلى نطاق آسيا، تفاجأت العديد من دول جزر المحيط الهادئ بقرار ترامب بتقليص حجم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تمثل العمود الفقري للتنمية في تلك الدول، مما سيحدث ضرراً باقتصادها ومجتمعاتها، والأسوأ من ذلك، أنه سيدفعها دفعاً للجوء إلى الصين لمساعدتها على استكمال خطط التنمية وتطوير البنية التحتية، وهو ما سترحب به الصين دون شك.

جزر المحيط الهادئ بين سياسات الإدارات الجمهورية والديمقراطية

كان إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أواخر يناير/كانون الثاني 2025 عن تقليص كبير في حجم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بمثابة صدمة كبيرة، لا سيما بالنسبة للدول النامية التي أقامت شراكة مع الوكالة وكانت في خضم تنفيذ مشاريع ذات أهمية وطنية. وتُعد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أكبر وكالة مساعدات في العالم بميزانية سنوية تبلغ 40 مليار دولار، خُصّص من هذه الميزانية حوالي 3.4 مليار دولار لمنطقة جزر المحيط الهادئ.

يتم توجيه هذه الأموال للمساعدة في تطوير برامج طبية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية والسل، ودعم مرافق البنية التحتية، وتدابير مواجهة تغير المناخ، وتنمية الموارد البشرية في القطاعين العام والخاص. وقد أعرب قادة دول جزر المحيط الهادئ فوراً عن قلقهم إزاء هذا التخفيض الضخم والمفاجئ في قيمة المساعدات، مشيرين إلى الآثار السلبية الكبيرة والحتمية التي ستقع على اقتصاداتهم ومجتمعاتهم. في هذا السياق، قام سيتيفيني رابوكا رئيس وزراء فيجي بزيارة الولايات المتحدة على الفور لمناشدة مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية مواصلة برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في بلاده. جدير بالذكر أن فيجي كانت قد وضعت مؤخرًا إطارًا ثنائيًا لاتفاقية تعاون فني واقتصادي مع الولايات المتحدة، وقد شمل ذلك إنشاء مكتب إقليمي للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في العاصمة سوفا.

عملت الولايات المتحدة مع أستراليا ونيوزيلندا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لتعزيز الأمن ودعم التنمية في منطقة جزر المحيط الهادئ. لكن بعد انتهاء الحرب الباردة، أُغلقت السفارة الأمريكية في جزر سليمان بسبب خفض التكاليف وأسباب أخرى، مما أدى إلى تراجع واضح في الاهتمام الأمريكي بالمنطقة. ويبدو أن هذا الأمر مهد الطريق للصين لشن هجوم دبلوماسي تركّز في البداية على منافستها الدبلوماسية مع تايوان للحصول على اعتراف الأمم المتحدة. على سبيل المثال، في سبتمبر/أيلول 2019، تغير الموقف الدبلوماسي لجزر سليمان وكيريباتي، اللتين كانتا تربطهما علاقات دبلوماسية رسمية سابقًا مع تايوان (جمهورية الصين)، وقامتا بالاعتراف بجمهورية الصين الشعبية. كما أعربت جزر سليمان ودول أخرى في المنطقة عن اهتمامها بالتفاوض على اتفاقيات أمنية مع الصين. في ذلك الوقت، بدت الإدارات الجمهورية في الولايات المتحدة غير مهتمة بشكل خاص بمنطقة جزر المحيط الهادئ، حيث تركت إدارة مصالحها في الدول التي تُشكّل المنطقة الميلانيزية والبولينيزية لكل من أستراليا ونيوزيلندا. في حين اقتصر التعامل مع المنطقة خلال إدارة ترامب الأولى، التي تتبنى شعار ”أمريكا أولاً“، على الدول الميكرونيزية الثلاث في نصف الكرة الشمالي، وهي بالاو، وولايات ميكرونيزيا المتحدة، وجزر مارشال.

من ناحية أخرى، لطالما كانت الإدارات الديمقراطية أكثر نشاطًا في نشر المساعدات الاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة. حيث أعلنت إدارة باراك أوباما بحزم أن ”الولايات المتحدة دولة من دول المحيط الهادئ“. وانطلاقًا من إدراك أعمق لنفوذ الصين المتنامي ومصالحها البحرية، زادت إدارة جو بايدن من مشاركتها الإقليمية من خلال عقد قمم مع دول جزر المحيط الهادئ في عامي 2022 و2023، كما تعهدت بتقديم ما يقرب من 800 مليون دولار كمساعدات اقتصادية لمعالجة تغير المناخ، الذي يمكن اعتباره القضية الأبرز بالنسبة لمعظم هذه الدول، ولإنشاء إطار لحوار تجاري واستثماري. بالإضافة إلى ذلك، افتُتحت سفارة في جزر سليمان لأول مرة منذ 30 عامًا، بينما أُنشئت سفارة جديدة في تونغا. كما منحت الولايات المتحدة اعترافًا رسميًا بجزر كوك ونيوي، وهما دولتان مستقلتان ترتبطان باتفاق حر مع نيوزيلندا.

الأمراض وآثار التغير المناخي أكثر ما يؤرق دول جزر المحيط الهادئ

لقد اعتادت دول جزر المحيط الهادئ إلى حد ما على التغييرات الجوهرية في نهج السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، تبعًا للإدارة التي تتولى زمام الأمور. ولطالما رحبت الدول الميلانيزية والبولينيزية في جنوب المحيط الهادئ بالتدخل الأمريكي في عهد الإدارات الديمقراطية.

في فيجي، مُنّي الحزب الحاكم بزعامة رئيس الوزراء فرانك باينيماراما، الذي كان يسعى إلى إقامة علاقات أقوى مع الصين، بالهزيمة في الانتخابات العامة لعام 2022. وعمدت الحكومة الجديدة بقيادة رئيس الوزراء رابوكا إلى تعميق العلاقات الودية مع الولايات المتحدة وأستراليا. كما شهدت الانتخابات العامة لعام 2021 في ساموا أيضًا هزيمة حزب حاكم موالٍ للصين، وأعلنت رئيسة الوزراء الجديدة، فيامي نعومي ماتافا، أن حكومتها ستعيد تقييم جميع المشاريع التي سعت الإدارة السابقة إلى تنفيذها مع الصين، بما في ذلك مشاريع الموانئ الكبرى.

ونظرًا لقلقها من توسع نفوذ الصين، التزمت أمريكا خلال السنوات الأربع لإدارة بايدن بتقديم مساعدات كبيرة لدول جزر المحيط الهادئ من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لذلك فقد شعرت فيجي وساموا بخيبة أمل كبيرة بسبب التخفيضات الأخيرة في التمويل بما يتناقض مع الوعود الأمريكية بالمساعدة في التصدي لانتشار الأمراض المعدية، مثل فيروس نقص المناعة البشرية وحمى الضنك، في بلديهما. كما أن الدول الميكرونيزية الثلاث في شمال المحيط الهادئ غير متفائلة بشأن تعامل إدارة ترامب الثانية مع مصالحها. ففي عام 2024، راجعت الدول الثلاث والولايات المتحدة اتفاقيات الشراكة الحرة، وحصلت تلك الدول على وعود باستمرار الدعم المالي الأمريكي. وبموجب الاتفاقية المنقحة، مُنح مواطنو الدول الميكرونيزية الثلاث حرية الهجرة والإقامة والعمل في الولايات المتحدة. لكن الآن ومع مضي إدارة ترامب قدمًا في إجراءات ترحيل المهاجرين الموجودين في الولايات المتحدة، أعرب مواطنو ميكرونيزيا عن قلقهم من تعرضهم هم أيضًا للاستبعاد.

الإغراءات الصينية

إذا قلصت إدارة ترامب مساعداتها الإنمائية للدول النامية، فمن المرجح أن يتسع دور الصين في منطقة جزر المحيط الهادئ. عندما وافقت ناورو على إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين في يناير/ كانون الثاني 2024، كان هذا يعني أن بالاو وجزر مارشال وتوفالو هي الدول الوحيدة التي كانت حينها تعترف بالوضع الدولي لتايوان. ولا شك أن الصين لن تتوانى عن استهداف هذه الدول لزيادة عزلة تايوان في المجتمع الدولي. حيث تشير التقارير إلى وجود تحركات سرية من جانب مسؤولين حكوميين صينيين للتواصل مع كبار المسؤولين في تلك الدول الثلاث، وذلك على الرغم من أن حدوث تحول مفاجئ في الموقف السياسي لهذه الدول يعد احتمالاً ضئيلاً للغاية نظرًا لعلاقاتها الأمنية الوثيقة أصلًا مع الولايات المتحدة وأستراليا.

من ناحية أخرى، من المتوقع أن تعرض بكين على دول جزر المحيط الهادئ تعميق التعاون بما يتجاوز قضايا الاعتراف الدبلوماسي ليشمل مجالات الاقتصاد والدفاع. وستقدم الصين مبادلات تجارية مغرية ومساعدات اقتصادية أكثر سخاءً لكل من فيجي وساموا، بالإضافة إلى بابوا غينيا الجديدة، التي تمتلك وفرة من الغاز والموارد الطبيعية الأخرى. على الرغم من أن حجم المساعدة الاقتصادية الصينية الحالية ليس كبيراً، فمن المرجح أن تستغل بكين تردد الولايات المتحدة في ملء الفراغ الدبلوماسي. بالإضافة إلى ما سبق، يقوم مسؤولون كبار من جزر كوك وكيريباتي، اللتين وقعتا اتفاقيات شراكة استراتيجية مع الصين، بزيارات منتظمة إلى بكين في محاولة لتعزيز العلاقات التجارية.

تجدر الإشارة إلى أن البعض، حتى في إدارة ترامب، يشعرون بالقلق إزاء الأنشطة العسكرية الصينية والآثار الاستراتيجية لأنشطتها الدبلوماسية في المنطقة، ويشعرون بضرورة إعادة تنشيط الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كرد فعل. ومع ذلك، في الوضع الراهن، بالكاد تُسمع أصواتهم، ليكتنف الغموض مستقبل المساعدة الأمريكية لجزر المحيط الهادئ.

دور اليابان في تحقيق التوازن في هذه المنطقة

في ظل الشكوك الإقليمية الحالية بشأن الموقف الأمريكي، تجدر الإشارة إلى رد فعل أستراليا على تنامي نفوذ الصين الإقليمي. ففي حين اتسمت علاقة الحكومة الائتلافية المحافظة بقيادة رئيس الوزراء السابق سكوت موريسون بالتوتر مع دول المنطقة بسبب اختلاف وجهات النظر حول أهمية التركيز على تغير المناخ، فإن حكومة حزب العمال بقيادة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز، التي تولت السلطة عام 2022، كانت أكثر إيجابية في دعم دول جزر المحيط الهادئ في قضايا متنوعة. وقد وقّعت أستراليا لاحقًا مجموعة من الاتفاقيات مع توفالو وناورو وبابوا غينيا الجديدة ودول أخرى تُركّز على التعاون في مجالات عديدة منها المساعدات الاقتصادية والأمن والدفاع. إلا أن أستراليا قد تشهد تغييرًا في الحكومة مجددًا، حيث من المتوقع أن تكون الانتخابات العامة في مايو/ أيار 2025 تنافسية. وبناءً على النتيجة، قد تُعيد كانبيرا أيضًا تقييم نهجها تجاه الجزر. بينما تُغيّر الولايات المتحدة والصين وأستراليا سياساتها الخارجية ونهجها تجاه المنطقة استجابةً لأوضاعها الداخلية وتصرفات بعضها البعض، تنظر دول جزر المحيط الهادئ إلى اليابان كشريك إنمائي مهم ومستقر. وقد رسّخت اليابان سجلاً حافلاً بالإنجازات في دعم تطوير البنية التحتية الرئيسية، كالطرق والموانئ، خلال الفترة ما بين ستينيات وتسعينيات القرن الماضي، حين كانت دول جزر المحيط الهادئ تشقّ طريقها نحو الاستقلال الذي حصلت عليه حديثاً، وتتطلع إلى بناء مستقبلها.

بدءاً من عام 1997، دأبت طوكيو على دعوة أعضاء منتدى جزر المحيط الهادئ بانتظام إلى اليابان لإجراء مناقشات واسعة النطاق. وقد عُقدت القمة العاشرة لمنتدى جزر المحيط الهادئ في طوكيو في يوليو/ تموز 2024، واغتنمت اليابان الفرصة مجدداً لتُظهر استعدادها للتعاون في عدة مجالات أهمها تغير المناخ، الذي يشكّل محور تركيز رئيسي لدول جزر المحيط الهادئ.

وفي حين أن موقف الولايات المتحدة تجاه جزر المحيط الهادئ لا يزال غير مستقر، واحتمال تقليص مشاركتها كبير، فمن المرجح أن يُنظر إلى استمرار مشاركة اليابان في المنطقة بطريقة أكثر إيجابية في المستقبل. وفي بعض الحالات، قد تحتاج اليابان إلى التفكير في تولي الدور الذي كانت الولايات المتحدة تلعبه حتى الآن، بما في ذلك تقديم المساعدة للدول الثلاث في منطقة ميكرونيزيا، إذ أن هذه الدول ترتبط مع اليابان بعلاقات تاريخية وثيقة، ويمكن لطوكيو الاستفادة من هذه العلاقات ومساهماتها في التنمية المستدامة لتحسين العلاقات ودعم هذه الدول.

بصفتها دولًا صديقة تطل على المحيط نفسه، تتوق دول منطقة جزر المحيط الهادئ إلى أن تُظهر اليابان اهتمامًا والتزامًا أكبر بالقضايا الإقليمية، مما يمنح طوكيو فرصة ثمينة لتلبية توقعات تلك الدول وتعزيز العلاقات من خلال المبادرات العامة والخاصة.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: أفراد من خفر السواحل الأمريكي وسكان محليون يقومون بإنزال المياه العذبة ونظام لتحلية الماء بالتناضح العكسي لتخفيف نقص مياه الشرب الناجم عن الجفاف في إحدى الجزر النائية. 12 أبريل/ نيسان 2024، وولياي، ولاية ياب، ولايات ميكرونيزيا المتحدة. زوما برس/ وكالة أخبار كيودو)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | تراجع الدعم الأمريكي في المحيط الهادئ: هل تملأ اليابان الفراغ؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :