منذ أكثر من قرن، ظلّ ”خط يامانوتي“ يدور كنبض دائم في قلب طوكيو، يربط شرايين العاصمة ببعضها البعض ويواكب تحوّلاتها عبر العقود. ومع أن هذا الخط اليوم يضم ثلاثين محطة نابضة بالحياة، إلا أن خلف كل محطة منها حكاية دفينة تستحق الاستكشاف. وفي هذه الحلقة الثانية من السلسلة، نسلّط الضوء على محطة ”يوراكوتشو“—البوابة التي تفتح الطريق إلى حي جينزا الراقي، ومفترق الطرق بين الحداثة والأناقة والحنين إلى الماضي. إنها المحطة التي تحمل الرقم ”JY30“، لكنها تحمل في طياتها ما هو أعمق من مجرد رقم.
مرآة للتاريخ
عند الخروج من بوابة التذاكر في محطة يوراكوتشو التابعة لخط يامانوتي والالتفات نحو مبنى المحطة، ستقع عيناك على أقدم جسر مرتفع مبني من الطوب في اليابان. ويمر خط يامانوتي فوق هذا الجسر. وعلى الرغم من تعزيز مقاومته للزلازل، إلا أن مظهره الخارجي لا يزال كما كان عند افتتاحه، ما يمنحه طابعًا عتيقًا مميزًا.
تسير قطارات خط يامانوتي فوق الجسر المرتفع المبني من الطوب في محطة ”يوراكوتشو جي آر“ (© بيكستا)
هناك رواية تقول إن اسم ”يوراكوتشو“ مشتق من اسم ”يوراكوساي“، شقيق أودا نوبوناغا (أحد أبرز القادة العسكريين والسياسيين في تاريخ اليابان)
لقد كان يوراكوساي هو ”لقبه“ كفنان في تحضير الشاي، أما اسمه الحقيقي فكان ”ناغاماسو“. ومن نهاية شهر يناير/كانون الثاني وحتى الرابع والعشرين من شهر مارس/آذار من عام 2024، تمت إقامة معرض خاص في متحف سانتوري بطوكيو تحت عنوان ”أودا يوراكوساي، الحاكم الإقطاعي وفنان الشاي“، وقد نال استحسانًا كبيرًا. وأسس يوراكوساي مدرسة مستقلة في فن تحضير الشاي تُعرف باسم ”مدرسة يوراكو“، كما أنشأ ديرًا داخل معبد شودينئين الفرعي التابع لمعبد كينّينجي في كيوتو (يُعرف اليوم باسم معبد شودين إيغيئين)، وقد كان يُعد من أبرز خبراء فن تحضير الشاي في زمانه.
وبصفته قائدًا عسكريًا، وقف يوراكوساي إلى جانب توكوغاوا إيياسو في معركة سيكيغاهارا عام 1600، ومكافأةً له على ذلك، مُنح ثلاثين ألف كوكو (وحدة قياس يابانية لقياس إنتاج الأرض من الأرز، وكل كوكو واحد ينتج حوالي 150 كغ من الأرز) من الأراضي في مقاطعة ياماتو (محافظة نارا حاليًا). كما حصل أيضًا على قصر في مدينة إيدو (طوكيو حاليًا) كمكافأة إضافية.
ويُقال إن القصر الذي مُنح ليوراكوساي كان يقع في منطقة سوكيياباشي، القريبة من موقع محطة يوراكوتشو الحالية. ولكن بحلول مطلع عصر الإمبراطور كانئي (حوالي عام 1624)، أصبح ذلك المكان أرضًا خالية. وبعد ذلك، أُطلق على تلك الأرض اسم ”يوراكوهارا (سهل يوراكو)“، نسبة إلى يوراكوساي.
وقد تم العثور على أول ذكر لهذه الرواية في كتاب جغرافي نُشر عام 1772 بعنوان ”ذكريات إيدو سوناكو“. كما تبنّت حكومة إيدو الشوغونية في كتابها الجغرافي ”ملاحظات حول منطقة العاصمة“ (عام 1829) هذه الرواية أيضًا. وبما أن هذا الكتاب يُعتبر وثيقة رسمية للحكومة، فيمكن القول إنه من الطبيعي أن تنتشر هذه الرواية بين الناس.
المكان الذي يشير إلى ”يوراكوهارا“ في كتاب ”ذكريات إيدو سوناكو“. يذكر هذا الكتاب أن اسم المكان يعود إلى أودا يوراكوساي... (الأرشيف الوطني الياباني)
ومع بدء عصر ميجي، تحوّل اسم ”يوراكوهارا“ رسميًا إلى ”يوراكوتشو“ وأصبح الاسم الرسمي للمنطقة، كما تم اعتماده كاسم لمحطة القطار.
هل كان هناك قصر لأحد الحكام الإقطاعيين في وسط أعمال الردم؟
لقد عارض المؤرخ والجغرافي يوشيدا توغو الذي عاصر فترتي ميجي وتايشو هذه الرواية بكل وضوح.
فأولًا اعتبر يوشيدا أنه لا يمكن التأكد من وجود دليل على أن يوراكوساي قد مُنح قصرًا في إيدو (طوكيو حاليًا)، ثم استعرض الأماكن التي أقام فيها بعد معركة سيكيغاهارا، وتحولات أماكن إقامته المختلفة.
ووفقًا لهذا، بعد معركة سيكيغاهارا، كما ذُكر سابقًا، تم منحه أرضًا في مقاطعة ياماتو، وبعد ذلك بوقت قصير أنشأ ديرًا للشاي في معبد شودينئين في كيوتو. وهناك معلومات مؤكدة تشير إلى أنه كان في قلعة أوساكا حتى منتصف حصار أوساكا (1614-1615)، وبعد الحرب تقاعد وعاد إلى كيوتو ليكرّس نفسه للقيام بحفل تحضير الشاي، أي أنه لم يكن لديه وقت للمجيء إلى إيدو.
وقد أضاف تانيغاوا أكيهيدي الباحث في أسماء الأماكن المعاصرة شرحًا إضافيًا إلى ادعاء يوشيدا.
حيث أشار تانيغاوا إلى أن المنطقة التي يُقال إن القصر كان قائمًا فيها كانت في الأصل خليج هيبيا، وهو خليج بحري ضحل، وقد تم ردمه في النصف الأول من القرن السابع عشر. ومن هنا بدأ يُطلق على المنطقة اسم ”أوراغاهارا“، باستخدام حرف الكانجي ”أورا“ الذي يدل على الأراضي الرطبة، ومن ثم تحوّر الاسم تدريجيًا إلى ”يوراكوغاهارا“. أي أنه لم يستبعد احتمال أن يكون الاسم مستمدًا من تضاريس المنطقة. إلا أنّ تانيغاوا لا ينفي بالكامل النظرية القائلة بأن الاسم مشتق من يوراكوساي.
واستنادًا إلى هذه الطروحات، سأنتقل فيما يلي إلى فرضيتي الخاصة.
لقد بدأ توكوغاوا إيياسو أعمال الردم الفعلية لخليج هيبيا في عام 1603، ويُعتقد أن المنطقة تحوّلت إلى أرضٍ سكنية في عشرينيات القرن السابع عشر. وهذا يعني أن الفترة ما بين عامي 1600 و1624، والتي يُقال إن يوراكوساي أقام فيها قصره هناك، كانت في الواقع في وسط أعمال الردم، ومن الصعب للغاية تصديق أن قصرًا لأحد الحكام الإقطاعيين (الدايميو) كان قائمًا آنذاك.
وبحلول عام 1632، يمكن التأكد من وجود بلدة تُدعى ”سوكياتشو“ في المنطقة التي يُقال إن قصر يوراكوساي كان قائمًا فيها، وذلك بالاستناد إلى إحدى الخرائط الجغرافية القديمة المعروفة باسم ”بوشو توشيماغوري إيدو نو شوزو“. وتجدر الإشارة إلى أن ”سوكياتشو“ أصبحت تُعرف لاحقًا باسم ”سوكيا ماتشي“.
ويعود أصل كلمة ”سوكيا“ إلى ”سوكيا بوزو“، وهو مصطلح يشير إلى فناني حفل تحضير الشاي (سادو) الذين كانوا يستقبلون الحكام الإقطاعيين (الدايميو) أثناء إقامتهم في إيدو ضمن نظام التنقل الدوري بين إيدو والمقاطعات (سانكين كوتاي). وكانت منطقة سوكيا ماتشي منطقة يقيم فيها فنانو حفل تحضير الشاي هؤلاء.
ومن هنا، يُحتمل أن يكون كتاب ”ذكريات إيدو سوناكو“ قد أخطأ في ”وجود قصر فنان حفل تحضير الشاي الشهير يوراكوساي في الماضي“ أو أنه قام باختلاق هذه الرواية، وربما يكون هذا هو سبب المشكلة في المقام الأول.
مكتب قاضي البلدة الجنوبي وقصر الدايميو
من جهة أخرى، كانت هذه المنطقة تُقسم عند بوابة ”سوكيا باشي“ إلى جزأين. حيث كانت المنطقة التي تقع داخل البوابة مخصصة لطبقة محاربي الساموراي، أما خارجها فكانت مناطق للسكان من عامة الناس مثل حي سوكيا ماتشي. ولهذا السبب، لا تزال آثار عائلات محاربي الساموراي في هذه المنطقة واضحة حتى اليوم.
وفي إحدى زوايا الساحة أمام محطة يوراكوتشو، توجد مجموعة من الحجارة المرصوفة. وهذه في الواقع بقايا مجرى صرف صحي تابع لمكتب قاضي البلدة الجنوبي (اسم منصب إداري في عصر إيدو)، وقد تم اكتشافها خلال أعمال التنقيب المصاحبة لإعادة تطوير المنطقة في عام 2004، وأُعيد استخدامها كنُصب تذكاري في الساحة.
نُصب تذكاري لمكتب قاضي البلدة الجنوبي في الساحة الأمامية لمحطة يوراكوتشو جي آر. على يسار النصب، تُعرض مجموعة من الحجارة التي كانت تُشكّل حواف مجرى الصرف الصحي في ذلك الوقت (© بيكستا)
القبو الأرضي التابع لمكتب قاضي البلدة الجنوبي والذي تم وضعه في الممر الأرضي تحت الساحة التي تقع أمام محطة يوراكوتشو (المخزن / تصوير الكاتب)
المزاريب الخشبية الخاصة بشبكة المياه الموجودة في الممر الأرضي (أنابيب المياه / تصوير الكاتب)
عند الحديث عن مكتب قاضي البلدة الجنوبي، يُذكر على الفور القاضي الشهير الذي ذاع صيته بالعدل والحكمة أوأوكا إيتشيزن. واسمه الحقيقي هو أوأوكا تاداسوكي. ففي عام 1717، تولّى منصب قاضي البلدة الجنوبي بعد أن نال ثقة الشوغون الثامن، توكوغاوا يوشيموني، وظل في هذا المنصب لفترة طويلة.
لقد كانت حياة قاضي البلدة مرتبطة كليًا بوظيفته، حيث كان مقر سكنه داخل مكتب القاضي نفسه. وبذلك، يكون أوأوكا إيتشيزين قد عاش في منطقة يوراكوتشو لما يقرب من عشرين عامًا. وقد كشفت أعمال التنقيب عن لافتة خشبية نُقش عليها اسم ”أوأوكا إيتشيزن نو كامي“، بالإضافة إلى اكتشاف قبو أرضي كان يُستخدم كمخزن، ومزاريب خشبية كانت تُستخدم كأنابيب مياه. وتُعرض هذه الآثار اليوم في الممر الأرضي الممتد تحت الساحة التي تقع أمام محطة يوراكوتشو.
وقد تولى توياما كاجيموتو، المعروف باسم ”توياما نو كينسان“، منصب قاضي البلدة الجنوبي أيضًا، وذلك لمدة تقارب ثماني سنوات ابتداءً من عام 1845.
وعلى الجانب الغربي من محطة يوراكوتشو، يوجد طريق يُسمى ”دايميو كوجي (طريق الدايميو)“، وهو طريق يمتد بمحاذاة منتدى طوكيو الدولي، ويتصل من الشمال بمدخل مارونوتشي لمحطة طوكيو، ويمتد حتى منطقة أوتيماتشي.
وسُمي هذا الطريق في عصر إيدو بـ ”طريق الدايميو“ نظرًا لوجود العديد من مقرات الدايميو (الحكام الإقطاعيون) المحيطة به، مثل مقرات دايميو مقاطعتي توسا وتوتُّوري، ولا يزال هذا الاسم مستخدمًا حتى يومنا هذا. أما البوابة الأمامية الشهيرة لمقر دايميو توتُّوري، والمعروفة باسم ”البوابة السوداء“، فقد نُقلت وأُعيد بناؤها داخل حرم متحف طوكيو الوطني في أوينو.
العلاقة المكانية بين محطة يوراكوتشو جي آر، وبوابة سوكيا باشي، ومكتب قاضي البلدة الجنوبي، وشارع الدايميو، كما يظهر في خريطة ”إيدو كيريئيزو: خريطة طريق الدايميو في إيدو“ (أرشيف مكتبة البرلمان الوطنية).
في الصورة القديمة التي تعود إلى السنة الأولى من عصر ميجي والمثبتة في شارع هارومي، يظهر كل من جسر سوكيا باشي وبوابة القصر (تصوير الكاتب)
وهذه الصورة ليست من المعالم الشهيرة تمامًا، ولكن أثناء عبور شارع هارومي أمام مبنى يوراكوتشو مارِيون عند الإشارة، نجد جزيرة فاصلة بين الطريق الرئيسي والطريق الجانبي، وهناك صورة قديمة مثبتة تعود إلى السنة الأولى من عصر ميجي، ويظهر كل من جسر سوكيا باشي وبوابة القصر في تلك الصورة.
وقد اكتمل بناء بوابة سوكِيا في عام 1629، وكان مكتب قاضي البلدة الجنوبي وطريق الدايميو داخل البوابة، أي في الجهة الأقرب إلى محطة يوراكوتشو حاليًا، لكنها أُزيلت خلال إصلاحات عصر ميجي.
ومن ناحية أخرى، وبما أن خندق الماء المحيط بقلعة إيدو ظل قائمًا حتى بعد بدء عصر ميجي، فقد استمر الجسر في خدمة تنقل الناس لبعض الوقت. غير أن الخندق أيضًا رُدم في نهاية المطاف، وبُني فوقه طريق سريع في العاصمة.
لقد كانت منطقة محطة يوراكوتشو، كما رأينا، موطنًا لعدد من أبرز عائلات الساموراي. وحتى لو لم يكن اسم المحطة مشتقًا من ”أودا يوراكوساي“، فلا شك في أنها كانت مكانًا ذا أهمية تاريخية.
كذلك، فإن الانطباع الأنيق للمنطقة والقريب من حي جينزا يتقاطع في بعض نواحيه مع شخصية يوراكوساي، الذي كان فنان شاي ذواقًا ومحبًا للفن والجمال.
【معلومات محطة يوراكوتشو】
- الافتتاح: 25 يونيو/حزيران 1910
- متوسط عدد الركاب اليومي: 116,738 راكبًا (المرتبة 11 من أصل 30 محطة وفقًا لإحصاءات شركة جي آر شرق اليابان للسكك الحديدية للسنة المالية 2022)
- الخطوط المتصلة بالمحطة: خط طوكيو مترو يوراكوتشو، وبالإضافة على الاتصال بمحطة جينزا التي يمر منها خط طوكيو مترو جينزا، خط هيبيا، وخط مارونوتشي
【المراجع】
- ”جولة في إيدو على طول خط يامانوتي“ أندو يوئيتشيرو، دار أوشيو شوبّانشا للنشر
- ”أطلس تاريخ طوكيو“، إشراف: تانيغاوا أكيهيدي، دار تاكاراجيما للنشر
- ”أشهر القضاة في إيدو“، تانو أكيرا، دار بونشون بونكو للنشر
(النص الأصلي باللغة اليابانية. صورة العنوان الرئيسي: رصيف محطة يوراكوتشو عام 1961. يظهر قطار ”كوداما“ وهو يمرّ على يسار الرصيف، © أرشيف متحف السكك الحديدية)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | محطة يوراكوتشو (JY30): عندما يتحوّل اسم المحطة إلى مرآة منسية للتاريخ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.