اليابان | اليابان تخطو بثقة نحو الغد... الابتكار والذكاء الاصطناعي في قلب الرؤية المستقبلية

تسارع اليابان خطواتها بثقة نحو آفاق جديدة، واضعة نصب عينيها استعادة موقعها الريادي في مجالات حيوية كصناعة الفضاء، والذكاء الاصطناعي، والسيارات الكهربائية. لكن هذا الطموح لا يخلو من التحديات؛ ففي ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية واضطراب سلاسل التوريد العالمية، تجد اليابان نفسها أمام ضرورة ملحّة لإعادة ترتيب أوراقها. ولمواجهة هذا الواقع المعقد، تتبنى طوكيو استراتيجية مزدوجة: تنويع مصادر المواد الخام لتقليل الاعتماد على الصين، وتوطين الصناعات الحيوية مثل أشباه الموصلات. إنها معركة صامتة لكنها مصيرية، تحدد ما إذا كانت اليابان ستظل مجرد صانع تقني تقليدي، أم لاعباً محورياً في صناعة المستقبل العالمي.

احتدام المنافسة للهيمنة على مجال الذكاء الاصطناعي

تاكيناكا هاروكاتا: في السنوات القليلة الماضية، تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن تقنية الجيل الخامس وغيرها من التقنيات الحيوية. في الوقت نفسه، واجهت الصناعات اليابانية نقصًا حاداً في أشباه الموصلات. كل تلك الأحداث أبرزت الحاجة إلى سنّ سياسة أمنية اقتصادية شاملة. برأيك ما هي القضية الأبرز الآن؟

نيشيكاوا كازومي: حسنًا، من المؤكد أن جميع الأنظار تتجه نحو تطوير الذكاء الاصطناعي. فمن المتوقع أن يُحدث الذكاء الاصطناعي تغييرات هائلة تؤثر على كل شيء، بدءًا من الإنتاجية الاقتصادية وصولًا إلى شكل مجتمعنا ووظائف الحكومة، فضلاً عما سيكون له من آثار عسكرية كبيرة. وقد شبّه البعض في الولايات المتحدة السباق نحو الذكاء الاصطناعي فائق الذكاء بمشروع مانهاتن الذي أدى إلى تطوير القنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية.

يُقال إن الولايات المتحدة حافظت على هيمنتها العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية من خلال ما يُسمى بالاستراتيجيات التعويضية التي تُركز على الابتكار التكنولوجي. فكانت الاستراتيجية التعويضية الأولى هي تطوير الأسلحة النووية. وفي هذه العملية، رسّخت أمريكا أيضًا ريادتها العالمية في مجال الليزر والتقنيات المدنية الأخرى. أما الاستراتيجية التعويضية الثانية فقد ركّزت على تطوير تكنولوجيا الصواريخ الموجهة خلال الحرب الباردة، مما حفّز تطوير أشباه الموصلات والحوسبة ونشأة صناعة تكنولوجيا المعلومات. ويُقال الآن إن الذكاء الاصطناعي هو الاستراتيجية التعويضية الثالثة. لكن ما يميز هذه الاستراتيجية عن سابقاتها هو أن التكنولوجيا الأساسية قد طُوّرت في القطاع المدني.

مع انخراط الولايات المتحدة والصين في معركة على الهيمنة التكنولوجية، فرضت واشنطن مجموعة كاملة من القيود على الصادرات والاستثمار بهدف كبح تطوير الصين للذكاء الاصطناعي، فردّت الصين بتنظيم تصدير المعادن الأساسية. وقد أدت هذه الخطوات إلى تعطيل سلاسل التوريد التي تدعم النشاط الاقتصادي في اليابان ودول آسيوية أخرى.

احتياطيات هائلة من المعادن الأساسية لدى الصين

تاكيناكا: في عام 2023، بدأت الصين في طلب تصاريح حكومية لتصدير الجرمانيوم والغاليوم، وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، أوقفت تصدير هاتين المادتين إلى الولايات المتحدة. كما فرضت بكين ضوابط على صادرات الجرافيت والأنتيمون، اللذين تنتج منهما الصين ما بين 50% و90% من إمدادات العالم. فما هي الإجراءات التي اتخذتها اليابان لضمان إمدادات مستقرة من هذه المواد الأساسية؟

نيشيكاوا: تنتج الصين 90% من الغاليوم عالمياً. وهي تصدر الآن حوالي عُشر ما كانت تصدره قبل الجائحة. يمكن لليابان تغطية جزء من هذه الكمية من خلال إعادة التدوير، لكنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على الواردات من الصين.

تصرّ الصين على أنها لا تفرض حظراً، بل مجرد ضوابط تجارية لأغراض الأمن القومي، وأن الصادرات للاستخدام في المنتجات المدنية لا تزال مسموحة. لكن الحقيقة هي أن صادرات هذه المواد انخفضت بشكل حاد في جميع المجالات. ولقد فتحت إدارة رئيس الوزراء السابق كيشيدا فوميئو قناة ثنائية تُسمى ”حوار مراقبة الصادرات اليابانية الصينية“، وبالفعل انخرطت سلطات مراقبة الصادرات في بلدينا في حوار لطلب إصدار التصاريح. لكننا نحتاج حقًا إلى إيجاد مصادر بديلة الآن، وتعتزم الحكومة دعم هذه الجهود من خلال إطار قانون تعزيز الأمن الاقتصادي.

تعتمد اليابان أيضًا على الصين للحصول على الجرافيت الطبيعي، وهو ضروري لصنع بطاريات السيارات الكهربائية. وجدير بالذكر أن جودة الجرافيت تختلف باختلاف المصدر، وهذه الاختلافات تؤثر على أداء البطارية. لذا، فإن إيجاد موردين بديلين يجب أن يسبقه إيجاد حلول لمثل تلك التحديات التقنية.

تاكيناكا: تُهيمن الصين على السوق العالمية لبطاريات السيارات الكهربائية، بحصة 50% اعتبارًا من عام 2023. وقد قدمت الحكومة اليابانية إعانات ضخمة لشركات مثل تويوتا ونيسان لدعم التطوير والإنتاج المحلي لبطاريات التخزين -وهو مجال ذو آثار هائلة على عملية إزالة الكربون. هل تعتقد أن الشركات اليابانية قادرة على المنافسة في هذا السوق؟

نيشيكاوا: يتحدد أداء السيارة الكهربائية إلى حد كبير بجودة بطارية السيارة الكهربائية. أود أن أقول إن الشركات اليابانية تنافسية بمعنى أنها تصنع بطاريات عالية الجودة. لكن السؤال الكبير الآن هو ما إذا كان بإمكانهم تأمين سلسلة توريد مستقرة ومتنوعة للمعادن الرئيسية المستخدمة في تلك البطاريات، وما إذا كان بإمكانهم خفض التكاليف بما يكفي لتوسيع قاعدة عملائهم. هذه أمور ما زلنا نعمل عليها. كما نعمل أيضاً على تطوير الجيل القادم من بطاريات الحالة الصلبة. وبالنظر إلى ما هو أبعد من مجال السيارات، فإننا نحرز تقدمًا في تطوير خلايا البيروفسكايت الشمسية، وأحد المكونات الرئيسية لخلايا البيروفسكايت هو اليود، الذي يتم إنتاجه هنا في اليابان. لذا فمن المهم اتباع استراتيجية متعددة الأوجه، وتطوير مجموعة متنوعة من التقنيات مع تأمين سلسلة توريد مستقرة لكل منها.

الاهتمام بصناعة أشباه الموصلات

تاكيناكا: لنتحدث عن الجهود المبذولة لاستعادة مكانة اليابان كدولة رائدة في تصنيع أشباه الموصلات، التي تعد ركيزة أساسية لسياسة الحكومة طويلة المدى للأمن الاقتصادي. علمتُ أن رابيدوس، الشركة الجديدة لتصنيع الرقائق المنطقية المدعومة من الحكومة، على وشك بدء الإنتاج التجريبي لرقائق الجيل التالي في مصنعها الذي اكتمل جزئيًا في تشيتوسي، بمحافظة هوكايدو. فكيف تسير الأمور؟

نيشيكاوا: من المخطط له هذا العام أن يتم تشغيل خط إنتاج تجريبي في مسبك تشيتوسي، والتحقق من قدرته على تصنيع منتج عالي الجودة مُطوّر بناءً على نتائج مشاريع بحثية دولية مشتركة تضم مؤسسات يابانية وأمريكية وهولندية، من بين جهات أخرى. ويجري العمل حالياً على قدم وساق لتركيب معدات التصنيع في المصنع وإطلاق خط الإنتاج التجريبي. تتمثل الخطة في المضي قدمًا بسرعة مدروسة، مع إخضاع النماذج الأولية للرقائق لعمليات تفتيش وتحليل فني دقيق. أعتقد أن هذه الأنشطة يجب أن تُعتبر جزءًا من مرحلة البحث والتطوير. لقد تأسست شركة رابيدوس في صيف عام 2022، وبدأت أعمال البحث والتطوير الموجهة للإنتاج التجاري في عام 2023، لذا فهي مستمرة منذ عامين تقريبًا. خلال ذلك الوقت، قامت الشركة ببناء مصنع وهي الآن بصدد تركيب معدات التصنيع. لذا، أود أن أقول إن المشروع يتقدم بوتيرة سريعة للغاية.

تاكيناكا: حتى الآن، قدمت الحكومة لشركة رابيدوس مبلغ 70 مليار ين للمرحلة الأولى من المشروع و360 مليار ين للمرحلة الثانية، وتخطط لتقديم 590 مليار ين أخرى للمرحلة الثالثة. في فبراير/شباط، وافق مجلس الوزراء على تشريع يسمح للحكومة بإصدار سندات عامة لتغطية تمويل عمليات التصنيع الخاصة بالشركة، وقد علمت أنه قد تم تقديمه إلى البرلمان. فهل يمكنك أن توضح لنا مضمون مشروع القانون هذا؟

نيشيكاوا: سيتم توفير التمويل من قبل وكالة ترويج تكنولوجيا المعلومات IPA، وهي مؤسسة إدارية مستقلة. يتطلب ذلك تعديل قانون تسهيل معالجة المعلومات، وهو الآن على جدول أعمال البرلمان. ومن المتوقع أن يمهد هذا التشريع الطريق للحكومة للمساعدة في تمويل الإنتاج الضخم لشركة يابانية مُصنّعة لأشباه الموصلات المتقدمة. بمجرد سنّ التشريع المُعدّل، ستبدأ الحكومة عملية استقطاب الطلبات، وستتقدم شركة رابيدوس بطلبها، وبعد فحص رسمي، ستحصل على المنحة التي لا تغطي فقط الاستثمار والقروض، بل تدعم أيضاً تطوير الكوادر الفنية.

تاكيناكا: من التحديات الكبيرة الأخرى التي تواجه شركة رابيدوس عدد الطلبات التي يمكنها تأمينها لأشباه الموصلات المتطورة بتقنية 2 نانومتر التي تنوي إنتاجها. ما هي آفاقها برأيك؟

نيشيكاوا: منذ تأسيس شركة رابيدوس، قبل أكثر من عامين بقليل، ازداد النشاط المُحيط بالذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل كبير لدرجة أنه يمكننا القول إننا بصدد اتجاه عالمي رئيسي. لذا يتوقع الخبراء حدوث ارتفاع في الطلب على وحدات معالجة الرسومات (GPUs) وأشباه الموصلات المتقدمة الأخرى المُستخدمة في الذكاء الاصطناعي. كما تُعدّ الطاقة الكهربائية أحد العوامل الرئيسية المُحددة لسرعة الذكاء الاصطناعي، ويرتبط تصغير الدوائر المتكاملة ارتباطًا مباشرًا بكفاءة الطاقة. لذا، تبدو بيئة الأعمال مُواتية للغاية لشركة مثل رابيدوس، والتوقعات آخذة في الارتفاع.


نيشيكاوا كازومي، المدير الرئيسي لمكتب الأمن التجاري والاقتصادي التابع لوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة. (© nippon.com)

تاكيناكا: أفادت التقارير أن شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة قد عدّلت جدولها الزمني لبناء مصنعها الثاني في كوماموتو. والآن، تكتفي الشركة بالقول إن البناء سيبدأ ”في وقت ما من عام 2025“.

نيشيكاوا: بدأ أول مصنع لشركة TSMC في كوماموتو إنتاج الرقائق بكميات كبيرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في الموعد المحدد تمامًا. لكن صناعة أشباه الموصلات حساسة للغاية وتتأثر بأي اضطرابات في سلسلة التوريد العالمية. وقد تأثرت خطط المصنع الثاني بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين ورسوم إدارة ترامب الجمركية. لكن الطلب على هذا النوع من الرقائق الصناعية المتقدمة التي تصنعها شركة TSMC لم يضعف على الإطلاق. حتى لو تأخر البناء بضعة أشهر عن الموعد المحدد، فأنا واثق من أن المشروع نفسه سيمضي قدمًا وفقًا للخطة.

تاكيناكا: ماذا عن خطط توسيع إنتاج اليابان للرقائق ”القديمة“ القائمة على التكنولوجيا القديمة؟

نيشيكاوا: تتوسع الطاقة الإنتاجية المحلية لأشياء مثل رقائق إدارة الطاقة وأشباه الموصلات التناظرية والمتحكمات الدقيقة بشكل مطرد. إلا أن الصين قد استثمرت بكثافة في هذا المجال أيضًا، مما قد يجعل الإفراط في الإنتاج مشكلة. لكن الشركات الأمريكية والأوروبية تعمل على تنويع مصادر توريدها من أجل تقليل اعتمادها على الصين. كما تحتاج اليابان أيضًا إلى ضمان حصول شركاتها على خيارات متعددة لشراء أنواع مختلفة من الرقائق.

موقع اليابان على خريطة الفضاء العالمية

تاكيناكا: في خطة عمل الأمن الاقتصادي التي أُقرت العام الماضي تمت إضافة الفضاء والدفاع إلى قائمة المجالات الحيوية التي يتعين على اليابان التركيز عليها لتحقيق الاستقلال التكنولوجي والثقل الاستراتيجي. فما هي التقنيات المحددة التي تستهدفها الحكومة، وكيف تعمل على تحقيق ذلك؟

نيشيكاوا: إذا نظرنا إلى الاتجاهات العالمية، يمكننا أن نرى أن الشركات الخاصة أصبحت لاعباً رئيسياً في تطوير البنية التحتية الفضائية. ونشهد بالفعل ظهور نموذج تستفيد فيه القطاعات الخاصة والعامة والعسكرية جميعها من هذه البنية التحتية. وقد خصصت الحكومة اليابانية تريليون ين ياباني لصندوق استراتيجية الفضاء لمدة عشر سنوات، والذي يقع مقره في وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (جاكسا)، لتقديم منح للبحث والتطوير في مجال الفضاء. ونحن ندرك أن مبادرات القطاع الخاص ستلعب دوراً متزايد الأهمية في تأمين سلاسل التوريد وبناء البنية التحتية في هذا المجال.

حتى الآن، اكتفت اليابان بإطلاق بضعة صواريخ سنوياً. ونتيجة لذلك، لا تزال سلسلة التوريد لدينا متخلفة. في المقابل، تجاوز عدد عمليات الإطلاق الفضائية التي قام بها القطاع الخاص في الولايات المتحدة خانة العشرات.


تاكيناكا هاروكاتا (إلى اليسار) ونيشيكاوا كازومي. (© nippon.com)

تاكيناكا: ما الذي تحتاج اليابان إلى التركيز عليه الآن، في ظلّ صراع الولايات المتحدة والصين على الهيمنة التكنولوجية؟ هل ينبغي علينا العمل على تطوير نموذج ذكاء اصطناعي توليدي خاص بنا على غرار ChatGPT؟

نيشيكاوا: في الماضي، كان الأمن الاقتصادي يستهدف أمورًا مثل الطاقة والغذاء، ومن الواضح أننا ما زلنا بحاجة إلى ضمان إمكانية تلبية هذه الاحتياجات الأساسية. لكننا نعتقد أيضًا أنه من المهم ترسيخ أهمية ومكانة اليابان في المجالات التكنولوجية الحيوية.

فيما يتعلق بأشباه الموصلات، تُعدّ الشركات اليابانية بالفعل موردًا رئيسيًا للرقائق التي تُشكّل ركيزة للرقائق المتقدمة. أما في مجال الذكاء الاصطناعي، فليس الأمر واضحًا تمامًا، لكننا نستهدف مجالات يمكن أن تثبت فيها الخبرة الفنية اليابانية الفريدة تفوقها. على سبيل المثال، يبدو الذكاء الاصطناعي في مجال الروبوتات واعدًا للغاية، نظرًا للتطور الكبير في مجال الميكاترونكس في اليابان.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مصنع رابيدوس لتصنيع أشباه الموصلات المتقدمة في تشيتوسي، هوكايدو، كما تم تصويره في مارس/آذار 2025. © كيودو)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | اليابان تخطو بثقة نحو الغد... الابتكار والذكاء الاصطناعي في قلب الرؤية المستقبلية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :