ابوظبي - سيف اليزيد - هالة الخياط (أبوظبي)
في الخامس من سبتمبر من كل عام، يحيي العالم اليوم الدولي للعمل الخيري الذي أقرته الأمم المتحدة، تقديراً للجهود الإنسانية الرامية إلى دعم الفئات المحتاجة، وتعزيز قيم التضامن والتكافل بين البشر.
وتُعد دولة الإمارات العربية المتحدة من أبرز الدول التي تجسد هذه القيم على أرض الواقع، إذ أرست لنفسها مكانة رائدة عالمياً في العمل الخيري والإنساني من خلال مبادراتها ومؤسساتها الرائدة، وبرامجها التي تمتد من الداخل إلى شتى بقاع العالم.
إرث زايد
وتستند الجهود الخيرية في دولة الإمارات إلى إرث إنساني عريق ومتأصل منذ قيام الاتحاد، وضع لبناته المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس الدولة وباني نهضتها، الذي جعل من العطاء قيمة أساسية في السياسة الداخلية والخارجية للإمارات. فقد كان، رحمه الله، يؤكد دوماً أن المال وسيلة لخدمة الإنسان، وأن الخير لا يرتبط بعرق أو دين أو لغة.
وقد واصل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، هذا النهج الخيري، عبر دعم مبادرات إنسانية رائدة، وتوجيه المساعدات لملايين الأشخاص حول العالم، حتى أصبحت الإمارات مركزاً عالمياً للعمل الخيري والإغاثي، وشريكاً أساسياً في الجهود الدولية لتحقيق التنمية المستدامة.
مؤسسات في العطاء
وتحرص حكومة دولة الإمارات برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، على مواصلة العمل الخيري والإنساني الإماراتي، وتقديم يد العون والمساعدة لجميع المحتاجين والمتضررين جراء الزلازل والفيضانات والصراعات في جميع قارات العالم.
واعتمدت الإمارات نهجاً مؤسسياً للعمل الخيري، يقوم على تأسيس هيئات متخصصة لضمان استدامة العطاء وفعاليته، حيث يشرف مجلس الشؤون الإنسانية الدولية في ديوان الرئاسة برئاسة سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، رئيس مكتب الشؤون التنموية وأسر الشهداء، على منظومة الشؤون الإنسانية الدولية التي تضطلع بها دولة الإمارات من خلال مبادراتها العالمية الرائدة ومشروعاتها الخيرية والتنموية المتعددة.
ومن أبرز المؤسسات الخيرية في الدولة مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية التي تأسست عام 1992، وقدمت مساعدات إلى أكثر من 188 دولة، تشمل التعليم، والصحة، والإغاثة الإنسانية.
ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية منذ تأسيسها عام 2007 تركز على تقديم المساعدات في مجالات التعليم والصحة والإغاثة العاجلة، إلى جانب تمويل مبادرات تنموية طويلة الأمد.
وتعد هيئة الهلال الأحمر الإماراتي إحدى أبرز المؤسسات الإنسانية في المنطقة. وتقدم المساعدات في حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية، وتنفذ برامج لدعم الفقراء واللاجئين والمرضى.
وتعنى مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم الخيرية بتمكين الشباب والأيتام وذوي الإعاقة عبر برامج تعليمية وصحية ومبادرات مبتكرة. وتعمل جمعية دبي الخيرية على تمويل وتنفيذ مشاريع متنوعة، مثل بناء المدارس والمستشفيات وحفر الآبار، داخل الدولة وخارجها.
وتتعاون هذه المؤسسات مع منظمات أممية ودولية، مثل برنامج الأغذية العالمي ومفوضية اللاجئين، لضمان وصول الدعم إلى أشد المناطق احتياجاً.
مبادرات محلية
وعلى الصعيد المحلي، أطلقت الإمارات سلسلة من المبادرات التي تستهدف تحسين جودة الحياة لمواطنيها والمقيمين على أرضها. وتشمل هذه المبادرات دعم الأسر المتعففة عبر برامج مساعدات مالية وغذائية منتظمة، رعاية الأيتام وتوفير بيئة أسرية بديلة لهم، تأهيل وتمكين أصحاب الهمم عبر برامج تدريبية وفرص عمل، وتقديم منح دراسية للطلاب غير القادرين في مختلف المراحل التعليمية.
كما تبذل الدولة جهوداً واسعة لنشر ثقافة العمل التطوعي بين الشباب، إذ تم إطلاق منصات وطنية لتسجيل المتطوعين وتنظيم مشاركاتهم في الفعاليات الإنسانية والمجتمعية، ما يعزز من روح المسؤولية المجتمعية بين الأفراد.
140 دولة
ولم تقتصر جهود الإمارات على الداخل، بل امتدت إلى الخارج لتشمل أكثر من 140 دولة في القارات الخمس. فمنذ تأسيس الاتحاد عام 1971، قدمت الدولة مساعدات خارجية تجاوزت قيمتها 360 مليار درهم .
وتنوعت المساعدات الإماراتية بين دعم التعليم، وبناء المستشفيات والمراكز الصحية، وحفر الآبار وتوفير المياه النظيفة، وتمويل برامج مكافحة الفقر والجوع، فضلاً عن إرسال مساعدات عاجلة إلى مناطق الكوارث والحروب.
وخلال العام 2023، بلغت القيمة الإجمالية للمساعدات الخارجية 11.7 مليار درهم، وفقاً لتقرير المساعدات الخارجية الصادر عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي، وتضاعفت المساعدات الإنسانية المقدمة من الدولة خلال العام 2023 لأكثر من ثلاثة أضعاف، لتصل إلى 4.9 مليار درهم إماراتي، بنسبة 42% من إجمالي المساعدات، وذلك مقارنة بمساعدات بقيمة 2.6 مليار درهم خلال العام 2022، فيما بلغت المساعدات الخيرية 457.7 مليون درهم خلال العام 2023.
وفي الأزمات الإنسانية الكبرى، كانت الإمارات سبّاقة في تقديم العون، مثل دعم اللاجئين السوريين، وإرسال مساعدات طبية عاجلة إلى اليمن والسودان ولبنان، والمساهمة في مكافحة جائحة «كوفيد-19» عبر إرسال ملايين الجرعات من اللقاحات والمستلزمات الطبية إلى عشرات الدول.
ضمان الشفافية
لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، عملت الإمارات على سنّ تشريعات تنظم العمل الخيري وتمنع استغلاله.
ويعد القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2021 من أبرز هذه القوانين، إذ ينظم جمع التبرعات ويحدد آليات الرقابة والإشراف على المؤسسات الخيرية.
كما توفر الجهات الحكومية، مثل وزارة تنمية المجتمع والدوائر المحلية، منظومات إشرافية تضمن الشفافية والمصداقية في إدارة الأموال والتبرعات، بما يواكب المعايير الدولية في الحوكمة.
الابتكار والتكنولوجيا
أطلقت الإمارات منصات إلكترونية ذكية تسهّل على الأفراد والمؤسسات التبرع والمشاركة في المبادرات الإنسانية، مع إتاحة خاصية تتبع المساعدات والتأكد من وصولها إلى المستفيدين.
كما تم توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتحليل الاحتياجات المجتمعية، وتصميم برامج موجهة للفئات الأكثر هشاشة، بما يضمن استدامة الأثر الإنساني.
الأثر المجتمعي
أسهمت جهود العمل الخيري في الإمارات في ترسيخ قيم التكافل بين أفراد المجتمع، وتقوية الروابط الاجتماعية، وتوفير شبكة أمان للفئات الأقل حظاً.
كما عززت هذه الجهود من وعي الأفراد بأهمية المسؤولية الاجتماعية والمشاركة التطوعية.
وبات العمل الخيري في الإمارات يُنظر إليه باعتباره قيمة ثقافية وهوية وطنية، وليس مجرد نشاط موسمي. وهذا ما جعلها تُصنّف لسنوات متتالية من بين أكبر المانحين الدوليين للمساعدات الإنمائية الرسمية قياساً إلى دخلها القومي.
قصة نجاح
مع احتفال العالم باليوم الدولي للعمل الخيري، تبرز الإمارات كنموذج ملهم في مجال العطاء الإنساني. فهي لا تكتفي بتقديم المساعدات، بل تتبنى نهجاً استراتيجياً يقوم على التخطيط المؤسسي، والابتكار، والشراكة الدولية، لتحقيق التنمية المستدامة وبناء مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية.
وبهذا، تواصل دولة الإمارات دورها كقوة فاعلة في العمل الإنساني والخيري، لترسخ قيم العطاء والتسامح والتكافل التي قامت عليها منذ تأسيسها، وتبقى مصدر أمل للملايين في العالم.
أخبار متعلقة :