رسالة براك ونوايا إسرائيل… هل عاد التشاؤم ليتصدّر المشهد؟

لا تشبه الرسالة الأخيرة التي دوّنها الموفد الأميركي إلى بيروت توم براك، على مواقع التواصل الاجتماعي، الرسائل التي حملها خلال زيارته الأخيرة إلى ​لبنان​، حين أفرط في "الإيجابية" لحدّ القول إنّ "عواقب" عدم تسليم السلاح لن تتجاوز "خيبة الأمل"، لكنه هذه المرّة، فضّل أن يكون حادًا، فتوجّه إلى قادة لبنان الذين أكدوا مرارًا وتكرارًا ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، بالقول: "الكلمات لن تكفي ما دام ​حزب الله​ محتفظًا بالسلاح".

"الكلمات لا تكفي".. قالها بوضوح، معتبرًا أنّ مصداقية ​الحكومة اللبنانية​ تعتمد على قدرتها على التوفيق بين المبادئ والتطبيق، وداعيًا إياها و"حزب الله" إلى "الالتزام التام والتحرك فورًا لتجنب بقاء الشعب اللبناني بحالة فوضى"، في ما بدا كأنه نسف مبكر لكل الآمال المعقودة على مخرج تفاوضي سلس يجنّب لبنان التصعيد الداخلي أو تجدّد المواجهة مع إسرائيل، ولو لم تتوقف منذ إبرام ما سُمّي باتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الماضي.

ولعلّ المفارقة المثيرة للانتباه أنّ رسالة براك المتشدّدة جاءت في وقتٍ تنتشر تقارير عن استياء إسرائيل من التباطؤ اللبناني في حسم ملف السلاح، وتلويحها بعدوان جديد يفرض على الدولة التحرّك، وعلى الحزب التنازل، علمًا أنّ المبعوث الأميركي سبق أن قال في زيارته الأخيرة، إنّ الولايات المتحدة لا تستطيع تقديم "ضمانات" للبنان، وإنّها لا يمكنها أن "تجبر" إسرائيل على فعل شيء، وفق تعبيره.

فهل نحن أمام لحظة انعطاف في المسار السياسي، تعيد التشاؤم إلى صدارة المشهد اللبناني؟ وهل من خيارات واقعية فعلًا أمام بيروت، بين ضغط أميركي متصاعد، وتهديدات إسرائيلية متكرّرة، ومأزق داخلي يتّسع كلّ يوم؟.

صحيح أنّ رسالة براك الجديدة لا تُعَدّ "انقلابًا" على رسائله السابقة، لكنّ الصحيح أيضًا أنّها ترفع منسوب "الضغط" إلى أعلى مستوياته، فالحديث لم يعد عن "خيبة أمل" كما في السابق، ولا عن الحاجة إلى "خريطة طريق"، بل عن التزام فوري، ردًا على تأجيل الدولة اللبنانية المتكرّر لتقديم آلية تنفيذية تفضي إلى نزع السلاح، وتحذير ضمني من "فوضى" تهدّد الشعب اللبناني إذا لم يتحقق هذا الالتزام.

اللافت أن توقيت الرسالة لم يكن عابرًا. فهي جاءت بعد تسريبات عن طلب لبنان مهلة حتى نهاية آب لاستكمال المشاورات بشأن نزع السلاح، قبل أن تلتئم الحكومة، وتعلن القرار "الجريء" بموافقة وزراء "حزب الله" أو تحفّظه، وهو بذلك يعبّر عن استياء واشنطن ممّا يصفه البعض بالمماطلة أو المراوغة، وبالتالي فهو يؤكد أنّ كل ما يُقال في بيروت من وعود أو التزامات "لن يعني شيئًا" ما دام لا يقترن بأفعال.

لكن، ما الذي تريده واشنطن عمليًا من بيروت في هذه المرحلة؟.

بحسب ما يظهر من مواقف برّاك المتكرّرة، فالمطلوب هو قرار لبناني حاسم بسحب سلاح "حزب الله"، بلا قيد أو شرط، وبلا ضمانات أمنية مقابلة، بمعنى أنّ السردية اللبنانية القائمة على "أولوية" وقف إسرائيل لخروقاتها أولاً، وانسحابها من المواقع اللبنانية التي احتلّتها في حربها الأخيرة، فضلاً عن تلك التي تحتلّها منذ وقت طويل، ليست مقبولة أميركيًا وإسرائيليًا، حيث تسود قناعة بأنّ لا قدرة لـ"حزب الله" وبالتالي لبنان، على فرض الشروط.

من هنا، يقرأ البعض هذا الموقف الأميركي على أنه ضغط مبرمج ومدروس، هدفه تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية التخلّف عن التزاماتها، خصوصًا أنّ "حزب الله" لا يتردّد في القول إنّه يرفض تسليم السلاح، وإنّ ما يقبله هو فقط البحث داخليًا باستراتيجية دفاعية، ولكن عندما تنضج الظروف وليس الآن، وهو ما يكرّره مسؤولو الحزب، وعلى رأسهم أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، في جميع إطلالاته وخطاباته.

استنادًا إلى ما تقدّم، يصحّ السؤال: ما هي الخيارات الواقعية أمام لبنان؟وعطفًا على هذا السؤال، ثمّة سؤال جوهري آخر يطرح نفسه، إذ هل تملك الدولة اللبنانية فعلا خيارًا واقعيًا وقادرًا على حماية الاستقرار، أم أنّها باتت محاصَرة بين خيارين أحلاهما مرّ: الصدام الداخلي أو العدوان الخارجي؟.

قد يكون الخيار الأول برأي كثيرين، هو الالتزام بالمطلب الأميركي، أي اتخاذ قرار رسمي بحصر السلاح بيد الدولة، وإطلاق مسار قانوني/أمني يُترجم ذلك، بمعزل عن موقف "حزب الله" الرافض، أو بالحد الأدنى التحفّظ. لكنه خيار محفوف بالمخاطر، إذ سيعني عمليًا الدخول في مواجهة سياسية مع "حزب الله" قد تتدحرج نحو صدام أمني، خصوصًا إذا ما رآه الحزب كجزء من "مؤامرة خارجية".

أما الخيار الثاني، أي المراوحة، والاستمرار في تأجيل القرار، والرهان على الوقت على أمل إيجاد تسوية داخلية – إقليمية تسمح بتسليم السلاح تدريجيًا، مقابل ضمانات سياسية وأمنية، فلا يبدو مقبولاً أميركيًا. وثمّة من يعتقد أنّ هذا المسار يبدو في الوقت الراهن غير قابل للتحقق، لا داخليًا بسبب غياب التوافق، ولا خارجيًا بسبب تصلب إسرائيل، وإصرارها على سحب السلاخ بالكامل في أقرب وقت، وقبل نهاية العام.

وفي جميع الحالات، فإنّ الخيارات أمام بيروت لا تنطوي على حلول سهلة أو آمنة، بل على توازنات هشّة تتطلب دقة في الحركة، خشية الانزلاق إلى انفجار داخلي أو مواجهة إسرائيلية مفتوحة، خصوصًا مع تزايد الحديث عن خطط عسكرية إسرائيلية محتملة، في حال فشلت الدبلوماسية، وهو ما بدأت التسريبات بشأنه، وهي تسريبات بدأت تتكثّف في الأيام الأخيرة، ما يفترض أن يقرع جرس الإنذار.

في المحصلة، ثمّة إجماع بين المراقبين على أنّ لبنان يعيش مرحلة اختبار هي الأخطر منذ انتهاء الحرب الأخيرة، فالرهانات على "التهدئة" بدأت تتراجع، على وقع الضغوط العابرة للحدود، في وقت لا تخفي إسرائيل نواياها، وهي تراقب عن كثب كل تفصيل يجري تداوله في بيروت، بانتظار اللحظة المناسبة للتحرك، سياسيًا أو ميدانيًا. وبين هاتين الجبهتين، تقف الدولة اللبنانية في منطقة رمادية، عاجزة عن فرض قرار، وعاجزة عن تجنّب الضغط. وفي ظل غياب توافق داخلي صلب، واستمرار الانقسام حول الأولويات، يبدو أن المشهد مرشّح لمزيد من التشاؤم... وربما أكثر.

كانت هذه تفاصيل خبر رسالة براك ونوايا إسرائيل… هل عاد التشاؤم ليتصدّر المشهد؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على النشرة (لبنان) وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :