الرياص - اسماء السيد - ايلاف من لندن: تواجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية أزمة مائية متفاقمة وُصفت بأنها الأخطر في تاريخها الحديث، تهدد بتقويض استقرارها البيئي والاجتماعي والاقتصادي. وزارة الطاقة الإيرانية، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الرسمية "إيرنا"، كشفت أن أكثر من 300 مدينة داخل البلاد تعاني من إجهاد مائي حاد، بينما حذّرت الأمم المتحدة من أن الجفاف شبه الكامل الذي يضرب بحيرة أورمية يُعرض حياة ما يزيد عن 14 مليون شخص للخطر، ويهدد بتحوّل المنطقة إلى مركز لعواصف ملحية مدمّرة.
أبرز الحقائق
الوضع العام يُظهر صورة مقلقة على أكثر من صعيد. فقد نقلت وكالة "تسنيم" عن وزارة الطاقة أن 57% من السدود الإيرانية أصبحت فارغة، حيث لا تتجاوز نسبة امتلاء الخزانات 43%. في المقابل، وصفت وكالة "إيسنا" وضع بحيرة أورمية بأنه "كارثة بيئية تاريخية"، بعدما فقدت البحيرة تقريبًا كامل غطائها المائي، ما يهدد التنوع البيئي في الإقليم ويقوّض قدرة السكان على البقاء.
الحرارة المتصاعدة تُفاقم الأزمة. ففي محافظة خوزستان، التي تُعد من أكثر المناطق تأثرًا بالتغير المناخي، أفادت وكالة "مهر" بتسجيل درجة حرارة بلغت 51 درجة مئوية، وهو رقم يقترب من الحدود القصوى القابلة للتعايش البشري. هذه المعطيات المناخية تقترن بتحذيرات اقتصادية خطيرة، أبرزها ما ورد في تقرير صادر عن البنك الدولي، والذي توقّع أن تصل الخسائر الاقتصادية المرتبطة بأزمة المياه إلى 6% من الناتج المحلي الإيراني بحلول عام 2030.
الانعكاسات الاجتماعية للأزمة بدأت تتجلى في صورة احتجاجات متفرقة. فقد أكدت تقارير محلية اندلاع تظاهرات في مدن مشهد وأصفهان وخوزستان، احتجاجًا على الانقطاعات المتكررة في إمدادات المياه. من الناحية الاقتصادية، أظهرت بيانات رسمية أن إيران فقدت ربع أراضيها الزراعية المنتجة خلال السنوات العشر الأخيرة، فيما سجلت أسعار الغذاء ارتفاعًا فاق نسبة 50%، وهو ما يزيد من الأعباء المعيشية على شريحة واسعة من السكان.
على المستوى الصحي، أصدرت وزارة الصحة الإيرانية تحذيرات بشأن تزايد اعتماد السكان على مصادر مياه غير آمنة، ما يرفع خطر انتشار أمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد. هذه المخاوف تعززها تقارير متخصصة تشير إلى تدهور جودة المياه السطحية والجوفية، نتيجة الإفراط في السحب والتلوث الصناعي والزراعي.
السيناريوهات المستقبلية
الجهات الرسمية والدولية تتوقع الأسوأ. في الأمد القصير، خلال السنوات الثلاث المقبلة، يُتوقع استمرار الانقطاعات اليومية في المياه والكهرباء، مصحوبة بزيادات إضافية في أسعار المواد الغذائية والمياه تتراوح بين 20% و30%. أما على المدى المتوسط، أي خلال الفترة الممتدة من 4 إلى 10 سنوات، فتشير توقعات مركز أبحاث البرلمان الإيراني إلى احتمال فقدان ربع الأراضي الزراعية المنتجة، مع تسجيل خسائر اقتصادية قد تصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي. السيناريو الأبعد زمنًا، الذي يشمل العقود الثلاثة القادمة، يستند إلى دراسات صادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تُحذر من تحول إيران تدريجيًا إلى دولة شبه صحراوية، ما قد يؤدي إلى موجات نزوح سكاني واسعة وانهيار قطاعات استراتيجية مثل الزراعة والصناعات الثقيلة.
في خضم هذه الصورة القاتمة، تتعالى الدعوات من داخل الأوساط الإيرانية لاتخاذ إجراءات عاجلة ومحددة. من بين أبرز المقترحات، إصلاح السياسات الزراعية من خلال تقليل الاعتماد على المحاصيل الشرهة للمياه مثل القمح والأرز، بما يتوافق مع توصيات منظمة الأغذية والزراعة (فاو). كما يُطرح الاستثمار في مشاريع تحلية المياه وإعادة تدويرها كبديل للموارد التقليدية المتضائلة. الدعوات لا تتوقف عند الداخل، بل تتجه أيضًا نحو تعزيز التعاون مع منظمات دولية مثل البنك الدولي، والفاو، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في إطار خطة إنقاذ وطنية شاملة. ويترافق هذا التوجه مع مطالب بإشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في إدارة الموارد المائية، لضمان مستويات أعلى من الشفافية والمساءلة.
أزمة المياه في إيران، كما تعكسها التقارير والمواقف الرسمية، لم تعد تُصنّف ضمن الإطار البيئي المحض، بل أصبحت تحديًا استراتيجيًا للأمن القومي. ووفق ما جاء في تقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي، فإن استمرار السياسات الراهنة سيقود إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية أوسع. ومع ذلك، يبقى الأمل معقودًا على أن يشكّل الإصلاح الجاد نافذة لتجنّب الانهيار الكامل، وتأمين مستقبل مستدام يوازن بين ضرورات التنمية وحدود الطبيعة.
أخبار متعلقة :