كتبت: ياسمين عمرو في الجمعة 22 أغسطس 2025 09:58 صباحاً - ما أن تحتضن الأم وليدها للمرة الأولى بعد معاناة الولادة، إلا ويتغير العالم من حولها؛ في تلك اللحظة لا تعود كما كانت، ولا يعود العالم من حولها كما كان؛ هناك مولود صغير ينظر إليكِ بقلبه وروحه، ومن طلتك يستمد الأمان، ومن نبرات صوتك يسمع رنين الحياة في أذنيه، كما لو أنه يقول: أنتِ عالمي الوحيد يا أمي! هذه العلاقة العاطفية بين الأم ورضيعها ليست مجرد غريزة بيولوجية أو مسؤولية أمومة، بل هي رابطة عميقة تُبنى منذ اللحظة الأولى وتُشكل أساس نموه النفسي والعقلي، وتُعيد تشكيل الأم أيضاً على المستويات كافة. في هذا التقرير نتعرف من الدكتورة ولاء صبري أستاذة طب نفس الطفل إلى خطوات لتقوية العلاقة العاطفية بمولودك منذ اللحظة الأولى. ونكتشف تفاصيل هذه العلاقة الفريدة؛ كيف تبدأ؟ ما الذي يُقويها؟ ماذا لو شعرتِ بالانفصال أو القلق؟ وكيف تُصبحين "الملجأ العاطفي" الأول والأقوى في حياة مولودك؟
اللحظة الأولى للعلاقة تبدأ ببكاء المولود
البكاء أولى وسائل التواصل بين الأم ومولودها
عندما يُوضع المولود على صدر أمه مباشرة بعد الولادة، يحدث أمر أشبه بالمعجزة؛ يرتفع الأوكسيتوسين (هرمون الحب) في جسدكِ وجسده، تُصبحين فجأة مصدر أمانه، وصوته المألوف، والرائحة التي تُطمئنه وتنتعش حياته بها. اللحظات الأولى قد تبدو بسيطة، لكنها تعد اللبنة الأولى في بناء علاقة آمنة وآسرة للطرفين، لا تنتظري أن يفهم طفلك ما تقولينه، فهو يشعر بكِ من دون كلمات. أهمية هذا الارتباط العاطفي: الارتباط العاطفي (Attachment Bond) بين الأم والرضيع هو الأساس الذي يُبنى عليه شعور الطفل بالأمان، وتقديره لذاته، وثقته في العالم. أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين نشأوا في حضن علاقة آمنة؛ حيث تسارع الأم لمولودها بعد سماع بكائه، والذي يعلن به حاجته لها، فتلبيها، فهم : ينامون بشكل أفضل، يُظهرون معدلات أقل من القلق والخوف، ويطورون مهارات اجتماعية صحية، يتعلمون بشكل أسرع، ويظهرون تعاطفاً وذكاءً عاطفياً مرتفعاً.
كيف تبنين علاقة عاطفية قوية منذ مولده؟
احتضان طفلك يقول: أنا هنا من أجلك
التلامس الجسدي المباشر الاحتضان، التربيت، ملامسة الجلد للجلد، كلها إشارات غير لفظية تقول: أنا هنا من أجلك، ولا تخافي من حمله كثيراً، فالرضيع لا "يتعود" بقدر ما يطمئن. الاستجابة السريعة لبكائه كل مرة تُسرعين فيها إليه عند البكاء، تُرسّخين في داخله رسالة" وهي؛ صوتك مسموع، مشاعرك مهمة"، حتى وإن لم تعرفي السبب، وجودك الخليج 365 الأم بجانبه يكفي. التواصل البصري والصوتي انظري في عينيه. تحدّثي إليه. غني له، قد لا يفهم الكلمات، لكنه يفهم نبرة الحب. الرضاعة كأداة عاطفية سواء كنتِ تُرضعين طبيعياً أو صناعياً، لحظات الإرضاع ليست فقط للتغذية، بل للحب والتواصل، انظري له، ابتسمي، امسحي على شعره، اجعليها طقساً مقدساً بينكما، وعادات تتكرر. الروتين والنظام الروتين يمنح الرضيع شعوراً بالأمان، عندما يعرف أن بعد البكاء هناك حضن، وبعد الحمام هناك تدليك، وبعد القيلولة هناك أغنية، فإنه يبدأ في الثقة في العالم من حوله.
سؤال حائر: ماذا لو لم أشعر بهذا الارتباط فوراً؟
حفّزي الأب على المشاركة والرعاية
هذا السؤال يبدو مؤلماً أحياناً، لكنه مشروع وليس ممنوعاً؛ حيث أنه ليست كل أم تشعر بالرابطة بينها وبين المولود مباشرة- بعد الولادة-، فمع الشعور بالتعب، والخوف، واضطراب الهرمونات، قد تشعرين بالغربة عن طفلك. المهم أن تعرفي أن العلاقة تُبنى، وتحتاج إلى وقت، وصبر، وتعاطف مع الذات، ولكن إذا شعرتِ بالحزن المستمر، أو الانفصال التام، استشيري طبيبك، قد تكونين بحاجة للدعم النفسي، وربما كنت تمرين باكتئاب ما بعد الولادة، وهو أمر شائع وقابل للعلاج. حفّزي الأب على المشاركة.. فلا يُمكن تجاهله
اجعليه يحمل الطفل كثيراً.
شجعيه على أن يُحممه مرات، أو يُرضعه بالزجاجة.
اتركي له مساحة لبناء علاقة مستقلة معه.
لا تُقللي من مشاعره أو خوفه؛ فهو أيضاً لم يكن أباً من قبل.
كلما كان الأب حاضراً، شعر الطفل أن الحب ليس فقط أماً، بل أسرة بأكملها تُحبني وتحملني.
كيف يعبّر الرضيع عن حبه؟
رضيع يعبر عن حبه لأمه بالضحك والابتسام
الرضيع لا يتكلم، لكنه يُرسل إشارات حب واضحة مثل:
نظرات طويلة في عينيك.
تهدئة سريعة حين تحملينه.
ابتسامة تلقائية لرؤيتك.
سكون تام في حضنك.
صوت "المناغاة" حين يسمعكِ.
كل هذه إشارات تخبرك أنه يحبكِ، يثق بكِ، ويرى فيكِ العالم. أنتِ مرساة الأمان له: طفلكِ لا يرى العالم كما ترينه، هو يرى العالم من خلالكِ؛ فإذا كنتِ حنونة، آمنة، مستقرة، سيشعر هو بالأمان والقبول، لكن إذا كنتِ متوترة، خائفة، مشغولة دائماً، فسيبدأ بالقلق من دون أن يعرف السبب، وهذا لا يعني أن عليكِ أن تكوني مثالية طوال الوقت، بل يعني أن عليك أن تمنحيه الحب والنية الصافية.
لحظات تؤكد علاقتكما
أم تحمل طفلها بحب وحنان
لحظة تُغنين له وهو في مهدِه.
لحظة تضعين خدك على صدره وتشعرين بأنفاسه.
لحظة تبكين بجانبه وتجدين عزاءكِ في قربه.
لحظة ينظر فيها إليكِ وكأنه يعرفك منذ الأزل.
هذه اللحظات الصغيرة، المتناثرة، تصنع ذاكرة عاطفية لا تُنسى، التواصل العاطفي ليس للأيام الأولى فقط. كلما كبر طفلك، احتاج لعاطفتك بطريقة مختلفة: