الرياص - اسماء السيد - تنويه: تحتوي هذه القصة على وصف لحوادث اغتصاب وعنف، قد يجدها بعض القراء مزعجة.
كانت هيلين تبلغ من العمر 17 عاماً عندما شنت عصابة هجوماً على حيها في العاصمة الهايتية بورت أو برنس.
تروي هيلين، وهي تداعب ابنتها الرضيعة النائمة في حضنها، كيف اختطفها رجال مسلحون أثناء محاولتها الهرب، واحتجزوها لأكثر من شهرين.
تقول الشابة، التي تم تغيير اسمها حفاظاً على هويتها: "اغتصبوني وضربوني. كانوا رجالا مختلفين كل يوم ، ولم أكن أعرف حتى أسماءهم، كانوا ملثمين". وتضيف، "بعض ما فعلوه بي مؤلم جداً لدرجة أنني لا أستطيع الكشف عنه لكم".
وتضيف: "حملتُ خلال تلك الفترة، وكانوا يطالبونني بضرورة إجهاض الحمل، فرفضت. فقد يكون هذا هو الطفل الوحيد الذي سأنجبه في حياتي".
تمكنت هيلين من الهرب بينما كانت العصابة منشغلة في القتال للحفاظ على مناطق سيطرتها. والآن، وبعد أن أصبحت في التاسعة عشرة من عمرها، قضت العام الماضي في تربية ابنتها في مآوى آمن في إحدى ضواحي المدينة.
يضم هذا المأوى ما لا يقل عن 30 فتاة وشابة، ينمن على أسرّة بطابقين في غرفة مطلية بألوان زاهية.
وتُعد هيلين أكبر الناجيات من الاغتصاب هنا، أما أصغرهن فلا تتجاوز الثانية عشرة من العمر، وهي الآن تلعب وترقص على الشرفة مرتديةً فستاناً أزرق اللون وتبدو أصغر بكثير من عمرها الحقيقي، فقد عانت من سوء التغذية سابقاً. وأخبرنا العاملون أنها تعرضت للاغتصاب عدة مرات.
تتزايد حالات الاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى في هايتي، مع اتساع سيطرة العصابات المسلحة داخل وخارج بورت أو برنس.
وتشهد الدولة الواقعة في منطقة البحر الكاريبي موجة من عنف العصابات منذ اغتيال الرئيس السابق جوفينيل مويس عام 2021.
ويصعب تحديد حجم العنف الجنسي بدقة. وتدير منظمة أطباء بلا حدود عيادة في وسط بورت أو برنس مخصصة للنساء اللاتي تعرضن للاعتداء الجنسي. وتُظهر البيانات التي شاركتها المنظمة حصرياً مع بي بي سي، أن عدد الضحايا قد تضاعف تقريباً ثلاث مرات منذ عام 2021.
وتقتحم العصابات الأحياء وتقتل العشرات من الأشخاص. وتقول منظمة أطباء بلا حدود إن الاغتصاب الجماعي للنساء والفتيات غالباً ما يكون جزءاً من هذه الهجمات واسعة النطاق. ومن خلال شهادات الناجيات، يتضح أن العصابات تستخدم الاغتصاب كوسيلة لترهيب وإخضاع المجتمعات بأكملها.
واجهت بي بي سي زعماء العصابات بشأن تقارير عن عمليات قتل واغتصاب، وقال أحدهم إنهم لا يسيطرون على تصرفات الأعضاء، ويعتقدون أن لديهم "واجباً" لمحاربة الدولة. وأضاف آخر: "عندما نقاتل نكون مسحورين – لم نعد بشراً".
وتقول رئيسة بعثة الجمعية الخيرية في هايتي، ديانا مانيلا أرويو: "بدأ المرضى في مشاركة قصص مؤلمة للغاية منذ عام 2021".
وأضافت: "الناجيات يتحدثن عن وجود اثنين أو أربعة أو سبعة، أو حتى عشرين من المعتدين،" مشيرة إلى أن المزيد من النساء الآن يذكرن أنهن تعرضن للتهديد بأسلحة أو فقدن وعيهن نتيجة الضرب.
وفي مركز إيواء في جزء آخر من المدينة، تصف أربع نساء تتراوح أعمارهن بين أواخر العشرينات وحتى السبعين تعرضهن للاغتصاب أمام أطفالهن وأزواجهن.
تقول إحدى النساء: "تعرض حيّنا للهجوم، عدتُ إلى المنزل لأجد أمي وأبي وأختي، جميعهم قُتلوا. قتلوهم ثم أحرقوا المنزل وهم بداخله".
وبعد أن تفحصت منزلها المدمر، كانت على وشك مغادرة الحي عندما واجهت أفراداً من العصابة. تقول عن ذلك: "اغتصبوني - كانت ابنتي ذات الست سنوات معي. اغتصبوها أيضاً. ثم قتلوا أخي الأصغر أمام أعيننا".
وتضيف: "كلما تنظر إليّ ابنتي، تشعر بالحزن الشديد وتبكي".
تروي النساء الأخريات هجمات تتبع نمطاً مشابهاً، قتل واغتصاب وحرق متعمد.
ولا يُعد العنف الجنسي إلا جانباً واحداً من الأزمة التي تعصف بهايتي، إذ تشير وكالات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من عُشر السكان، أي نحو 1.3 مليون شخص، قد اضطروا إلى النزوح من منازلهم، في حين يواجه نصف السكان مستويات مرتفعة من الجوع.
لم تشهد هايتي أي قيادة منتخبة منذ اغتيال مويس، ويتولى حالياً مجلس رئاسي انتقالي، إلى جانب عدد من رؤساء الوزراء المعيّنين، مسؤولية تسيير شؤون البلاد والتحضير لإجراء الانتخابات.
كوّنت العصابات المتناحرة تحالفاً، وبدلاً من أن تتقاتل فيما بينها، وجّهت أسلحتها نحو الدولة.
ومنذ زيارتنا الأخيرة في ديسمبر/كانون الأول، شهد الوضع تدهوراً ملحوظاً، حيث نزح مئات الآلاف من الناس. وأفادت الأمم المتحدة بمقتل أكثر من 4000 شخص في النصف الأول من عام 2025، مقارنة بـ 5400 قتيل على مدار عام 2024 كاملاً.
وتشير التقديرات إلى أن العصابات وسعت سيطرتها من 85 في المئة إلى 90 في المئة من العاصمة، مستولية على أحياء رئيسية وطرق تجارية وبنى تحتية عامة، على الرغم من جهود قوة أمنية بقيادة كينية ومدعومة من الأمم المتحدة.
انضممنا إلى أفراد القوة الدولية أثناء قيامهم بدورية في منطقة تسيطر عليها العصابات، لكن خلال دقائق، تم إطلاق النار على إحدى إطارات مركبتهم المدرعة، مما أدى إلى توقف العملية.
نادراً ما يغادر أفراد القوة مركباتهم المدرعة. ويقول الخبراء إن العصابات لا تزال تمتلك أسلحة قوية وتحافظ على تفوقها.
وفي الأشهر الأخيرة، تعاقدت السلطات في هايتي مع مرتزقة للمساعدة في استعادة السيطرة.
وأفاد مصدر في قوات الأمن الهايتية لبي بي سي بأن شركات عسكرية خاصة، من بينها شركة أمريكية، تنفذ عمليات ميدانية وتستخدم طائرات مسيّرة لاستهداف قادة العصابات.
قدّم لنا المصدر لقطات مصوّرة التُقطت بواسطة طائرة بدون طيار، ويقول إنها توثّق لحظة استهداف زعيم العصابة تي لابلي في انفجار. وأوضح أن تي لابلي أُصيب بجروح بالغة وكان في حالة حرجة، غير أن بي بي سي لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من صحة هذه الرواية.
لكن لا يزال الخوف من العصابات مسيطراً في أنحاء المدينة. ففي العديد من الأحياء، بدأت مجموعات الحراسة الشعبية تتولى مسؤولية الأمن بنفسها، مما أدى إلى ازدياد أعداد الشبان المسلحين في الشوارع.
يقول مايك: "لن نسمح لهم (العصابات) بالقدوم إلى هنا وقتلنا، وسرقة كل ما نملك، وحرق السيارات والمنازل، وقتل الأطفال".
ويضيف أنه يعمل ضمن مجموعة في منطقة "كروى دي بري"، وهي منطقة سوق مزدحمة قريبة من مناطق تسيطر عليها العصابات.
وبينما يُسمع دوي إطلاق النار في الأجواء، لا يظهر على أحد أي رد فعل؛ فالناس هنا اعتادوا على ذلك.
ويقول مايك إن العصابات تجند الصبية الصغار مقابل المال، وتنصب حواجز تطالب فيها السكان بدفع المال للمرور.
ويتابع: "بالطبع يشعر الجميع بالخوف. نشعر بأننا بمفردنا في محاولة حماية النساء والأطفال. ومع اتساع نفوذ العصابات، نعرف أن منطقتنا قد تكون الهدف التالي".
تشير وكالات الإغاثة الإنسانية إلى تدهور الوضع، وإلى أن النساء هن الأكثر تضرراً، حيث يواجه العديد منهن صدمة مزدوجة تجمع بين العنف الجنسي والنزوح.
تقول المديرة الإقليمية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، لولا كاسترو، إن بورت أو برنس "هي أسوأ مكان في العالم بالنسبة للمرأة".
وتضيف أن النساء هنا من المرجح أن يشعرن أيضاً بتأثير تقليص برامج المساعدات الإنسانية.
لطالما كانت هايتي من أكبر الدول المستفيدة من تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، قبل أن يقلّصها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويصفها بأنها "مبذرة".
وخلال زيارتنا في شهر يونيو/حزيران، قالت كاسترو إن برنامج الأغذية العالمي كان يوزع آخر ما تبقى لديه من مساعدات غذائية مموّلة من الولايات المتحدة.
وأوضحت أن توفير الغذاء يساهم في حماية النساء، لأنه يجنبهن التواجد في الشوارع للتسول أو البحث عن ما يسد رمقهن.
كما يخشى العاملون في المجال الإنساني من أن يؤثر تقليص التمويل قريباً على خدمات الدعم المقدمة لضحايا العنف، في أماكن مثل المأوى الآمن الذي تعيش فيه هيلين.
تقول مانيلا أرويو، من منظمة أطباء بلا حدود، إن تمويل وسائل تنظيم الأسرة قد يتم مراجعتها أيضاً، مضيفة: "العديد من مريضاتنا لديهن أطفال بالفعل، وكثيرات منهن دون سن الثامنة عشرة. والحمل يمثل تحديات جديدة وكبيرة بالنسبة لهن".
غالباً ما تجلس هيلين مع نساء أخريات في المأوى الآمن، يتبادلن الأحاديث على شرفة تطل على مدينة بورت أو برنس، إلا أن العديد منهن يشعرن بالخوف من مغادرة حدود الأمان التي يوفرها هذا المكان.
لا تعرف هيلين كيف ستتمكن من إعالة طفلتها مع مرور الوقت، وتقول: "كنت أحلم دائماً بالذهاب إلى المدرسة، لأتعلم وأحقق طموحي. كنت أعلم أنني سأُنجب أطفالاً يوماً ما، لكن لم أتخيل أن يحدث ذلك في هذا العمر الصغير".
أخبار متعلقة :