كتبت: ياسمين عمرو في الجمعة 26 سبتمبر 2025 01:03 مساءً - تحل اليوم، 26 سبتمبر 2025، الذكرى الـ102 لميلاد الفنانة المصرية الراحلة ثريا حلمي (1923–1994)، ابنة مدينة مغاغة بمحافظة المنيا، التي رحلت قبل أكثر من ثلاثة عقود، لكنها ما زالت حاضرة في الذاكرة كلما ذُكرت الضحكة التي تُداوي، أو الكلمة الساخرة التي تكشف عيوب المجتمع بخفة ظل لا تُجرح المشاعر.
لم تكن ثريا مجرد مطربة أو ممثلة، بل كانت ظاهرة فنية كاملة: غنّت، ومثّلت، ورقصت، وقدّمت المونولوج كأنها اخترعته على مقاسها. لُقبت منذ نعومة أظافرها بـ"الطفلة المعجزة"، وأصبحت أشهر مونولوجيست نسائية في العالم العربي، بل وأول "مسحراتية" في تاريخ الفن المصري، تحمل طبلتها وعصاها لتوقظ الصائمين بروحها المرحة ورسالتها الأخلاقية.
كانت ثريا تمتلك قدرة نادرة على المزج بين الكوميديا والنقد الاجتماعي. لم تكتفِ بإضحاك الناس، بل كانت تحمل رسالة تقولها بخفة ظل، كما عبرت في إحدى مونولوجاتها: "يا سيدي عيب... لازم نضحك وإحنا بنصلّح الغلط"، وهي عبارة تلخص أسلوبها في تحويل النقد إلى ضحكة ذكية.
نشأة فنية في بيت مليء بالموسيقى
وُلدت ثريا علي محجوب، التي اختار لها الصحفي مصطفى القشاش من مجلة الصباح اسمها الفني "ثريا حلمي"، في بيت ينبض بالفن. كان والدها عازفًا موسيقيًا ووكيلًا للفنانين، مما جعل بيتها ملتقى لأصوات الطرب والمرح، وكانت شقيقتها ليلى حلمي، المطربة الشعبية ذات الصوت العذب، أول مصدر إلهام لها. ومع زواجها من أنطون عيسى، ابن شقيقة بديعة مصابني، الذي اعتنق الإسلام من أجلها، ترسخت جذورها الفنية في قلب الوسط الفني المصري.
في سن الثامنة، صعدت ثريا إلى مسرح ببا عز الدين، تؤدي فقرات قصيرة بين فصول المسرحيات مقابل 18 جنيهًا شهريًا. كان الجمهور ينبهر بطفلة صغيرة تقف بثقة أمام الكبار، تضحكهم وتغني لهم كأنها نجمة متمرسة. هناك حصلت على لقب "الطفلة المعجزة"، الذي رافقها طوال حياتها، وهناك تعلمت أصول الغناء والرقص والتمثيل كما احتفظت بصداقة العمر مع النجم إسماعيل يس.
بعدها انتقلت إلى كازينو بديعة مصابني، حيث تألقت كـ"رقاصة صولو" ومطربة خفيفة، ثم انضمت إلى فرقة علي الكسار، لتصبح جزءًا من جيل أسس لنهضة الكوميديا الغنائية في مصر.
"إديني عقلك"... اقتحام عالم المونولوج الرجالي
في الأربعينيات، كان فن المونولوج حكرًا الرجال ويقدمه أسماء مثل شكوكو، إسماعيل ياسين، وأحمد الحداد. لكن ثريا حلمي اقتحمت هذا العالم الذكوري بثقة، لتصبح أول امرأة تنافسهم على عرش المونولوج، فقدمت أكثر من 300 مونولوج، كل واحد بمثابة حكاية اجتماعية تُضحك وتُعلّم، مثل "إديني عقلك"، "يا سيدي عيب"، "عيب اعمل معروف"، "أما أنت جريء والله"، "أحب حماتي"، "إدي العيش لخبازه"، "فتح يا بني فتح شوف مين بيكلمك"، و"لا مؤاخذة".
في "إديني عقلك"، خاطبت الجمهور بذكاء: "إديني عقلك يمكن ينفعني.. أصله مخي مشغول بالهموم اللي عندكم". وفي "أحب حماتي" سخرت من عقدة الحموات: "أحب حماتي زي ما بحب مراتي.. بس يا ريت مراتي تحب حماتي زيي"، محوّلة مشكلة أسرية إلى مادة كوميدية خالدة.
وحدها ثريا جمعت بين كلمات بيرم التونسي وألحان علي إسماعيل في مونولوج "أهو كده"، في إنجاز فني نادر. وفي رواية طريفة، كشف بليغ حمدي أن أغنية "حب إيه" التي غنتها أم كلثوم كانت مكتوبة أصلًا لثريا، لكن ارتجاله أمام كوكب الشرق غيّر مسارها.
في لقاء إذاعي، قالت: "المونولوج فن صعب، لكنه أقرب طريق لقلب الناس، لأنك بتخليهم يضحكوا وفي نفس الوقت بيشوفوا عيوبهم في المرايا". وفي موقف طريف بالثمانينيات، روت كيف أخطأت في مونولوج بسبب تشابه ألحان عزت الجاهلي، ففاجأها البيانيست: "إنتي بتقولي إيه؟"، لترد بمرح: "أصلي خلّطت بين المونولوجين!"، مما أضحك الجمهور أكثر.
بين السينما والمسرح: ثنائية التألق
بدأت ثريا مشوارها السينمائي عام 1940 بفيلم "حياة الظلام" مع ميمي شكيب ومحسن سرحان، وتوالت أعمالها لتصل إلى أكثر من 70 فيلمًا، منها: "السوق السوداء" (1946)، "القرش الأبيض" (1946)، "الستات عفاريت" (1948)، "إسماعيل يس في بيت الأشباح" (1951)، "إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة" (1954)، "زقاق المدق" (1963)، "إضراب الشحاتين" (1967)، "الحرامي" (1969)، و"ضد القانون" (1992).
كونت ثنائيًا كوميديًا لا يُنسى مع إسماعيل ياسين، خاصة في أغنية "عايز أروح"، مما جعلها تهديدًا لعرشه بسبب كثرة تعاونهما.
على المسرح، أضحكت الجمهور في "لوكاندة الفردوس"، "مع خالص تحياتي"، "تاكسي حصاوي"، و"مصنع الشيكولاتة". كانت تقف على الخشبة بثوبها الملون، عصاها في يد والطبلة في الأخرى، كأنها مسحراتي تحيي قلوب الناس قبل بطونهم.
ثريا والإذاعة: تعليق ساخر على الحياة
في الإذاعة، كانت مونولوجات ثريا اليومية أشبه بـ"تعليق ساخر على الحياة". كانت تتحدث عن هموم الناس بأسلوب يجمع بين الضحك والنقد، تقول ما لا يستطيع السياسي قوله.
في برنامج "ذكريات الفن"، عبرت: "المونولوج هو الأقل أجرًا، لكنه الأصعب تأليفًا، لأنه يعالج قضايا تساعد على التغيير". كان صوتها في الإذاعة يصل إلى البيوت، يُضحك العائلات ويجعلها تفكر في مشاكلها بابتسامة.
يُمكنكم قراءة: فطين عبد الوهاب.. رائد السينما الكوميدية وصاحب النجاح مع إسماعيل ياسين
"لا مؤاخذة"... الاعتزال والرحيل بخفة ظل
مع تراجع جاذبية فن المونولوج في الستينيات، أدركت ثريا أن زمن هذا الفن يوشك أن ينقضي. فاعتزلت المونولوج عام 1966، ثم السينما عام 1969 بعد "الحرامي"، لتعود لمرة أخيرة في "ضد القانون" (1992)، كأنها تلقي تحية أخيرة لجمهورها.
في 9 أغسطس 1994، رحلت عن عمر 70 عامًا إثر مضاعفات صحية، تاركة وراءها رصيدًا من البهجة والسخرية الراقية.
إرث فني باقٍ... الضحك الذي يغيّر
قالت ثريا ذات مرة: "الناس تفتكر إن الضحك هزار.. لكن الضحك ساعات يوجع أكتر من الزعل".
مونولوجاتها لم تكن مجرد فقرات ترفيهية، بل رسائل اجتماعية مُغلّفة بخفة ظل، تناقش قضايا مثل الفقر والعلاقات الأسرية والفهلوة بأسلوب يجمع بين الضحك والتأمل، واليوم، بعد 102 عام على ميلادها، تظل هذه المونولجات صالحة لرسم البسمة وإنارة العقول مع كل مرة يحملها أثير الإذاعة.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام الخليج 365»
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك الخليج 365»
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر« »الخليج 365 فن»