شكرا لقرائتكم خبر عن تراجع في أسعار الإيثريوم وسط ترقب حذر بالأسواق والان مع بالتفاصيل
دبي - بسام راشد - أخبار الفوركس اليوم وسط أجواء الدبلوماسية والقمم المتتالية التي استضافها الرئيس الصيني شي جين بينغ الأسبوع الماضي، بدا أن بكين وموسكو حققتا اختراقًا ضخمًا بالكشف عن اتفاق لبناء خط أنابيب الغاز المنتظر منذ سنوات، "قوة سيبيريا-2".
ففي 2 سبتمبر، أعلن أليكسي ميلر، الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم، توقيع مذكرة تفاهم ملزمة قانونيًا، وهو ما تصدّر العناوين وأرسل رسالة مفادها أن العلاقات بين بكين وموسكو آخذة في التعمق رغم الضغوط الغربية.
لكن خبراء طاقة تحدثوا إلى RFE/RL أعربوا عن شكوكهم بشأن مستقبل هذا المشروع العملاق، مشيرين إلى أن تفاصيل أساسية — مثل سعر الغاز، والكميات المقررة للتصدير، والجهة التي ستتحمل تكاليف الإنشاء — ما زالت بعيدة عن الحسم.
وقالت إيريكا داونز، الباحثة البارزة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا: "المذكرة الملزمة قانونيًا ليست عقد توريد، وبالتالي لا تعني أن المشروع حصل على الضوء الأخضر. هذا يعطي انطباعًا بالتقدم، لكنه ليس صفقة منجزة بعد."
وبدا أن الاتفاق الأخير في بكين هو مجرد خطوة ضمن مفاوضات مستمرة حول خط الأنابيب الطموح، الذي يهدف إلى نقل الغاز من شبه جزيرة يامال الروسية إلى شمال الصين عبر شرق منغوليا.
منذ الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا عام 2022 وفقدان موسكو سوقها الأوروبية الرئيسية للطاقة، ازدادت قوة نفوذ بكين في هذه المفاوضات. فالصين تبدو وكأنها تماطل لترى إن كان الكرملين سيقدّم تنازلات مغرية على صعيد الأسعار أو الكميات، وكذلك كيف سينعكس المشروع على تنافسها المعقد مع الولايات المتحدة.
وأضافت داونز: "الصين تكتفي الآن بتأجيل القرار إلى وقت لاحق، ريثما ترى ما إذا كانت ستحتاج هذا الخط بالفعل. إذا حصلت بكين على أسعار منخفضة ومرونة في حجم الإمدادات، قد يصبح المشروع جذابًا كخطة تأمين. أما إن لم يحدث ذلك، فلديها بدائل أخرى."
هل تحتاج الصين إلى "قوة سيبيريا-2"؟
بالنسبة لموسكو، الحاجة واضحة: فالخط الجديد، بطول 2,600 كيلومتر، سيعوّض جزءًا من السوق الأوروبية التي خسرتها بعد الحرب. أما الصين، فهي أمام وفرة من الخيارات.
فمع تعثر المفاوضات مع روسيا على مدى سنوات، اتبعت بكين استراتيجية التنويع في وارداتها من الغاز، لتجنب الاعتماد على مورد واحد. روسيا بالفعل هي أكبر مورّد للغاز عبر الأنابيب للصين بفضل خط "قوة سيبيريا-1"، الذي دخل الخدمة عام 2019 في إطار صفقة بقيمة 400 مليار دولار لمدة 30 عامًا. روسيا أيضًا أصبحت ثالث أكبر مزود للصين من الغاز الطبيعي المسال بعد أستراليا وقطر.
في الوقت نفسه، خفضت بكين اعتمادها على الاستيراد عبر تعزيز إنتاجها المحلي من النفط والغاز، إلى جانب توسع هائل في قطاع الطاقة المتجددة، حيث أصبحت شركاتها رائدة عالميًا في مجالات الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية.
نتيجة لذلك، تراجع الطلب على الغاز المستورد، ومن المتوقع أن يواصل الانخفاض خلال العقد المقبل، وهو ما يقلل الحاجة إلى خط "قوة سيبيريا-2"، الذي قد ينقل 50 مليار متر مكعب سنويًا. كما يمكن لبكين الاكتفاء بزيادات طفيفة في سعة خطوط قائمة مع روسيا، وهو ما أعلنه ميلر أيضًا في بكين، بدلاً من بناء خط جديد.
وقال جوزيف ويبستر، الباحث البارز في المجلس الأطلسي، لـRFE/RL: "حتى في أفضل السيناريوهات، لن يبدأ المشروع قبل عام 2030. وهذا يعني خمس سنوات إضافية من التقدم التكنولوجي في الطاقة المتجددة والبطاريات، ما سيقلل أكثر من الحاجة إلى الخط."
يزيد من حالة الغموض أن بكين لم تؤكد حتى الآن تفاصيل إعلان ميلر، فيما التزمت وسائل الإعلام الرسمية الصينية الصمت تقريبًا، مكتفية بنقل تقارير روسية ودولية. وبعد لقاء شي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس المنغولي أوخناجين خورلسوخ في بكين، اكتفى الإعلام الصيني بنقل تصريح لشي دعا فيه إلى التركيز على "الاتصال المادي" بين الدول الثلاث.
ما الذي سيجعل المشروع قائمًا بالفعل؟
يرى بنجامين شميت، الباحث بجامعة بنسلفانيا والزميل في مركز تحليل السياسات الأوروبية (CEPA)، أن الجدوى التجارية للمشروع ضعيفة، معتبرًا تصريحات ميلر مجرد "استعراض" من الكرملين لإظهار مظهر التعاون الوثيق مع بكين.
وقال شميت: "بكين لا تحتاج هذا الخط، لكنها أيضًا لا ترى سببًا في معارضته علنًا."
ومع ذلك، قد تغيّر عاملان هذه المعادلة: تنازلات كبيرة من روسيا في ما يتعلق بالسعر والكميات، أو ظروف جيوسياسية متغيرة بالنسبة للصين.
فيما يخص التسعير، قال ميلر إن سعر الغاز سيكون أقل مما تفرضه غازبروم على المشترين الأوروبيين نظرًا لمسافة ومسار الخط، لكنه لم يقدم تفاصيل. وتشير تقارير إلى أن الصين طلبت أسعارًا مقاربة للأسعار المحلية الروسية المدعومة بشدة، كما تسعى لشراء نصف سعة الخط فقط (25 مليار متر مكعب سنويًا) بدلًا من 80% كما هو معتاد في مثل هذه المشاريع.
ومع الأسعار المنخفضة والتزامات مرنة، قد يصبح الخط جذابًا من زاوية أمن الطاقة، خاصة مع تجدد التوترات في مضيق هرمز — الممر الحيوي لشحنات الغاز المسال الصينية — وتصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، أكبر مورّد عالمي للغاز المسال.
يُذكر أن الصين أوقفت وارداتها من الغاز المسال الأميركي منذ فبراير الماضي، فيما يمنحها الوصول إلى الغاز الروسي الرخيص موقع قوة في إعادة التفاوض على عقود الغاز المسال الأخرى، التي ينتهي العديد منها في ثلاثينيات هذا القرن.
لكن حتى يتحقق ذلك، يتعين على بكين وموسكو أولًا كسر الجمود الطويل الذي يعرقل مشروع "قوة سيبيريا-2".
وقال شميت في ختام حديثه: "كل ما نراه حتى الآن هو رسائل سياسية، وليس مشروعًا حقيقيًا."