اخبار الخليج / اخبار الإمارات

مؤتمر «تريندز» السنوي الخامس يدعو لتحويل المياه إلى رافعة للسلام والتكامل الإقليمي

  • مؤتمر «تريندز» السنوي الخامس يدعو لتحويل المياه إلى رافعة للسلام والتكامل الإقليمي 1/3
  • مؤتمر «تريندز» السنوي الخامس يدعو لتحويل المياه إلى رافعة للسلام والتكامل الإقليمي 2/3
  • مؤتمر «تريندز» السنوي الخامس يدعو لتحويل المياه إلى رافعة للسلام والتكامل الإقليمي 3/3

ابوظبي - سيف اليزيد - طه حسيب (أبوظبي)
مداخلات متنوعة تضمنها اليوم الأول لمؤتمر «تريندز» السنوي الخامس، الذي يعقد تحت عنوان «الأمن المائي المستدام.. بناء مستقبل الأمن المائي عبر الابتكار والمعرفة». خبراء وباحثون قدموا مداخلات عبر ثلاث جلسات رئيسة حول مستقبل الأمن المائي، وجيوسياسية المياه العابرة للحدود، ودور التعددية ومراكز الفكر في تحقيق الهدف السادس للتنمية المستدامة، وهو (المياه النظيفة والنظافة الصحية).
وشارك في الجلسة الأولى السير ليام فوكس، وزير الدفاع البريطاني الأسبق، مؤلف كتاب «العاصفة القادمة: لماذا سيكتب الماء ملامح القرن الحادي والعشرين؟»، والدكتور أحمد علي الرئيسي، مدير جامعة الإمارات بالنيابة، وعائشة العتيقي، المديرة التنفيذية لمبادرة محمد بن زايد للماء. 
وشارك في الجلسة الثانية السفير د. محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، مدير المكتب الإقليمي لشمال أفريقيا بمنظمة المدن والحكومات المحلية في أفريقيا، والبروفسور أشوك سوين، أستاذ بحوث السلام والنزاعات، رئيس كرسي اليونيسكو للتعاون الدولي في مجال المياه، والبروفيسورة سيسيليا تورتاجادا، أستاذة فخرية بكلية الاستدامة الاجتماعية والبيئية جامعة جلاسكو، ودانييل أيا كوبوني، المؤسس المشارك، مدير البحث والتطوير «إنكو الشرق الأوسط»، ود. هنرييتا تويفانين، مستشارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة مارثي أهتيساري للسلام، فنلندا.
وشارك في الجلسة الثالثة كريستوفر هودر، مستشار الأمم المتحدة للأمن المناخي والبيئي في الصومال، ولورا بيركمان، مديرة الأمن المناخي والمالي والغذائي في مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية في هولندا، ود. عامر الكندي، مسؤول مفاوضات التكيف المناخي في «كوب 28».

الماء والطاقة.. ارتباط وثيق  
وعقدت الجلسة الأولى بعنوان «تشكيل مستقبل الأمن المائي»، وأدارها الباحث الرئيس عبدالعزيز الشحي، نائب رئيس قطاع البحوث في «تريندز للبحوث والاستشارات».
وشارك في الجلسة معالي السير ليام فوكس، وزير الدفاع البريطاني الأسبق، مستنتجاً أن الأمن المائي هو التحدي العالمي الأكبر للقرن الحادي والعشرين، نظراً لتأثيره المباشر في الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي وإبراز الارتباط الوثيق بين الماء والطاقة، وركز فوكس على دور الابتكار والتكنولوجيا في معالجة ندرة الموارد، محذراً من أن الصراعات المستقبلية قد تنشأ حول المياه أكثر من أي مورد آخر، مما يتطلب بناء أطر تعاون دولية وإقليمية مستدامة، وأكد أن الاستثمار في الحلول المبتكرة لإدارة المياه يشكّل ركيزة لتحقيق التنمية المستدامة وحماية الأجيال القادمة.
كما قدّم البروفيسور أحمد علي الرئيسي، مدير جامعة الإمارات بالإنابة، رؤية متكاملة حول أولويات الأمن المائي، مؤكداً أن ازدهار الأمم مرهون بتوافر الموارد المائية كمّاً ونوعاً، مما يستدعي بذل كل الجهود لحمايتها للأجيال الحالية والمستقبلية.
وركّز على ثلاثة محاور رئيسة، أولها القطاع الزراعي باعتباره المستهلك الأكبر للمياه عالمياً (أكثر من 70% من الاستهلاك الكلي)، مما يتطلب تقليل الفاقد وتبني أنظمة ري حديثة وفعالة، وتجنب زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه.
وثانيها الاستهلاك المنزلي، حيث أشار إلى أن معدلات استهلاك الفرد في دول مجلس التعاون تصل إلى 650 لتراً يومياً، مقارنة بـ 150–250 لتراً فقط في أوروبا، مؤكداً أهمية ترشيد السلوك الاستهلاكي، وتطبيق سياسات تسعير محفزة على الترشيد.
وثالثها يتمثل في المياه المعالجة وحصاد مياه الأمطار، باعتبارهما موردين متجددين يمكن استثمارهما في الزراعة وتطوير المسطحات الخضراء، فضلاً عن دورهما الحيوي في تعزيز الأمن المائي في المناطق الجافة وشبه الجافة.

تعزيز الحوار والشراكات 
وفي مداخلتها أمام الجلسة الأولى من المؤتمر، أشارت عائشة العتيقي، المدير التنفيذي لمبادرة محمد بن زايد للماء، إلى أن مؤتمر «تريندز» السنوي للأمن المائي المستدام هذا العام يعد منصة مهمة لتعزيز الحوار بشأن الدور الحيوي للمياه في تأمين الاستقرار والاستدامة عالمياً.
وأكدت العتيقي أن مناقشات المؤتمر تركز على ضرورة تسريع الابتكار بهدف إيجاد حلول قابلة للتطوير على نطاق واسع، وضمان وصولها إلى المجتمعات الأشد احتياجاً.
وأضافت: على نفس القدر من الأهمية، يأتي تعزيز الشراكات الشاملة بين مختلف القطاعات الحكومية والخاصة والمستثمرين والمؤسسات الخيرية والمجتمع المدني، من دون إهمال أي طرف، خاصة الشرائح الضعيفة الأكثر تأثراً بندرة المياه.
وتوصلت العتيقي إلى استنتاج مفاده أنه لا ينبغي التعامل مع المياه باعتبارها مشكلة بيئية فحسب، بل ينبغي اعتبارها عنصراً أساسياً في تحقيق السلام والاستقرار الاقتصادي والأمن الغذائي، وإدراجها ضمن استراتيجيات التكيف مع التغيرات البيئية على المدى الطويل وعلى المستويات كافة.

المياه العابرة للحدود 
وخصص مؤتمر «تريندز» السنوي جلسته الثانية لبحث «الأبعاد الجيوسياسية للمياه العابرة للحدود: بين الصراع والتعاون»، وأدارتها اليازية جاسم الحوسني، نائبة رئيس قطاع الشؤون الإدارية والإعلام في «تريندز».
وشهدت الجلسة حلقة نقاشية حول الأنهار الكبرى التي تعبر حدود دول عدة، وما يترتب على ذلك من توترات جيوسياسية قد تتحول إلى صراعات، أو تُدار عبر آليات تعاون عادلة ومستدامة.
وأوضح البروفيسور أشوك سوين، أستاذ بحوث السلام والنزاعات ورئيس كرسي اليونسكو للتعاون الدولي في مجال المياه بجامعة أوبسالا، أن الاتفاقيات المائية العابرة للحدود بحاجة إلى مراجعة شاملة، بحيث تراعي مرونة التوزيع وتتكيف مع تحديات التغير المناخي مشدداً على أهمية تعزيز مؤسسات أحواض الأنهار بالقدرات اللازمة لمشاركة البيانات والإنذار المبكر وحل النزاعات، إلى جانب ترسيخ الدبلوماسية المائية عبر وساطات أطراف ثالثة، فضلاً عن الاستثمار في برامج التكيف المناخي والتقنيات الموفّرة للمياه في المناطق الهشة. 
وركزت الدكتورة هنرييتا تويفانين، مستشارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة «مارتّي أهتيساري للسلام»، على ضرورة تبنّي مقاربات متعددة التخصصات والقطاعات لإيجاد حلول طويلة المدى، مع إدماج العدالة والإنصاف في ترتيبات تقاسم المياه لتفادي اختلالات القوة. كما دعت إلى إضفاء الطابع المؤسسي على منصات التعاون مثل اللجان المشتركة وآليات الرصد الدائم. 
وعرضت البروفيسورة سيسيليا تورتاجادا، أستاذة فخرية بكلية الاستدامة الاجتماعية والبيئية في جامعة غلاسكو، إطاراً متكاملاً لحوكمة مائية تكيفية تراعي الروابط بين المياه والغذاء والطاقة والبيئة، وتستند إلى ممارسات عالمية ناجحة.
وأكدت أهمية تعزيز الاقتصاد الدائري للمياه، عبر التوسع في إعادة الاستخدام والتحلية والتغذية الاصطناعية للمياه الجوفية، إلى جانب مزيج من الحلول الهندسية والطبيعية لمواجهة الفيضانات والجفاف والصدمات البيئية. 

دمج التقنيات المستدامة 
وفي مداخلته بالجلسة الثانية، شدد دانييل إياكوبوني، المؤسس المشارك ومدير البحث والتطوير في شركة «آنكو الشرق الأوسط»، على دمج التقنيات المستدامة في منظومات الأمن المائي، خاصة عبر التوسع في إنتاج حمض الهيبوكلوروس (HOCl) محلياً بوسائل بسيطة (الماء والملح والكهرباء)، بما يعزز الصحة العامة والمرونة المجتمعية.
كما دعا إلى ربط الابتكار التكنولوجي بالدبلوماسية الوقائية لتعزيز السلام والاستقرار. 

قاطرة للتكامل الإقليمي 
في تصريح خاص لـ«الاتحاد»، أكد السفير الدكتور محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن تنظيم ترينديز مؤتمر «الأمن المائي» خطوة تعكس إدراك أهمية هذه القضية، و في الوقت نفسه تعزز الوعي بقضايا المياه قبل استضافة دولة الإمارات مؤتمر الأمم المتحدة للمياه العالم المقبل. هذا الاهتمام يعني أن مستقبل المنطقة بل مستقبل العالم مرتبط بتعزيز التعاون في هذا المجال والاهتمام بأن تكون المياه أحد روافد التنمية والحفاظ على الأنهار الدولية العابرة للحدود. حجازي أكد أن التعاون لا المواجهة والصراع هو الأساس للحفاظ على بيئة الأنهار كأنظمة بيئية متكاملة لا يمكن تقطيع أوصالها.
وطرح حجازي مقاربة التعاون الإقليمي في هذه الأنهار، في إطار «ممرات التنمية»، مثل مقترح «ممر التنمية الشرقي» بين مصر ودول حوض النيل، والتي تشمل ربطاً مائياً وبرياً وكهربائياً وعبر السكك الحديدية، يعود بالنفع على جميع دول المنطقة، ضمن مدخل شامل للتعاون في إطار مشروعات «نيباد»، ويتم تدارس  مشروع «فيكتوريا ميدتيرين» كمقترح للنقل النهري يربط دول حوض النيل ووسط أفريقيا بالبحر المتوسط عبر مصر، وترحب به المؤسسات الدولية، للحفاظ على بيئة النهر، من أجل منظور أشمل للتعاون يهتم بالتبادل الكهربائي والتجارة والنقل والحفاظ على بيئة الأنهار. حجازي يطرح ممر التنمية الشرقي بين دول حوض النيل، لضمان التنمية والاستقرار في دول حوض النيل. 
وأكد حجازي أن التعاون المائي يمكن أن يتحول إلى قاطرة للتكامل الإقليمي وقضايا المياه ليست مجرد تقاسم مورد طبيعي، بل هي بوابة لبناء الثقة والسلام والمرونة المناخية والتكامل الاقتصادي.

تعددية الأطراف وحوار الماء العالمي 
وتحت عنوان «تعددية الأطراف والمعرفة في الحوار العالمي حول المياه: الأمم المتحدة ودور مراكز الفكر في تعزيز الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة»، انطلقت مداخلات الجلسة الثالثة، التي أدارها عبدالله الخاجة، باحث في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، وسلطت الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه الأمم المتحدة ووكالاتها في قيادة الجهود الدبلوماسية متعددة الأطراف لضمان الإدارة المستدامة للمياه والصرف الصحي.
واستنتج كريستوف هودر، مستشار الأمم المتحدة للأمن المناخي والبيئي في الصومال، أن الأمن المائي يمثل عنصراً أساسياً للتنمية والسلام والاستقرار، محذراً من أن غياب الوصول الموثوق للمياه الآمنة في الدول الهشة يعدّ دافعاً للنزاعات والنزوح.

ثنائية الماء والمناخ 
بدوره، قدم ديسيجن نايدو، مستشار التكيف المناخي لدى اللجنة الرئاسية للمناخ في جنوب أفريقيا، رئيس المشروع الأفريقي لمخاطر المناخ والأمن البشري في معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا، تحليلاً معمّقاً حول تأثير التغير المناخي على الأمن المائي في أفريقيا، مستعرضاً الروابط بين المخاطر المناخية وإدارة الموارد المائية.
وركز نايدو على أهمية دمج استراتيجيات التكيف المناخي في السياسات الوطنية والإقليمية لضمان استدامة المياه وحماية المجتمعات الهشة، مشيراً إلى دور مراكز الفكر والمؤسسات البحثية في تقديم حلول مبتكرة وإثراء الحوار متعدد الأطراف حول السياسات المائية المستدامة.
وأشار إلى أنه كيف يمكن للتجارب الأفريقية أن تشكل نموذجاً يُحتذى به في استخدام المعرفة العلمية لتعزيز أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه.
أما الدكتور عامر الكندي، مسؤول مفاوضات التكيف المناخي سابقاً في رئاسة  «كوب28» بدولة الإمارات العربية المتحدة، فقد قدّم منظوراً دولياً حول إدارة المياه، انطلاقاً من خبرته الطويلة في المفاوضات الدولية للمناخ، خاصة في سياق مؤتمرات الأطراف.
وناقش الدكتور الكندي دور التعاون متعدد الأطراف في تعزيز قدرة الدول على مواجهة تحديات ندرة المياه، كما استعرض التجارب الإماراتية والدولية في دعم مشاريع المياه المستدامة، مشدداً على ضرورة ربط المعرفة البحثية بالعمل التنفيذي لضمان تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة بصورة فعّالة وشاملة.

قاعدة «الثلاثة» 
من جانبه، تطرّق الباحث سلطان ماجد العلي، نائب رئيس قطاع مكتب دبي في تريندز للبحوث والاستشارات، في مداخلته، إلى دور مراكز الفكر في تعزيز الحوار العالمي حول المياه ودعم تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة.
وأشار إلى مفهوم قاعدة الثلاثة (The Rule of Three) التي توضّح أن الإنسان لا يستطيع البقاء على قيد الحياة أكثر من ثلاث دقائق من دون هواء، أو ثلاثة أيام من دون ماء، أو ثلاثة أسابيع من دون غذاء، مؤكداً أن المياه تظل العنصر الأكثر حيوية في أوقات الأزمات الكبرى.
واستشهد العلي بتجارب عالمية مثل إعصار كاترينا في الولايات المتحدة وتسونامي اليابان 2011، اللذين أظهرا هشاشة النظم المائية أمام الكوارث الطبيعية وأهمية التخطيط المسبق لإدارة الموارد.
كما عرض أبرز التحديات المرتبطة بندرة المياه في الشرق الأوسط والإجهاد المائي في أوروبا والمملكة المتحدة، إلى جانب إشكاليات الاتفاقيات المائية العابرة للحدود.
وشدد على أن لمراكز الفكر دوراً محورياً في صياغة السياسات المائية عبر توفير المعرفة المبنية على الأدلة.
واختتمت الجلسة الثالثة أعمال اليوم الأول بالتأكيد على أن تسريع التقدم نحو الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة (المياه النظيفة والصرف الصحي للجميع)، يتطلب تضافر جهود الحكومات والمنظمات الدولية ومراكز الفكر، إلى جانب الاستثمار في المعرفة والابتكار والتقنيات الحديثة، وتحويل المياه إلى قاطرة للتعاون الدولي والتنمية المستدامة، بدلاً من أن تكون مصدراً للنزاعات والتوترات.

Advertisements

قد تقرأ أيضا