الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من واشنطن: أعادت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن نيته استعادة قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان النقاش حول الوجود العسكري الأميركي في آسيا الوسطى، بعد سنوات من الانسحاب الكامل عام 2021، وسط مواقف متباينة بين الإدارة الأميركية وحركة "طالبان" ومسؤولين عسكريين حاليين وسابقين.
خلال حديثه للصحافيين الخميس في لندن، قال ترامب: "نريد استعادة تلك القاعدة"، مشيرًا إلى موقعها الاستراتيجي القريب من الصين، وأضاف: "هي على بعد ساعة من المكان الذي تصنع فيه الصين أسلحتها النووية"، في إشارة إلى إمكانية استخدامها ضمن استراتيجية أوسع لمواجهة التمدد العسكري الصيني.
رفض أفغاني مبكر
في أول رد رسمي، رفض زاكر جلالي، المسؤول بوزارة خارجية "طالبان"، فكرة عودة القوات الأميركية إلى قاعدة باغرام، معتبرًا أن "الأفغان لم يقبلوا يومًا وجودًا عسكريًا أجنبيًا". وقال جلالي عبر منصة "إكس" إن العلاقات بين أفغانستان والولايات المتحدة يجب أن تُبنى على "الاحترام المتبادل والمصالحة المشتركة"، مشيرًا إلى أن هذا الاحتمال رُفض سابقًا خلال مفاوضات الدوحة.
كما ذكّر جلالي بأن اتفاق الدوحة، الذي أدى إلى انسحاب القوات الأميركية، لم يترك مجالًا لإعادة التموضع العسكري، لكنه أشار إلى "انفتاح على تفاعل اقتصادي وسياسي مشترك".
مسؤولون: الخطة معقدة وعالية التكلفة
وبحسب تقرير لوكالة "رويترز"، فإن تصريحات ترامب قوبلت بتشكيك من مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، حذروا من أن مثل هذه الخطوة قد تُفسر على أنها "إعادة غزو" لأفغانستان، وقد تتطلب نشر أكثر من 10 آلاف جندي بالإضافة إلى دفاعات جوية متطورة، ما يجعل تنفيذها على الأرض "صعبًا للغاية".
وقال مسؤول أميركي، لم يُكشف اسمه، إنه لا يوجد "تخطيط نشط" حالياً لاستعادة القاعدة، وإن أي تحرك كهذا سيستوجب عمليات لوجيستية معقدة وكلفة مرتفعة لإعادة إصلاح البنية التحتية للقاعدة، إضافة إلى تأمين محيطها ضد التهديدات، سواء من تنظيم "داعش" أو مقاتلي "القاعدة"، وحتى من إيران.
وأضاف: "لا أرى كيف يمكن أن يحدث ذلك بشكل واقعي"، مشيراً إلى أن القاعدة ستكون جيبًا أميركيًا معزولًا في بلد غير ساحلي.
قاعدة عسكرية بمساحة 77 كيلومترًا مربعًا
قاعدة باغرام، التي بُنيت في خمسينيات القرن الماضي على يد الاتحاد السوفيتي، أصبحت المركز الرئيسي للقوات الأميركية في أفغانستان بعد عام 2001، وبلغت مساحتها نحو 77 كيلومترًا مربعًا، وكانت تضم منشآت متعددة تشمل مطاعم عالمية، متاجر إلكترونيات، ومجمع سجون ضخم.
وكان ترامب قد عبّر في مناسبات سابقة عن رغبته في بسط نفوذ أميركي على أراضٍ تمتد من قناة بنما إلى غرينلاند، مع تركيز متزايد على باغرام كعنصر استراتيجي.
مزايا محل خلاف... والمخاطر حاضرة
رغم اعتبار ترامب القاعدة عنصرًا حيويًا في مواجهة الصين، قلّل مسؤول دفاعي أميركي كبير سابق من هذه الفرضية، مؤكدًا أن "المخاطر تفوق المزايا"، ومشككًا بوجود جدوى عسكرية مباشرة.
ويرى خبراء أمنيون أن أي تموضع عسكري جديد سيفتح القاعدة أمام تهديدات خارجية، أبرزها الصواريخ المتقدمة من إيران، التي سبق أن استهدفت قاعدة العديد الأميركية في قطر في حزيران (يونيو) الماضي، ردًا على هجمات استهدفت مواقع نووية إيرانية.
سياق سياسي معقّد
يأتي تصريح ترامب في توقيت تشهد فيه وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مراجعة داخلية للانسحاب من أفغانستان، وسط انتقادات لطريقة تنفيذ الانسحاب في 2021. وكان ترامب قد انتقد الرئيس السابق جو بايدن مرارًا بسبب التخلي عن باغرام، مؤكداً أن لديه "خطة للإبقاء على قوة صغيرة" هناك، رغم أن اتفاق شباط (فبراير) 2020 نص على انسحاب شامل.
تواصل محدود رغم غياب الاعتراف
ورغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين واشنطن و"طالبان"، يجري الجانبان محادثات متقطعة، خصوصاً في ملفات الرهائن. ففي آذار (مارس) الماضي، أفرجت "طالبان" عن سائح أميركي احتُجز لأكثر من عامين، فيما التقى مؤخرًا مبعوثا ترامب السابقان آدم بولر وزلماي خليل زاد بوزير الخارجية في حكومة "طالبان" أمير خان متقي، لبحث ملفات متعلقة بالمواطنين الأميركيين المحتجزين.