الارشيف / اخبار العالم / اخبار اليابان

اليابان | عهد ترامب واستقلال القضاء... معركة صامتة أم زلزال دستوري؟

اليابان | عهد ترامب واستقلال القضاء... معركة صامتة أم زلزال دستوري؟

شوّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – بدعم من الكونغرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون ووزارة العدل – سمعة قضاة فيدراليين معرضا إياهم وعائلاتهم للتهديدات والمضايقات، وذلك في ظلّ العقبات القانونية التي تواجه حملته للترحيل الجماعي. فهل تستمر سيادة القانون في أمريكا في عهد الرئيس ترامب؟

بمناسبة مرور 100 يوم على انطلاق الولاية الرئاسية الثانية لدونالد ترامب، أظهرت استطلاعات الرأي العام حكما قاسيا على أداء إدارته. ففي استطلاع مشترك أجرته ”واشنطن بوست“ وشبكة ”إيه بي سي نيوز“ وشركة ”إيبسوس“ نُشر في 25 أبريل/نيسان، بلغت نسبة التأييد للرئيس ترامب 39%، وهي أدنى نسبة تقييم بعد 100 يوم منذ الولاية الثالثة لفرانكلين روزفلت قبل 80 عاما. كان ترامب قد بدأ هذه الولاية في أواخر يناير/كانون الثاني بمستوى دعم منخفض نسبيا، وقد تراجعت نسبة الرضا عن أدائه بأكثر من 5 نقاط منذ ذلك الحين. وفي المقابل، أعرب 55% من المشاركين في الاستطلاع عن عدم رضاهم عن أداء ترامب، فيما قال 44% منهم إنهم ”غير راضين بشدة“ (*١).

أبرز ما أثار قلق المشاركين في الاستطلاع كان توسع صلاحيات الرئيس بشكل غير مسبوق في ظل إدارة ترامب. ففي أول 100 يوم من ولايته، وقع ترامب على 140 أمرا تنفيذيا، وهو رقم غير معتاد. أما الكونغرس المسيطر عليه من قبل الجمهوريين في مجلسيه، فقد بدا وكأنه تنازل عن سلطاته لصالح ترامب، إذ لم ينجز تقريبا أي تشريع يذكر. إن تركز صناعة القرار داخل البيت الأبيض بات أمرا واضحا كوضوح الشمس في رابعة النهار.

الحقيقة هي أولى الضحايا

أحيا ترامب مناسبة مرور 100 يوم على ولايته الثانية بتنظيم تجمع جماهيري خارج مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان. وتفاخر أمام حشد من أنصاره المخلصين قائلا إن هذه ”أكثر 100 يوم نجاحا لأي إدارة في تاريخ بلادنا“، مستبعدا نتائج استطلاعات الرأي المرموقة وواصفا إياها بأنها ”استطلاعات زائفة من وكالات أنباء كاذبة“. وادعى ترامب أنه لو أن استطلاعات الرأي كانت موثوقة فستظهر الرضا عن أدائه بنسبة تتراوح بين الستينات والسبعينات (*٢).

لم يتطرق ترامب إلى المخاوف الواسعة التي أثارتها سياسة ”التعريفات الجمركية المتبادلة“، بما في ذلك التحذيرات من تباطؤ اقتصادي محتمل. وبدلا من ذلك، فاخر الرئيس بالشركات التي سارعت إلى إطلاق أو توسيع أنشطتها الإنتاجية داخل الولايات المتحدة منذ إعلانه عن الضرائب الجديدة. وطرح أرقاما خيالية، مدعيا زورا أن أسعار البيض قد انخفضت بنسبة 87% منذ توليه المنصب. غير أن الأرقام المتوفرة آنذاك كانت تشير إلى أن أسعار البيض – التي تعد مقياسا للتضخم – قد شهدت ارتفاعا ملحوظا خلال الولاية الثانية لترامب (*٣).

أما ما ادعاه ترامب بشأن انخفاض عدد عمليات العبور غير القانوني للحدود بنسبة ”99.999%“، فكان أقرب إلى الحقيقة. إذ تشير بيانات هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية إلى أنه تم توقيف 7181 مهاجرا غير شرعي أثناء عبور الحدود الجنوبية الغربية في مارس/آذار عام 2025، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 95% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2024 (*٤). في المقابل، فإن ما وعد به ترامب بـ ”أكبر حملة ترحيل“ في تاريخ الولايات المتحدة قد تعثر بسبب نقص في الموارد البشرية والمالية. وبحسب تحليل أعده الموقع الإلكتروني ”مركز الوصول إلى سجلات المعاملات (TRAC)“، فقد بلغ متوسط عدد حالات الترحيل اليومية التي نفذتها ”وكالة الهجرة والجمارك (ICE)“ بين 26 يناير/كانون الثاني و8 مارس/آذار من هذا العام 661 حالة، وهو رقم يقل عن المتوسط اليومي البالغ 742 حالة في عهد الرئيس جو بايدن (*٥).

صراع مع القضاء

يبدو أن إدارة ترامب، وقد ضاقت ذرعا بالوتيرة البطيئة لحملات الترحيل، قد وسعت حملة الملاحقة بشكل كبير، وبدأت تتعامل مع جميع المهاجرين غير النظاميين باعتبارهم مجرمين يخضعون للترحيل الفوري.

في الواقع، طالت حملة إدارة ترامب المناهضة للهجرة حتى الأجانب المقيمين في الولايات المتحدة بصفة قانونية. ففي مارس/آذار، ألقت السلطات القبض على كيلمار أبريغو غارسيا المقيم في ولاية ماريلاند، وتم ترحيله على الفور إلى سجن في بلده الأصلي السلفادور، بزعم – لا يستند إلى أدلة – بأنه عضو في عصابة ”إم إس 13“. صحيح أن أبريغو غارسيا دخل الولايات المتحدة بصورة غير قانونية في عام 2011 أو 2012 هربا من حرب العصابات، لكنه حصل في عام 2019 على أمر ”وقف ترحيل“ على أساس أنه سيواجه خطر الاضطهاد في حال عودته. وقد عاش بعد ذلك بصورة قانونية في ماريلاند مع زوجته الأمريكية وأطفالهما الثلاثة. وقد أقرت الإدارة لاحقا بأن ترحيله كان ”خطأ إداريا“، ووصلت قضيته إلى المحكمة العليا الأمريكية التي أمرت الحكومة ”بتسهيل“ الإفراج عنه في السلفادور. إلا أن الإدارة رفضت تنفيذ القرار بدعوى انتمائه لعصابة، دون تقديم أدلة كافية.

المكان الحالي لأبريغو غارسيا لا يزال مجهولا، لكن السجن الذي أُرسل إليه في البداية هو ”مركز احتجاز الإرهاب (CECOT)“، والذي يُعد سجنا ضخما سيء السمعة. وقد بُني هذا السجن في أواخر عام 2022 ضمن حملة أمنية واسعة شنها رئيس السلفادور نجيب بوكيلي ضد العصابات. وقد أشارت منظمات حقوق الإنسان إلى أن سجن CECOT يعاني من اكتظاظ شديد وظروف احتجاز لا إنسانية وتعذيب (*٦). ووفقا لوزارة الخارجية في السلفادور، فقد تعهدت إدارة ترامب بدفع 6 ملايين دولار أمريكي لحكومة السلفادور مقابل احتجاز 300 سجين في هذه المنشأة لمدة عام واحد. وعلى الرغم من أن المحكمة الجزئية الأمريكية في مقاطعة كولومبيا أصدرت حكما يمنع عمليات الترحيل، إلا أنه تم إرسال أكثر من 250 مهاجرا من أمريكا اللاتينية إلى هناك بالفعل.

أغلب المرحلين إلى سجن CECOT هم فنزويليون يُزعم انتماؤهم إلى عصابة ”ترين دي أراغوا“. وقد استند ترامب إلى ”قانون الأعداء الأجانب“ الصادر عام 1789 لتبرير الترحيل الجماعي لهؤلاء الأشخاص من دون اتباع الإجراءات القانونية اللازمة. والقانون يمنح الرؤساء سلطة في زمن الحرب تسمح باحتجاز أو ترحيل رعايا دول أعلنت الحرب على الولايات المتحدة أو غزوها. واستخدم هذا القانون بشكل سيء السمعة إبان الحرب العالمية الثانية لتبرير الاحتجاز الجماعي لأمريكيين من أصول يابانية. في 1 مايو/أيار من هذا العام، أوقفت محكمة فيدرالية في جنوب تكساس ترحيل المزيد من الفنزويليين بموجب قانون أعداء الأجانب في تلك الدائرة القضائية، معتبرة أن الظروف لا تستوفِ شرط ”الغزو“ وبالتالي فإن الترحيلات غير قانونية. وصدر القرار عن القاضي الفيدرالي فرناندو رودريغيز الابن، المعين من قبل ترامب. وتعتزم الإدارة الطعن في الحكم.

تصاعد الهجوم على القضاة

لا يكتفي ترامب بتجاهل قرارات المحاكم، بل يشن هجمات علنية على السلطة القضائية. فبعد أن أصدر القاضي جيمس بواسبيرغ رئيس المحكمة الجزئية الأمريكية لمقاطعة كولومبيا، أمرا في 15 مارس/آذار يقضي بوقف ترحيل المهاجرين الفنزويليين إلى السلفادور، لجأ ترامب إلى منصته الخاصة للتواصل الاجتماعي ”تروث سوشيال“ للمطالبة بعزل بواسبيرغ واصفا إياه بأنه ”قاض متطرف من اليسار الراديكالي، مثير للمتاعب ومحرض، عينه للأسف [الرئيس] باراك حسين أوباما“. ثم عاد ليؤكد مطلب العزل في مقابلة مع لورا إنغراهام على قناة فوكس نيوز بتاريخ 18 مارس/آذار، قائلا ”لدينا قضاة سيئون للغاية. هؤلاء قضاة لا يجب السماح لهؤلاء القضاة بالعمل. أعتقد أنه في مرحلة ما، لا بد من التساؤل: ماذا تفعل عندما تواجه قاضيا مارقا؟“ (*٧).

وقد دفعت هذه الهجمات المتصاعدة على القضاء الفيدرالي رئيس المحكمة العليا الأمريكية القاضي جون روبرتس، إلى إصدار انتقاد علني نادر. ففي 18 مارس/آذار، نشر روبرتس بيانا قال فيه ”لأكثر من قرنين، ثبت أن العزل ليس ردا مناسبا على الخلاف حول قرار قضائي. هناك عملية مراجعة استئناف اعتيادية مخصصة لهذا الغرض“ (*٨).

ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف الهجمات بل تصاعدت. ففي 25 أبريل/نيسان، أعلن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل عن اعتقال القاضية هانا دوغان، من محكمة الدائرة في ميلووكي بولاية ويسكونسن، بتهم تتعلق بعرقلة عمل موظفي الهجرة والتستر على شخص لمنع اعتقاله. وقد وقعت الحادثة في 18 أبريل/نيسان، حين دخل عناصر وكالة الهجرة والجمارك إلى محكمة مقاطعة ميلووكي لاعتقال إدواردو فلوريس-رويز، وهو مواطن مكسيكي كان يحضر جلسة استماع بتهم اعتداء جسدي. ويُقال إن القاضية دوغان ساعدته على الهروب من باب خلفي لتفادي الاعتقال.

وتعد مسألة احتجاز المهاجرين في المحاكم محل جدل كبير، إذ من شأنها أن تثنيهم عن الحضور إلى جلساتهم القضائية أو المثول أمام المحاكم. كما أن اعتقال قاضٍ أثناء توليه مهامه يعد أمرا نادرا للغاية. وفي تصريح عبر قناة فوكس نيوز، أصدرت المدعية العامة بام بوندي تحذيرا قالت فيه ”إذا كنت تؤوي هاربا، فسوف نلاحقك وسنقدمك للمحاكمة. سنعثر عليك“ (*٩)).

في غضون ذلك، يتعرض القضاة الفيدراليون الذين أصدروا أحكاما ضد الإدارة، ومن بينهم بواسبيرغ وقاضية المحكمة العليا إيمي كوني باريت، لحملات تهديد ومضايقات تستهدفهم وأفراد أسرهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي (*١٠). واستُخدمت شبكة الإنترنت كأداة في تأجيج هذه الحملات ضد هؤلاء القضاة ونشر صور عائلاتهم، ولا سيما من قبل شخصيات مثل إيلون ماسك مالك منصة X (تويتر)، واليمينية المتطرفة لورا لومر التي أثرت آراؤها المتطرفة في اختيارات ترامب لبعض المناصب. ثم حشد أنصارهم على الإنترنت جهودهم للهجوم وهددوا سلامة القضاة وعائلاتهم.

الدفاع عن مبدأ فصل السلطات

إحدى الركائز الأساسية للدستور الأمريكي هي مبدأ فصل السلطات. الفكرة تقوم على منع الاستبداد من خلال توزيع صلاحيات الحكم على ثلاث سلطات مستقلة: التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث تُوازن وتضبط بعضها الآخر. وتمتلك المحاكم الفيدرالية صلاحية مراجعة القرارات الصادرة عن الرئيس والقوانين التي يسنها الكونغرس، ويمكنها إبطال ما يتعارض منها مع الدستور أو مع القانون المعتمد.

لكن في أمريكا ترامب، انكشفت حدود السلطة القضائية على حقيقتها. وإذا أصرّ البيت الأبيض على تحدي قرارات القضاء، فما الذي تستطيع المحاكم فعله؟ لا تملك المحاكم سوى الاعتماد على الحرس الفيدرالي لتنفيذ أحكامها، وهؤلاء يتبعون لوزارة العدل التي ترأسها بام بوندي الموالية بشدة لترامب.

هاجم ترامب في تجمعه الجماهيري بمناسبة مرور 100 يوم على رئاسته ”قضاة اليسار الراديكالي الشيوعي“، متهما إياهم بالتعاون مع ”الديمقراطيين اليساريين الراديكاليين“ لتعطيل خطة الترحيل الجماعي التي ينفذها. وقال ”هم يهرعون إلى المحاكم لمساعدتهم، لكن هذا ليس ما يريده الشعب. هذا ليس ما صوتوا لأجله بأعداد قياسية. لقد فزت بالانتخابات“، ثم أعلن متحديا ”لا شيء سيوقفني“ (*١١).

يبدو أن هذه الإشكالية كانت متوقعة في مجموعة مقالات ”الأوراق الفيدرالية“ التي كتبها ألكسندر هاملتون وجيمس ماديسون وجون جاي عام 1788 لتفسير الدستور والدعوة لإقراره. فقد وصف ألكسندر هاملتون في الورقة رقم 78 أن المحاكم هي الحامي الأخير للدستور، لكن القضاء ضعيف بطبيعته. ففي حين أن السلطة التنفيذية ”تمسك بالسيف“، والتشريعية ”تسيطر على المحفظة“، فإن القضاء ”لا يملك قوة ولا إرادة، بل مجرد الحكم، ويعتمد في النهاية على السلطة التنفيذية لتطبيق أحكامه“. وبسبب هذا الضعف المتأصل في طبيعة القضاء، شدد هاملتون على ضرورة أن يتمتع القضاة باستقلال تام، وألا يكونوا خاضعين للإزالة المتعمدة من الكونغرس أو الرئيس.

تحدى ترامب السلطة القضائية بصفاقة، مدّعيا أن سياساته تعكس إرادة الشعب كما تجلت في انتخابات عام 2024. والطريقة الوحيدة لردعه هي أن يعبّر الناس بوضوح عن تمسكهم بسيادة القانون. ففي استطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث في أبريل/نيسان، قال نحو 80% من المشاركين إنه إذا قضت محكمة فيدرالية بعدم قانونية إجراء اتخذته إدارة ترامب، فعلى الإدارة الالتزام بالحكم ووقف الإجراء. وقال ما يقرب من 90% إن على الإدارة التقيد بقرارات المحكمة العليا (*١٢).

وبالإضافة إلى الهجوم الشرس على القضاء، اتخذ ترامب خطوات لمعاقبة المحامين ومكاتب المحاماة التي ساهمت في التحقيق معه أو في ملاحقته قضائيا، ما زاد من الشعور العام بالأزمة. وفي 1 مايو/أيار الذي يوافق يوم القانون في الولايات المتحدة، أجرت نقابات المحامين ومختصون قانونيون مظاهرات وتجمعات في مختلف مدن البلاد، متعهدين بالدفاع عن سيادة القانون.

انتهت الفترة التقليدية المعروفة بـ ”شهر العسل“ التي تشمل أول 100 يوم في منصب الرئاسة، وبدأت الأنظار تتجه نحو انتخابات التجديد النصفي في عام 2026. وبالإضافة إلى الملفات الاقتصادية والاجتماعية المعتادة، سيكون على الناخبين هذه المرة أن يفكروا بجدية في حدود السلطة الرئاسية وسيادة القانون.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في 12 مايو/أيار عام 2025. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: متظاهرون يحتجون ضد ”النظام الفاشي“ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في العاصمة واشنطن بتاريخ 28 أبريل/نيسان عام 2025. © أ ف ب/جيجي برس)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | عهد ترامب واستقلال القضاء... معركة صامتة أم زلزال دستوري؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

قد تقرأ أيضا