في الشمال الياباني البارد، حيث تلتقي نسائم البحر بجبال هوكايدو الهادئة، تلمع بلدة يويتشي كجوهرة جديدة في عالم صناعة النبيذ. فعلى الرغم من بعدها عن مزارع أوروبا العريقة، بدأت هذه البلدة الريفية تحصد اهتمامًا عالميًا بفضل نبيذ بينو نوار (Pinot Noir) الفاخر الذي تنتجه. ومع تصاعد طموحاتها، لم تكتفِ يويتشي بزراعة الكروم وصنع النبيذ فقط، بل دخلت في شراكة استراتيجية مع كبار منتجي النبيذ في منطقة بورغوندي الفرنسية — مهد بينو نوار — لتؤكد أنها ليست مجرد طموح عابر، بل وجهة واعدة تنافس على الريادة في صناعة النبيذ الرفيع.
يويتشي تكتب فصلًا جديدًا في صناعة النبيذ: من بلدة مغمورة في هوكايدو إلى اكتساح السوق العالمية
هل يمكنك تحديد ما إذا كان هذا النبيذ الذي لا يحمل أي علامة، إن كان أتياً من بورغوندي أم من هوكايدو؟
تم طرح هذا السؤال خلال فعالية أقيمت في 8 فبراير/شباط في قرية جيفري شامبيرتان، قلب منطقة بورغوندي الشهيرة. وقد أثار هذا السؤال فضول الحضور وخلق جواً من النقاش.
تأتي هذه الفعالية ضمن ندوة تحت عنوان ”رؤى مشتركة حول نبيذ فرنسا واليابان“، التي افتُتحت بتوقيع اتفاق صداقة بين كريستوف لوكان رئيس بلدية جيفري شامبيرتان، ونظيره سايتو كيسكي رئيس بلدية يويتشي في هوكايدو. واعتُبرت هذه الخطوة بداية لشراكة استراتيجية بين المدينتين في مجال صناعة النبيذ.
تهدف ”اتفاقية النبيذ“ التي تم توقيعها بين جيفري شامبيرتان ويويتشي إلى تعزيز التعاون وتبادل الخبرات في مجال إنتاج النبيذ بهدف دفع عجلة التنمية في المنطقتين. كما تشتمل هذه الاتفاقية بنداً للتعاون بين جامعة بورغوندي وجامعة هوكايدو، لوجود معاهد متخصصة في أبحاث النبيذ في كلتا الجامعتين. وقد وُصف هذا الاتفاق بين منطقة نبيذ يابانية غير معروفة وقوة عالمية في صناعة النبيذ بأنه ”إنجاز يعادل لاعبًا في دوري الصغار يلعب بجانب أوهتاني شوهي“.
رئيس بلدية يويتشي في هوكايدو، سايتو كيسكي (يمين)، ورئيس بلدية جيفري شامبيرتان، كريستوف لوكان، خلال توقيع “اتفاقية النبيذ” في 8 فبراير/شباط 2025. (© أوكيتا ياسويكي)
قد لا يكون الكثيرون على دراية بأن بعض النبيذ الياباني قد حصل بالفعل على تقييمات عالية على الصعيد الدولي. حيث شهدت صناعة النبيذ المحلي حقبة جديدة في فبراير/شباط 2020، عندما أدرج مطعم نوما الدانماركي الشهير(الذي تم تتويجه مرارًا كأفضل مطعم في العالم) نبيذ ”نانا-تسو-موري بينو نوار 2017“(Nana-Tsu-Mori Pinot Noir) من مصنع ”دومين تاكاهيكو سوجا“ الواقع بيوتشي ضمن قائمة مطعمه للنبيذ.
ومن العوامل الرئيسية التي ساهمت في هذا التحول هو الاتجاه العالمي نحو الأطعمة الصحية والخفيفة، بالإضافة إلى الاهتمام المتزايد بالثقافة اليابانية بشكل عام بما في ذلك المطبخ الياباني. وفي تقييمه لنبيذ Nana-Tsu-Mori، وصف كبير السقاة في مطعم نُوما، ”آفا ميس ليست“ النبيذ بأنه يتميز بنكهات عشبية خفيفة وطعمه الناعم”، مضيفًا أنه “ترك انطباعًا مميزاً كتعبيير ياباني عن صنف بينو نوار”.
أسس تاكيهيكو سوغا مصنعه للنبيذ في يويتشي عام 2010، وأصبح اليوم من الشخصيات الرائدة في صناعة النبيذ الإقليمية. (© أوكيتا ياسويكي)
ما الذي تراه بورغوني في يويتشي؟
تولى سايتو منصب رئاسة بلدية يويتشي في عام 2018، واستخدم النبيذ كأداة لإحياء المدينة التي تعاني من انخفاض في عدد السكان. وقد بدأت البلدة بتقديم دعم مالي للمزارعين الذين يقررون تحويل أراضيهم لزراعة العنب لصناعة النبيذ، وكذلك دعماً لشراء معدات التخمير. كما كان لسايتو دوراً فعالاً في تأسيس اختيار مطعم نُوما الشهير للنبيذ الياباني المحلي.
وفي هذا السياق يقول سايتو: ”يمكننا جذب الناس والمستثمرين إلى البلدة إذا توفرت لدينا قاعدة قوية وعناصر جذب مميزة، ويُعدّ النبيذ أحد هذه العناصر الواعدة.“ ويضيف: ”تُعدّ منطقة بورغوني نموذجًا جيدًا يُحتذى به، فهي تشبه يويتشي من حيث انخفاض الكثافة السكانية، ورغم ذلك نجحت في استقطاب الثروات والمهتمين من مختلف أنحاء العالم.“
وتجدر الإشارة إلى أنه وفقًا لإحصاءات يناير/كانون الثاني 2025، بلغ عدد سكان يويتشي 16,941 نسمة. في حين يُقدّر عدد سكان مدينة بون، مركز صناعة النبيذ في منطقة بورغوني، بنحو 20,233 نسمة وفقًا لإحصاءات عام 2022.
وقد قضى سايتو عامين في مساعٍ حثيثة لإبرام اتفاقية تتعلق بصناعة النبيذ. وفي عام 2023 زار جان إيف بيزوت، مالك مصنع دومين بيزو الشهير في بورغوني، جزيرة هوكايدو. وقد انتهز سايتو هذه الفرصة ليعرض عليه إمكانيات نبيذ يويتشي، واستطاع في نهاية المطاف إقناعه بلعب دور حلقة الوصل بين البلدة وفرنسا. وبهذا، يمكن القول إن سايتو مارس شكلاً من أشكال ”الدبلوماسية النبيذية“، وتمكن من بناء هذه الشراكة دون أن تطأ قدماه أرض بورغوني قط.
لم يكن من السهل إبرام هذه الشراكة بين بلدة مشهورة عالمياً مثل جيفري شامبرتان ومنطقة نبيذ ناشئة وغير معروفة مثل يويتشي. ولا شك أن هذه الشراكة ستعود بنفع كبير على يويتشي، التي لا تمتلك سوى عدداً قليلا من الأشخاص ذوي الخبرة في زراعة العنب والتخمير. هذه الرؤية تدفعنا للتساؤل عما ستقدمه يويتشي بالقابل لبورغوندي؟
يرى سايتو، عرّاب هذه الشراكة، أن يويتشي تمتلك المقومات لتصبح ”أوريغون الثانية“، في إشارة إلى التجربة الناجحة لولاية أوريغون الأميركية في النهوض بصناعة النبيذ. ففي عام 1987، استضافت أوريغون نخبة من كبار صانعي النبيذ في بورغوني، وهي خطوة كانت نقطة تحول محورية ساهمت في ترسيخ مكانتها كواحدة من أبرز مناطق إنتاج النبيذ في العالم. واليوم، يُعدّ مهرجان بينو نوار Pinot Noir السنوي الذي تستضيفه أوريغون من أبرز الفعاليات العالمية لعشاق النبيذ.
ونظرًا لكون الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنبيذ في العالم، فقد رأى الفرنسيون في شراكتهم مع أوريغون آنذاك فرصة استراتيجية لتعزيز مكانة نبيذ بورغوني وتوسيع انتشاره في السوق الأميركية. واليوم، يأمل سايتو في أن تحقق يويتشي نجاحًا مماثلًا، معتبرًا أن هذه الشراكة لا تصب في مصلحة يويتشي فحسب، بل قد تتيح أيضًا لبورغوني نافذة جديدة نحو السوق الآسيوية المتنامية.
“اجتماع ممثلو وسائل الإعلام المحلية، والمنتجون، وعشاق النبيذ من اليابان وفرنسا في الندوة الدولية للنبيذ التي استضافتها منطقة جيفري-شامبرتان”. (© أوكيتا ياسويوكي)
لقد حرص سايتو خلال مفاوضاته، على مناشدة نظراءه الاعتراف بالإمكانات الكامنة التي تنطوي عليها يويتشي، ودعاهم إلى دعم منتجي النبيذ المحليين وتوجيههم. وقال في هذا الصدد: ”طلبت أن نعمل معًا على إنتاج نبيذ بينو نوار pinot noir عالي الجودة في مناخ هوكايدو البارد“.
يُعد نبيذ بينو نوار pinot noir أشهر أصناف النبيذ الأحمر في منطقة بورغوني، غير أن التغير المناخي العالمي بات يشكّل تهديدًا متزايدًا لمستقبل مناطق إنتاج النبيذ. وحتى بورغوني نفسها التي اشتهرت تقليديًا بمناخها البارد، لم تسلم من هذه التحديات. إذ شهدت في السنوات الأخيرة ظواهر مقلقة، مثل ذبول الكروم بسبب موجات الحر، أو نضوج الثمار في وقت مبكر قبل أن تكتمل فيها المركبات الفينولية الأساسية التي تمنح النبيذ نكهته المميزة.
من ناحية أخرى، شهدت منطقة يويتشي ارتفاعًا في درجات الحرارة خلال موسم النمو، ليصل إلى
مستويات مماثلة لتلك التي كانت تتمتع بها بورغوني في الماضي. كما شهدت المنطقة تحولًا ملحوظًا، حيث كان فيها مصنعان للنبيذ فقط قبل 15 عامًا، بينما أصبحت اليوم تضم 19 مصنعًا. وتُعد هذه النقلة تأكيدًا على قوة المنطقة الزراعية، إذ حققت يويتشي نجاحًا كبيرًا في زراعة الفواكه مثل التفاح، وهي الآن تُنتج نصف كمية عنب النبيذ المزروعة في هوكايدو.
أشهر مصانع النبيذ العالمية تحط الرحال بهوكايدو للاستثمار
من بين المتحدثين البارزين في الندوة كان إتيان دو مونتيل، رئيس ”دومين دو مونتيل“، المصنع الفرنسي العريق الذي يعود تاريخه إلى 300 عام في منطقة فولناي ببورغوني. في إطار سعيه للعثور على مناطق جديدة لزراعة العنب لمواجهة تحديات التغير المناخي، زار هوكايدو لاستكشاف أوجه التشابه بين مناخها ومناخ بورغوني. وفي عام 2017، أطلق مشروع ”دو مونتيل وهوكايدو“، الذي يهدف إلى التوسع إلى مدينة هاكوداتي في هوكايدو.
عندما زار دو مونتيل اليابان لأول مرة عام 2015 للدراسة، أُعجب بشدة بتفاني منتجي النبيذ اليابانيين. ورغم أن الصيف الياباني الحار والرطب يُعتبر بيئة غير مثالية لزراعة العنب، إلا أن المنتجين المحليين يواصلون تحدي الطبيعة لضمان كروم عنب سليمة ومعدات تخمير عالية الجودة. وقد أثار هذا الإصرار إعجاب دو مونتيل، حيث علق قائلاً: ”شعرت أن هذه بيئة مثالية للاستثمار، وأنها المكان الأمثل لإطلاق عنان روح المغامرة الموجودة بداخلي.“
كما شهدت الندوة أيضًا ورشة عمل مميزة قدمها خبيرا النبيذ تاكاماتسو تورو وهو سوملييه رئيسي (أي خبير نبيذ عالمي) وستيف تشارترز وهو ماستر أوف واين، حيث تم خلالها مقارنة نبيذ بورغوني بنظيره الياباني. ومن الجدير بالذكر أن تاكاماتسو يعد عضوًا داعمًا في منظمة محلية تسعى لاستخدام صناعة النبيذ لإحياء منطقة يويتشي، وقد تلقى تدريبه في مصنع ”دومين تاكاهيكو سوجا“ حتى ربيع هذا العام.
”تاكاماتسو تورو يشرح خصائص النبيذ الياباني خلال ورشة العمل المتقدمة، مع عرض لقائمة الأنواع التي تم تذوقها خلال الجلسة. (© يوكيتا ياسويوكي)“
نبيذ بينو نوار “نانا-تسو-موري” من دومين تاكاهيكو سوغا (يسار)، الذي أطلق صعود النبيذ الياباني المفاجئ على الساحة الدولية؛ و“شامبرتين-كلو دو بيز” جراند كرو المقدم لورشة العمل من قبل مصنع النبيذ المؤثر دومين درويان-لاروز في جيفري شامبرتان. (© يوكيتا ياسويوكي)
بعد تقديم ثلاثة أنواع من النبيذ الأحمر من كل من اليابان وبورغوني، اختتم قادة الورشة الفعالية بتقديم كأس سابع، وطلبوا من المشاركين تخمين المنطقة التي تم إنتاجه فيها. كان للنبيذ رائحة عميقة تمزج بين الفواكه الحمراء والنكهات العشبية، بالإضافة إلى تمتعه بنكهة منعشة وعصيرية. وقد انقسم الحضور إلى نصفين، حيث اعتقد نصفهم أنه من بورغوني، بينما قال النصف الآخر إنه من هوكايدو.
“إتيان دو مونتيل يقدم شرحاً عن مشروع ’سوربرايز 2019‘ المشترك بين دار مونتيل ومنطقة هوكايدو. (© يوكيتا ياسويوكي)”
وكانت المفاجأة التي قُدّمت للجمهور المتحمّس أن النبيذ يعود إلى مشروع عام 2019 المشترك بين دومين دو مونتيل وهوكايدو. ومن اللافت أن المصنع في ذلك العام لم يكن قد بدأ بعد بزراعة كرومه الخاصة، كما أن منشآته لم تكن قد اكتملت بعد. لذا، استُخدم عنب من مزارع كيمورا المرموقة في يويتشي، وتولّت منشأة 10R للنبيذ في منطقة سوراتشي عملية التخمير. وقد شكّل هذا الإنجاز لحظة فارقة سلطت الضوء على الإمكانات الواعدة للنبيذ الياباني عموماً، ولنبيذ هوكايدو على وجه الخصوص.
النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي: عرائش العنب تغطي سفوح التلال المحيطة ببلدة يويتشي، ويظهر في الأفق رأس شيرِيبا، الرمز الجغرافي للبلدة.© يوكيتا ياسويوكي)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | شراكة يابانية-فرنسية في عالم النبيذ: يويتشي وبورغوندي تتحدان لتطوير الصناعة لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.