في أولى خطواته نحو عالم الإخراج السينمائي، يقدّم المنتج التلفزيوني ياماموتو كازوهيرو فيلمًا وثائقيًا إنسانيًا ينبض بالحياة والأمل، يروي فيه قصة إيشي تيتسويو، سيدة يابانية تبلغ من العمر 104 أعوام تعيش وحدها منذ وفاة زوجها قبل عقدين. من خلال مشاهد يومية دافئة ومليئة بالحنين، يكشف الفيلم عن قوتها الهادئة وعلاقاتها الحميمة مع من حولها، ليقدّم للجمهور نموذجًا حيًا عن الاستقلال والبهجة في عمر متقدّم، ورسالة ملهمة عن معنى أن تعيش الحياة بكرامة وامتنان.
تجنب أن يصبح المرء عبئًا
تضاعف عدد المعمرين في اليابان أربع مرات خلال العقدين الماضيين، ليصل إلى أكثر من 95 ألف شخص خلال عام 2024. وفي ظل هذا التحوّل الديموغرافي اللافت، بات من المعقول أن يتوقع الإنسان العادي أن يعيش حتى سن المئة. غير أن هذا الاحتمال، الذي يفترض أن يكون باعثًا على الفرح، يثير مشاعر متباينة داخل المجتمع الياباني. فالكثيرون يواجهون صعوبة في استقبال هذا المستقبل بتفاؤل.
في استطلاع أجراه مركز أبحاث تابع لشركة العلاقات العامة ”هاكوهودو“، المعني بإعادة تصميم أنماط الحياة والبُنى الاجتماعية في عصر طول العمر، شملت الدراسة ست دول وسألت المشاركين عمّا إذا كانوا يرغبون في بلوغ المئة من العمر. جاءت إجابة اليابانيين الأدنى بين الدول الست: 27.5% فقط أعربوا عن رغبتهم في العيش لهذا العمر. وكان السبب الأكثر شيوعًا هو الخوف من أن يصبحوا عبئًا على من حولهم.
ومع ذلك، هناك من يتحدى هذه النظرة القلقة. إيشي تيتسويو، أحد هؤلاء الذين يعتنقون فلسفة مختلفة، يرى أن طول العمر لا يعني بالضرورة إزعاج الأهل أو الأصدقاء. بل يعتقد أن حياة مديدة يمكن أن تكون مصدر إلهام وفرصة جديدة للعطاء، متى ما وُجِدت الإرادة والقدرة على المشاركة الفاعلة في المجتمع.
تيتسويو تحتفل بعيد ميلادها الـ 104 في 29 أبريل/نيسان 2024. حيث بلغت 105 عاما بعد إصدار الفيلم. (© لجنة إنتاج 104-هيتوري)
وُلدت إيشي تيتسويو في مدينة أونوميتشي بمحافظة هيروشيما عام 1920، وعاشت حياة حافلة بالعطاء والخدمة المجتمعية. عملت معلمة في المرحلة الابتدائية لمدة 36 عامًا، غرست خلالها القيم والمعرفة في نفوس أجيال من التلاميذ، قبل أن تواصل مسيرتها في خدمة الآخرين كمفوّضة للرعاية الاجتماعية في مجتمعها المحلي.
تزوجت في السادسة والعشرين من عمرها، وظلت بجانب زوجها حتى وفاته عن عمر يناهز 83 عامًا. ومنذ ذلك الحين، عاشت تيتسويو بمفردها، مستمتعة بحياة هادئة تحفّها الطبيعة الخلابة التي تُميّز أونوميتشي، وتحيط بها شبكة من الأقارب والجيران الذين يقدمون لها الدعم والمودة.
تحوّلت تيتسويو إلى شخصية محلية محبوبة بعد أن نشرت صحيفة تشوغوكو شيمبون الإقليمية سلسلة مقالات تناولت جوانب من حياتها اليومية وفلسفتها في العيش. وقد جُمعت هذه المقالات في كتابين لاقيا رواجًا كبيرًا، حيث تجاوزت مبيعاتهما مجتمعة 210,000 نسخة، ما جعلها رمزًا يُحتذى به في كيفية عيش حياة مديدة بكرامة ونشاط.
كما بثّت محطة RCC Broadcasting التلفزيونية المحلية سلسلة حلقات وثّقت حياتها اليومية، وقد تم لاحقًا تحويل هذه اللقطات إلى فيلم وثائقي يلقي الضوء على تجربتها الإنسانية الفريدة، ويعكس قدرتها على إلهام الآخرين، حتى في سنواتها المتقدمة. الأسلوب الناعم في التصوير الوثائقي
أسلوب تصوير لطيف
يبدأ مخرج الفيلم الوثائقي، ياماموتو كازوهيرو، ومخرج المسلسل التلفزيوني أيضًا، الفيلم بعودة تيتسويو إلى المنزل بعد فترة طويلة من العلاج في المستشفى. وبالنظر إلى تلك الفترة، يُشير إلى أن المشهد الافتتاحي كان أول لقاء له مع تيتسويو. ويروي قائلًا: ”اضطررتُ في البداية للذهاب وحدي والتصوير بهاتف آيفون، إذ لم تكن هناك سوى فرصة واحدة لالتقاط صور لها وهي تغادر المستشفى. لم يكن هناك وقت كافٍ للقاء تحضيري قبل التصوير، لكن لقاء تيتسويو كان مألوفًا، أشبه بلقاء جار مُسنّ“.
جاء الأقارب والجيران لاستقبال تيتسويو عند عودتها إلى المنزل من المستشفى. (© لجنة إنتاج 104-هتوري)
يقول ياماموتو إن المشهد عند عرضه لأول مرة أثار تفاعلًا هائلًا من الجمهور، ما دفع قناة RCC إلى اتخاذ قرار سريع بمواصلة إنتاج السلسلة. ويضيف: ”استمتعتُ كثيرًا بالعمل في موقع التصوير، وكان شغفي بمراقبة تيتسويو ومرافقة تفاصيل حياتها اليومية أحد أبرز دوافعي للاستمرار“.
اعتمدت القناة نهجًا هادئًا ومتواضعًا في سرد القصة، حيث كانت تبث حلقات قصيرة على فترات متباعدة، كل شهرين أو ثلاثة، مركّزة على اللحظات الموسمية التي تُضفي طابعًا حميميًا على السلسلة، مثل عيد ميلاد تيتسويو، أو نزهاتها لمشاهدة تفتّح أزهار الكرز. كانت هذه المناسبات تشكّل نافذة على عالمها الداخلي، وتعبّر عن علاقتها بالزمن، والتقدّم في السن، والاحتفاء بالحياة في أبسط صورها.
تيتسويو تزور قبر عائلتها. (© 104- لجنة إنتاج هيتوري)
يوضح ياماموتو أنه نظرًا لتقدّم تيتسويو في السن، اضطر فريق العمل إلى اعتماد أسلوب مختلف في التصوير. يقول: ”حاولنا إبقاء جلسات التصوير قصيرة لتجنّب إرهاقها، لكنّ قصصها كانت آسرة إلى حد جعل كل جلسة تطول من تلقاء نفسها، حتى إن بعضها استمر لثلاث أو أربع ساعات. كنتُ أظن أننا التقطنا ما يكفي من اللقطات، فنعلن انتهاء العمل، لكن في داخلي، كنتُ أرغب فقط في البقاء ومواصلة الاستماع“.
المخرج ياماموتو كازوهيرو.(© Nippon.com)
بصفته منتجًا مخضرمًا، يُركز ياماموتو على فن الإنصات عند إنتاج فيلم وثائقي. يقول: ”أحاول الحفاظ على مسافة مثالية بيني وبين موضوعي حتى لا أبدو وكأنني أقوده، وهو أمرٌ واضحٌ فورًا. يجب أن يكون هناك بعض التوتر في التفاعلات“. بالنسبة للفيلم الوثائقي عن تيتسويو، رأى أنه من الضروري إظهارها هي ومن حولها وهم يستمتعون. ”مع ذلك، لم يكن من المناسب أيضًا جعله خفيف الظل، لذلك ركّزنا كل حلقة على فكرة العيش حتى سن المئة. على سبيل المثال، في شهر أغسطس، كنا نطلب منها أن تُشاركنا تجربتها في الحرب“.
تيتسويو تقطع البصل الأخضر بسكين قديم. (© 104- لجنة إنتاج هيتوري)
تم تسجيل العديد من ملاحظات تيتسويو الأكثر عمقًا خلال محادثات غير رسمية، التُقطت خارج الجلسات المجدولة، حيث رافق الطاقم روتينها اليومي البسيط — من تحضير الشاي وتقشير الكمثرى، إلى إعداد حساء الميسو. هذه اللحظات العفوية أضفت على الفيلم طابعًا حميميًا قويًا، وجعلت من تيتسويو أكثر من مجرد موضوع للتصوير؛ بل شخصية حية تنبض بالتفاصيل الصغيرة التي تشكّل نسيج الحياة اليومية.
من الأخبار المميزة إلى شاشة السينما
من بين المشاهد التي حرص ياماموتو على تصويرها مشهد زيارة تيتسويو لشقيقتها الصغرى مومويو — الشقيقة الوحيدة المتبقية على قيد الحياة، والتي أصبحت طريحة الفراش منذ إصابتها بسكتة دماغية قبل نحو عقد. تقيم مومويو في دار رعاية قريبة من منزلها في كوبي، وعندما تتحدث تيتسويو عنها — وهي تصغرها بسبع سنوات — تختلط الدموع بوجهها الذي اعتاد الابتسام.
يقول ياماموتو: ”طلبت يايوي، ابنة أخت تيتسويو، منا توثيق هذه الزيارة، لأنه لا أحد يعرف متى قد تكون الأخيرة.“ لكن بسبب القيود التي فرضتها الجائحة، تعذّر اصطحاب فريق تصوير كامل، فذهب ياماموتو بنفسه لتسجيل المشهد.
ورغم الحاجز البلاستيكي الذي فُرض لحماية مومويو، تحدثت تيتسويو معها بلطف بالغ، وهي في الثانية بعد المئة من عمرها. كانت لحظة عاطفية عميقة وسط حياة تيتسويو اليومية الهادئة، لحظة دفعت ياماموتو وآخرين في فريق العمل للتفكير جدّيًا في تحويل المشروع إلى فيلم وثائقي يُعرض في دور السينما.
يقول: ”منذ تلك اللحظة، شعرت أن قصة تيتسويو تجاوزت حدود سلسلة تلفزيونية ذات اهتمام عام، وأصبحت رواية إنسانية تستحق أن تُعرض على الشاشة الكبيرة“.
تيتسويو وهي تنزل المنحدر الحاد من منزلها بالمشي إلى الخلف لتجنب السقوط. (© 104- لجنة إنتاج هيتوري)
صوّر ياماموتو عددًا لا يُحصى من الشخصيات على مدار مسيرته، لكنه يعترف بأن العثور على شخصية آسرة مثل تيتسويو يُعد أمرًا نادر الحدوث. وبمقارنتها بعازفة البيانو العالمية إنغريد فوزكو هيمينغ — إحدى الشخصيات المؤثرة التي سبق له تصويرها — يقول ياماموتو إن لتتسيويو الهالة ذاتها. ويضيف: ”كان الشعور وكأنني في حضرة خبيرة في الحياة، شخص يختزن في ملامحه عقودًا من الحكمة والسكينة. أردتُ توثيق كل لحظة، حتى تلك البسيطة التي كانت فيها تزيل الأعشاب الضارة من حديقة منزلها“.
تتسويو تغني أغنية تخرج للطلاب السابقين. (© لجنة إنتاج 104-هيتوري).
سرّ العمر الطويل
في إخراجه للفيلم الوثائقي، سعى ياماموتو إلى تقديم تيتسويو بصورة تتجاوز كونها مجرد امرأة مسنة محبوبة، كاشفًا عن الأعماق التي تقف وراء ابتسامتها الدافئة. يقول: ”هذا الفيلم يقدّم تفسيرًا لسبب تمسك تيتسويو، التي لم تنجب أطفالًا، بحياتها المنفردة حتى اليوم“. ويضيف: ”لا أعتقد أن الأمر يتعلق بمجرد تقليد قديم لحماية منزل الأجداد، بل برغبة صادقة منها في البقاء في المنزل الذي تقاسمته لسنوات مع زوجها، الذي أحبته حبًا عميقًا. وهذا ما يدركه أقاربها ويدعمونه“.
لا تزال تيتسويو تعيش في منزلها القديم، تستفيد من زيارات دورية للرعاية التمريضية قصيرة الأمد. وعلى الرغم من حاجتها المتزايدة للدعم في تفاصيل حياتها اليومية، إلا أنها تملك قدرة نادرة على جذب من حولها للمساعدة — بلباقة وبساطة تجعلهم يشعرون وكأنهم يؤدون واجبًا مفعمًا بالمحبة.
تتسويو تتجاهل قلق المحيطين بها بشأن مشكلة في ساقها، قائلة إنها ليست شيئًا يستدعي القلق. (© لجنة إنتاج 104-هيتوري)
يقول ياماموتو: ”تُكرر تيتسويو دومًا أنها عبء على الآخرين، لكنها لا تُشير أبدًا إلى إعاقتها الجسدية. هي تركز على ما تستطيع فعله، لا على ما لم يعد ممكنًا. تقبل المساعدة من الآخرين بروح منفتحة، وهذا بحد ذاته درس عميق. ربما كان الانتقال إلى مركز رعاية أسهل من الناحية العملية، لكني أؤمن بأن حالتها الصحية ستتدهور في بيئة كهذه. حتى عند دخولها المستشفى، فإن رغبتها القوية في العودة إلى منزلها هي ما يُبقيها على قيد الحياة. أعتقد أن العيش بمفردها في ذلك المنزل المحفوف بالذكريات هو سرّ طول عمرها“.
المشاهد التي يصوّرها الفيلم ستجد صدىً عاطفيًا لدى الجمهور، لا سيّما في اليابان، حيث أصبحت الشيخوخة موضوعًا يوميًا وملحًّا في النقاش العام. لكن في حين أن العدسة تُسلط الضوء على تيتسويو، فإن مَن يقفون إلى جانبها — الأقارب، الجيران، والممرضات — هم أيضًا جزء لا يتجزأ من القصة.
تلخّص ابنة أخت تيتسويو سرّ العيش الطويل لعمتها بجملة بسيطة، بحسب ياماموتو: ”العيش من أجل الآخرين هو ما يُبقيها قوية.“ وتضيف أن العطاء لا يمنح القوة للمتلقّي فحسب، بل يمنح المعطي طاقة مضاعفة. وهذا ما يتجلى بوضوح في حياة تيتسويو، التي أسست قبل نحو نصف قرن ”نادي الأصدقاء الجيدين لكبار السن“، وهو نادٍ لا يزال ينبض بالحيوية والعطاء حتى اليوم. يختتم ياماموتو حديثه قائلًا: ”أعتقد أنها دورة جميلة من الحب المتبادل، ويسعدني أننا استطعنا من خلال هذا الفيلم توصيل هذه الطاقة المُلهِمة إلى جمهور أوسع“.
(© 104-لجنة الإنتاج هيتوري)
الإعلان الرسمي للفيلم (باللغة اليابانية)
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي: إيشي تيتسيو، © لجنة إنتاج فيلم العيش بمفردك في 104 عامًا)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | الحياة بعد المئة... ما الذي تعلّمنا إياه سيدة يابانية في سن 104؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.