اخبار العالم / اخبار اليابان

اليابان | ما الذي يجعل التعليم الياباني مختلفًا؟ ولماذا لا ينافس عالميًا في بعض المجالات؟

اليابان | ما الذي يجعل التعليم الياباني مختلفًا؟ ولماذا لا ينافس عالميًا في بعض المجالات؟

في مواجهة اتساع الفجوة الاجتماعية والاقتصادية، تتحرك اليابان بخطى حذرة نحو إرساء عدالة تعليمية شاملة، عبر تخفيف الأعباء المالية عن كاهل الطلاب في المرحلتين الثانوية والجامعية. لكن هل يكفي تسهيل الوصول إلى التعليم لكسر الحلقة المفرغة من الفقر والتفاوت، في ظل بيئة توظيف جامدة ونُظم مهنية هرمية تُعلي من شأن الخلفية الجامعية على الكفاءة؟ هذا ما نحاول استكشافه في هذه المقالة.

مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم

منذ أن خضعت السياسات الحكومية لهيمنة النيوليبرالية العالمية، برز التفاوت الاقتصادي كقضية مثيرة للقلق على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم. واليابان اليوم ليست استثناءً، على الرغم من صورتها في الماضي كمجتمع ذي طبقة متوسطة موحدة.

رغبةً منهم في التأكيد على أهمية المنافسة في السوق الحرة، والاختيار الشخصي، والمسؤولية الفردية، رفض الليبراليون الجدد سعي دولة الرفاهية إلى تحقيق ”المساواة في النتائج“ من خلال إعادة توزيع الموارد، وبدلاً من ذلك طالبوا بالتركيز على ”تكافؤ الفرص“، لا سيما في مجال التعليم واستئصال أوجه عدم المساواة الاجتماعية المتجذرة من خلال تعزيز المنافسة العادلة في مجال التعليم. وعلى صعيد السياسات الحكومية، فإن هذا يعني توسيع نطاق الفرص التعليمية وتوفير المنح الدراسية وغيرها من أشكال المساعدة المالية للطلاب.

إلا أن الدراسات التجريبية التي أُجريت في بلدان مختلفة أثبتت أن التوسع الكمي في التعليم الثانوي والعالي لا يُسهم بشكل كبير في تحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية. وتثير هذه النتائج تساؤلات حول مساعي اليابان المتأخرة لزيادة الفرص التعليمية والاختيارات المتاحة للأفراد في التعليم من خلال اتخاذ عدة إجراءات كالإعفاء من الرسوم الدراسية وتقديم المساعدات المالية.

اختلاف النموذج الياباني عن الغرب

تختلف اليابان عن معظم الدول المتقدمة الأخرى في أن الحكومة لم تنتهج سياسةً فعّالة لتوسيع نطاق الالتحاق بالتعليم العالي من أجل تعزيز المساواة الاجتماعية والاقتصادية. بل إن نمو التعليم العالي في اليابان اعتمد بشكل أساسي على الإنفاق الأسري.

جدير بالذكر أن القطاع الخاص يشغل ثلثي مقاعد الجامعات في اليابان، وتعتمد هذه المؤسسات الخاصة بشكل شبه كامل على الرسوم الدراسية لتغطية نفقاتها التشغيلية. حتى الجامعات الوطنية تفرض رسوماً دراسية، وقد بدأت هذه الرسوم في الارتفاع منذ عام 1971. في عام 1975، كانت رسوم الجامعات الوطنية تعادل نحو خُمس متوسط رسوم الجامعات الخاصة، ولكن بحلول عام 2008، أصبحت تعادل تقريباً ثلث تلك الرسوم. فبدلاً من استخدام الجامعات الوطنية لتعزيز فرص التعليم المتكافئة، قامت الحكومة بتقليص الإنفاق المالي العام، مما زاد من اعتماد الجامعات على إنفاق الأسر. ويشكّل هذا النهج تبايناً واضحاً مع أوروبا التي تقدم معظم جامعاتها العامة تعليماً مجانياً للطلاب من داخل الاتحاد الأوروبي.

ومما يعيب الحكومة اليابانية أيضًا ضعف المساعدات المالية التي تُقدمها للأسر التي تواجه ارتفاعًا في الرسوم الدراسية. في كتابه الصادر عام 2016 بعنوان ”الاقتصاد السياسي لتمويل التعليم العالي“، يُصنّف عالم السياسة الألماني جوليان غاريتزمان الدول إلى أربع فئات رئيسية بناءً على مستويات الرسوم الدراسية ونسبة الطلاب المستفيدين من المساعدات المالية العامة. في المجموعة الأولى، تُعتبر الرسوم الدراسية والمساعدات المالية العامة منخفضة (عبء منخفض، دعم منخفض)، وهو النموذج المُتبع في معظم دول أوروبا القارية. أما المجموعة الثانية، فتتميز برسوم دراسية منخفضة للغاية ودعم حكومي سخي للطلاب (عبء منخفض، دعم مرتفع)، كما هو الحال في دول الشمال الأوروبي. ثم المجموعة الثالثة، التي تُمثلها الولايات المتحدة وبريطانيا، وتتميز بمزيج من الرسوم الدراسية المرتفعة والدعم الحكومي السخي (عبء مرتفع، دعم مرتفع، ولكنه غالباً ما يكون على شكل قروض). وأخيرًا، لدينا نموذج شرق آسيا، المُمثل في اليابان، حيث الرسوم الدراسية مرتفعة، والمساعدات المالية العامة للطلاب منخفضة. لكن الحكومة اليابانية ترى هذا نموذجًا ناجحًا للتعليم العالي لأنه يحافظ على الحد الأدنى من الإنفاق العام.

على الرغم من نقص الدعم الحكومي، فقد شهد التعليم العالي في اليابان توسعًا ملحوظًا، على الأقل من الناحية الكمية. وفقًا لأحدث الإحصاءات، فإن حوالي 60% من الشباب البالغين من العمر 18 عامًا في البلاد مسجلون في جامعة مدتها أربع سنوات، وهو مستوى مماثل لبريطانيا والولايات المتحدة (حتى مع مراعاة الاختلافات في طريقة جمع هذه الإحصاءات). ولكن هناك بعض المشكلات في النظام الياباني التي تحد من الفرص التعليمية بطرق أخرى. إحدى المشكلات تكمن في ضيق الفرصة المتاحة للحصول على التعليم الجامعي. ففي اليابان، يلتحق تقريباً الجميع بالجامعة مباشرة بعد التخرج من المدرسة الثانوية. أما الذين يتوقفون عن الدراسة بعد المرحلة الثانوية، فمن النادر جداً أن يعودوا لاحقاً للحصول على شهادة جامعية. بعبارة أخرى، فإن فرصة ”العودة إلى مقاعد الدراسة“ على مستوى التعليم العالي محدودة للغاية. وينطبق الأمر نفسه تقريباً على الدراسات العليا، يرجع ذلك أساساً إلى أن الحصول على شهادة متقدمة في منتصف الحياة المهنية لا يحمل في اليابان، خلافاً لما هو عليه الحال في الدول المتقدمة الأخرى، قيمة أو ميزة خاصة. وباختصار، فإن مسار التعليم العالي في اليابان لا يسمح بالتحوّلات أو الفرص الثانية.

هل تكفي المساعدات المالية لحل المشكلة؟

هناك دلائل تشير إلى أن اليابان تتجه أخيرًا نحو التخلي عن نموذج العبء المرتفع والدعم المنخفض.

في عام 2010، وضعت الحكومة سياسةً لتعميم التعليم الثانوي المجاني، على الرغم من فرض حد أدنى للدخل لاحقًا. كما اتُخذت خطوات لتخفيف عبء الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة على الأسر ذات الدخل المنخفض. بعد أن طبقت محافظة أوساكا ومدينة طوكيو إعفاءات من الرسوم الدراسية للمدارس الثانوية الخاصة (مع تحديد حد أقصى للدخل في حالة طوكيو)، تعرضت الحكومة الوطنية لضغوط لتقديم مزايا مماثلة على مستوى البلاد. في عام 2025، وُضعت سياسة لجعل المدارس الثانوية العامة والخاصة على حد سواء مجانية لجميع الأسر، بغض النظر عن الدخل (سارية المفعول اعتبارًا من أبريل/نيسان 2026).

علاوة على ذلك، يبدو أن هذا النهج سوف ينتشر ليشمل التعليم العالي. ففي أبريل/نيسان 2020، أطلقت الحكومة برنامجاً جديداً لتوسيع نطاق المساعدات المالية، يشمل تخفيضات في الرسوم الدراسية وتقديم منح دراسية لا تُرد، وذلك استناداً إلى دخل الأسرة. ويهدف هذا البرنامج إلى توسيع فرص وصول الشباب من ذوي الدخل المنخفض إلى مرحلة التعليم العالي، بما في ذلك الجامعات، والكليات المتوسطة (سنتين)، والمدارس المهنية.

لا شك أن هذه السياسات ستزيد من فرص التعليم كميًا من خلال تمكين المزيد من الطلاب ذوي الدخل المحدود من الالتحاق بالمدارس الثانوية الخاصة والالتحاق بمؤسسات التعليم العالي. لكن كما ذُكر سابقًا، فإن مجرد إزالة أو تقليل العوائق المالية أمام التعليم لن يؤدي إلى تحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية. فيما يلي، سأشرح السبب، بالاعتماد على مفهوم ”السلع الموضعية“.

الشركات الكبرى تفتح أبوابها لخريجي الجامعات المرموقة فقط

السلع الموضعية هي أصول مادية وغير مادية تنبع قيمتها من تصنيفها المُتصور مقارنةً بالآخرين، وترتبط بالوضع الاجتماعي والاقتصادي بأشكال مختلفة. يمكن اعتبار التخرج من جامعة مرموقة أو العمل في شركة مرموقة سلعًا موضعية.

إذا كان عدد المتقدمين للجامعة أكبر من عدد المقاعد المتاحة، فإن القبول يصبح بالضرورة لعبة ذات مكاسب وخسائر متساوية (صفريّة). علاوة على ذلك، إذا كانت قيمة الجامعة لخريجيها تنبع بشكل رئيسي من المكانة النسبية التي تمنحها — بدلاً من القيمة الجوهرية للتعليم الذي تقدمه — فإن القضية لا تقتصر فقط على قدرة الشخص على الالتحاق بالجامعة، بل يكون السؤال هو أي الجامعات يمكنه الالتحاق بها. في اليابان، يؤدي هذا إلى منافسة شديدة وصفرية على عدد محدود من الأماكن في الجامعات ذات السمعة المرموقة، أي الجامعات الانتقائية (والتي يُقاس انتقاؤها بأقل درجة للقبول).

يمكن فهم فرص العمل في اليابان أيضاً من خلال مفهوم السلع الموضعية. في اليابان، يوفر الحصول على وظيفة دائمة أو نظامية في شركة كبيرة فرصة للعمل المستقر وزيادة الأجور، وعادةً ما يتم الحصول على هذه الوظائف من خلال التوظيف الجماعي للخريجين الجدد مرة واحدة في السنة، حيث يبدأ الطلاب في تقديم طلبات التوظيف في العام الذي يسبق تخرجهم. ونظراً لمحدودية فرص العمل المرغوبة، فإن هذا الأمر أيضاً يُعد لعبة صفرية.

يوصف نظام التوظيف في اليابان بأنه ”مبني على العضوية“، وهذا يعني أنه بمجرد توظيف الشخص كموظف نظامي، يضمن له ذلك الأمن الوظيفي والترقيات المنتظمة، والتي تجلب معها مهارات جديدة وأجوراً أفضل ومكانة أعلى تدريجياً. بخلاف الغرب، حيث يتم توظيف الأشخاص من الخارج لوظائف محددة، يميل العمال الدائمون في اليابان إلى البقاء مع نفس الشركة من التخرج حتى التقاعد، مع إجراء الترقيات داخلياً في الغالب. ونتيجة لذلك، فإن سوق العمل الخارجي أقل تطوراً في اليابان، باستثناء العاملين في وظائف غير دائمة، مما يجعل فرص تحسين الوضع الوظيفي عبر تغيير الشركة محدودة للغاية. لذلك، فإن نتيجة المنافسة الصفرية للحصول على وظيفة جيدة بعد التخرج تُعد حاسمة. ومن غير المرجح أن تتوفر فرص كثيرة لوظائف مستقرة وجيدة طالما استمر هذا النظام.

تزداد المنافسة على الوظائف النظامية في الشركات الكبرى اليوم، لأنها أصبحت الوظائف الوحيدة التي تعد بزيادات موثوقة في الرواتب. فمنذ أن بدأ الركود الاقتصادي قبل ثلاثة عقود، أصبحت الشركات تميل إلى الاحتفاظ بأرباحها بدلاً من توزيعها على موظفيها. ونتيجة لذلك، يكون الحظ حليف العاملين في وظائف غير دائمة وموظفي الشركات الصغيرة إذا تمكنوا من تحمل تكلفة المعيشة بأجورهم الزهيدة. ومع ذلك، فإن الوظائف النظامية في الشركات الكبرى تتاح فقط لخريجي الجامعات ذات التصنيف العالي.

في اليابان، ترتبط نتائج المنافسة الصفرية للالتحاق بالجامعة (وهي سلعة موضعية) وفرصة الحصول على وظيفة مستقرة وجيدة (وهي سلعة موضعية أخرى) ارتباطاً وثيقاً لدرجة أنهما أصبحتا في الحقيقة السلعة الموضعية النهائية التي يريدها الجميع. لقد تداخلت هرمية الجامعات وهرمية أصحاب العمل بشكل لا ينفصل في نظام يُحدد فيه تصنيف الجامعة التي يُقبل فيها الشخص بشكل أساسي فرصه المهنية المستقبلية.

تأثير الخلفية الأسرية على عملية التحصيل الدراسي

من النقاط المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار أن خلفية الطفل الأسرية في اليابان — كما هو الحال في الدول المتقدمة الأخرى — تؤثر بشكل كبير على تحصيله الدراسي منذ المرحلة الابتدائية، وتشمل هذه الخلفية عوامل مثل المستوى التعليمي للوالدين ومسيرتهم المهنية. علاوة على ذلك، فإن هذه العلاقة لم تضعف مع مرور الوقت.

ويعني ذلك أنه، في ظل المنافسة الصفرية الحالية على القبول في الجامعات ذات التصنيف العالي — وهي منافسة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحصول على وظائف مرموقة — فإن عدم المساواة سيظل متجذراً ما لم نتمكن من إيجاد طريقة لتقليص الفجوات التعليمية المرتبطة بالطبقة الاجتماعية قبل مرحلة القبول الجامعي.

لقد صمد نظام التوظيف القائم على العضوية في الشركات اليابانية الكبرى، والذي يُقدم وعدًا بوظيفة مستقرة مدى الحياة، بقوة حتى في ظل التغيرات الجذرية في طبيعة الصناعة والاقتصاد في هذا البلد. وبالمثل، يبدو من غير المرجح أن يتغير تصنيف الجامعات على أساس الانتقائية بشكل كبير، على الرغم من سياسات الحكومة الرامية إلى توسيع فرص التعليم العالي كميًا. كما لا توجد أي مؤشرات على تحول الشركات عن التوظيف الجماعي للخريجين الجدد، الذي يربط بين التسلسلين الهرميين.

لا شك أن هذه الأنظمة قد ساهمت في النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي في اليابان بعد الحرب، لكنها الآن فقدت فائدتها، وطالما استمرت، سيستمر التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، فندرة الفرص الثانية التي تحدثنا عنها أعلاه تُفاقم المشكلة. إن الآليات التي جلبت الاستقرار للمجتمع الياباني لفترة طويلة تُساهم الآن في ترسيخ حالة عدم المساواة. فما العمل إذن؟

نعلم أن مجرد التوسيع الكمي لفرص التعليم لا يكفي. فالموارد التي تنفقها الحكومة لجعل التعليم في المدارس الثانوية العامة والخاصة مجانياً للجميع، بغض النظر عن دخل الأسرة، سيكون من الأفضل توظيفها من أجل تقليل تأثير الخلفية الأسرية على عملية التحصيل الدراسي، مثل تحسين جودة التعليم في المرحلتين الابتدائية والثانوية.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: طلاب يتجمعون في حرم هونغو بجامعة طوكيو قبل امتحان القبول بالجامعة في 25 فبراير/شباط 2025.© جيجي برس)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | ما الذي يجعل التعليم الياباني مختلفًا؟ ولماذا لا ينافس عالميًا في بعض المجالات؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

قد تقرأ أيضا