الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من لندن: بعد أكثر من تسعة أشهر من إصدار منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش تقريرين خلصا إلى ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية - وأكثر من شهر منذ أن أكدت منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية الرئيسية هذا الأمر - لا تزال المؤسسة السياسية الأميركية في حالة إنكار تام، بينما تستمر الفظائع بلا هوادة في غزة.
لا يزال جميع الجمهوريين تقريبًا ومعظم الديمقراطيين في الكونغرس يدعمون شحنات الأسلحة الأميركية الضخمة إلى إسرائيل، لذا فهم بالتأكيد لا يستطيعون الاعتراف بأن هذه الأسلحة هي أداة ارتكاب إبادة جماعية.
إن الأساس المنطقي لتسليح إسرائيل هو الادعاء بأنها أمة "الشعب اليهودي".
عندما تحدث وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، عبر الفيديو في مؤتمر عُقد في القدس قبل ثلاثة أشهر، أعلن : "لا يمكن الفصل بدقة بين كراهية إسرائيل وكراهية الشعب اليهودي". وأضاف روبيو: "إن من يدعون إلى تدمير إسرائيل إنما يدعون إلى تدمير الشعب اليهودي".
وفي الشهر الماضي، أكد رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، نفس الرسالة أثناء زيارته لإسرائيل، حيث ورد أنه قال إن الضفة الغربية "ملكية شرعية للشعب اليهودي".
إن مساواة إسرائيل باليهود وربط مستقبل إسرائيل بمستقبلهم، هو محاولة لتقديس إسرائيل وحمايتها من الانتقادات من خلال التلويح بتهمة معاداة السامية.
يُعد دمج إسرائيل مع "الشعب اليهودي" أسلوبًا دعائيًا رئيسيًا. وانتشاره الواسع لا يجعله أقل سخافة أو خطورة. وينطبق عليه قول منسوب إلى فولتير: "ما دام الناس يؤمنون بالسخافات، فسيستمرون في ارتكاب الفظائع".
فظائع في حق المدنيين الفلسطينيين
وتستمر الفظائع بلا نهاية، وهي تلوح في الأفق طوال الوقت، وقد واصلت إسرائيل القتل المنهجي - والمتعمد بوضوح - للمدنيين الفلسطينيين، ليس فقط بالقنابل والصواريخ والرصاص، بل أيضًا بالتجويع كسلاح حرب . وأصبح منع وصول المساعدات الإنسانية أو تقييدها بشدة هو القاعدة.
وطوال الصيف، تجاهلت إسرائيل تحذير الأمم المتحدة الصادر في يونيو (حزيران) من أن استهلاك الغذاء في غزة قد انخفض إلى ما دون مستوى "البقاء على قيد الحياة". وبحلول ذلك الوقت، قال رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الأوضاع هناك أصبحت أسوأ من "جحيم على الأرض".
إسرائيل ومعاداة السامية
من المفارقات أن الدولة التي يُقال لنا إنها الهدف النهائي لمعاداة السامية، هي الآن، في الواقع، أقوى سبب لمعاداة السامية في العالم. بإصرارها على أنها تجسيد لليهود في جميع أنحاء العالم، تسعى دولة إسرائيل إلى ربط اليهود في كل مكان بجرائم الحرب الممنهجة والإبادة الجماعية في غزة، إلى جانب التطهير العرقي المميت للفلسطينيين في الضفة الغربية .
الحكومة الإسرائيلية، التي تحظى بتقدير عدد متناقص من الأميركيين، تخلط نفسها باليهودية و"الشعب اليهودي" في نمط تسويقي مألوف لدرجة أنه يمتزج مع صدى الإعلام.
معادلة الإفلات من العقاب
جوهر الرسائل المؤيدة لإسرائيل هو الترويج لمجموعة من المعادلات الزائفة: إسرائيل = اليهود. دعم إسرائيل = دعم اليهود. التنديد بإسرائيل = معاداة السامية. والنص الفرعي الوظيفي لهذه المعادلات هو : الحكومة الإسرائيلية = الإفلات من العقاب.
خلال ثمانينيات القرن الماضي، عندما استهدف النشطاء في الولايات المتحدة وأماكن أخرى جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري بحملات سلمية لمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، لم تُثر تلك الأفعال اتهامات بمعاداة البيض.
أما في هذا القرن، فقد استهدفت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) اللاعنفية إسرائيل، الدولة التي أدانتها منظمة حقوق إنسان تلو الأخرى باعتبارها دولة فصل عنصري. ويواجه مؤيدو حركة المقاطعة ، حتى لو كانوا يهودًا، اتهامات متكررة بمعاداة السامية.
وفي الكونغرس، من بين المتهمين العديد من الديمقراطيين الليبراليين. وتُعد اللجنة اليهودية الأميركية واحدة من العديد من المنظمات الكبيرة التي دأبت على إعلان أن "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات معادية للسامية".
قبل ستة عقود، عندما كنت طفلاً في مدرسة عبرية، لم أكن أتخيل أن الإيمان اليهودي واحترام إسرائيل سيُستغلان إلى هذا الحد. عندما طلبت من جيراني وضع نقود معدنية في علبة زرقاء وبيضاء لزراعة المزيد من الأشجار في إسرائيل، لم أكن أعلم أن الحكومة الإسرائيلية ستواصل قتل المدنيين الفلسطينيين وتشويههم وإرهابهم بلا هوادة باسم حماية اليهود. ولم يكن لدي أدنى فكرة أن إسرائيل ستشوه كرامة وروحانية اليهودية وتنتهكها بسياسات الإبادة الجماعية.
ماذا يعني أن تكون إسرائيل الوطن القومي لليهود؟
ينص أحد القوانين الأساسية الإسرائيلية ، الصادر عام 2018، على أن "دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي"، مضيفًا أن "حق ممارسة تقرير المصير الوطني في دولة إسرائيل حق حصري للشعب اليهودي". هذا تدوين لتأكيداتٍ نمطية من الحكومة الإسرائيلية وداعميها المتحمسين الذين يبذلون قصارى جهدهم لاختطاف اليهودية - مدّعين التحدث باسم يهود العالم، شئنا أم أبينا.
على نحو متزايد، لا يفعلون ذلك. تُظهر استطلاعات الرأي معارضة كبيرة للسياسات الإسرائيلية الجوهرية بين اليهود في الولايات المتحدة.
في كثير من الأحيان، يُضخم مسؤولو الحكومة الأميركية الصورة النمطية المُضللة القائلة بأن إسرائيل هي الضامن لسلامة اليهود حول العالم.
في حديثه خلال حفل عيد الحانوكا في البيت الأبيض في ديسمبر (كانون الأول) 2023، قال الرئيس السابق جو بايدن : "لو لم تكن إسرائيل موجودة، لما كان هناك يهودي واحد في العالم آمنًا".
لم يكن هذا التصريح اللافت، الذي قوبل بتصفيق حار وهتافات، حدثًا عابرًا. فقبل ثلاثة أشهر، قال بايدن : "لو لم تكن إسرائيل موجودة، لما كان هناك يهودي واحد في العالم آمنًا في نهاية المطاف. إنه الضمان النهائي الوحيد".
يكتب تشاك شومر، كبير الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، في كتابه الجديد "معاداة السامية في أميركا": "هناك فخر خاص يكاد لا يُوصف ينبع من معرفة، رغم كل الأهوال، أن الشعب اليهودي سيعود أخيرًا إلى وطنه بعد ألفي عام من التيه في الصحراء".
إنه غرور كلاسيكي يزعم التحدث باسم "الشعب اليهودي" والإصرار على أن إسرائيل هي وطنهم الحقيقي - أينما كانوا يعيشون على هذا الكوكب.
تناقض صارخ.. يهودية وديموقراطية!
تُشيد أكبر المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة تلقائيًا بالحكومة الإسرائيلية، بغض النظر عما تفعله. وكما كتب بيتر بينارت هذا العام: "لا يُصر القادة اليهود الأميركيون على حق إسرائيل في الوجود فحسب، بل يُصرون على حقها في الوجود كدولة يهودية. ويتمسكون بفكرة أنها يمكن أن تكون يهودية وديمقراطية في آنٍ واحد، على الرغم من التناقض الجوهري بين السيادة القانونية لجماعة عرقية-دينية واحدة ومبدأ المساواة الديمقراطية أمام القانون".
الأكثر خبثًا هو الافتراض الضمني القائل بأن حياة اليهود، في نهاية المطاف، أغلى بكثير من حياة الآخرين عمومًا، وحياة الفلسطينيين خصوصًا، بينما مصير إسرائيل أسمى.
قيمة الفلسطيني محدود وقيمة الدولة اليهودية لا حدود لها
إنها عقلية يندد بها بينارت في كتابه الجديد "أن تكون يهوديًا بعد تدمير غزة": "مهما بلغ عدد الفلسطينيين الذين يموتون، فإنهم لا يُغيرون الموازين، لأن قيمة الفلسطيني محدودة، وقيمة الدولة اليهودية لا حدود لها... إن عبادة دولة تُعلي من شأن اليهود على حساب الفلسطينيين تُستبدل بإله اليهودية العالمي - الذي يُلزم اليهود بمطالب خاصة ولكنه يُقدر جميع الناس - بإله قبلي يعتبر حياة اليهودي ثمينة وحياة الفلسطيني زهيدة".
إن هذا التبجيل لإسرائيل يُغذي المفهوم الخبيث القائل بأن "الشعب اليهودي" مرادف لإسرائيل. أي ادعاء من هذا القبيل لا بد أن يكون مُدمرًا، لا سيما مع انخراط إسرائيل بلا خجل في التطهير العرقي والقتل الجماعي والإبادة الجماعية.
============
أعدت ""الخليج 365"" هذه المادة نقلاً عن "الغادريان" - مقال نورمان سولومون.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/sep/16/jews-israel-not-the-same-propaganda-technique
- نورمان سولومون هو صحفي وناشط سياسي أميركي ومرشح سابق لعضوية الكونغرس - مدير منظمة روتس أكشن والمدير التنفيذي لمعهد الدقة العامة. أحدث كتبه هو " الحرب الخفية: كيف تخفي أميركا الخسائر البشرية لآلتها العسكرية" .