الارشيف / اخبار العالم / أخبار السودان اليوم

حين يصبح التعاطف قناعاً للخذلان !

  • حين يصبح التعاطف قناعاً للخذلان ! 1/3
  • حين يصبح التعاطف قناعاً للخذلان ! 2/3
  • حين يصبح التعاطف قناعاً للخذلان ! 3/3

ليس الحقُّ لغزًا يحتاج إلى تفكيك، ولا سرًّا خفيًا لا يُدركه إلا القلّة، بل هو واضحٌ كالشمس، جليٌّ لمن أراد أن يراه. لكنه، في كثيرٍ من الأحيان، ليس كافيًا وحده. فالمشكلة ليست في غموض الحق، بل في الذين يتجاهلونه عمدًا، في الذين يُعيدون تشكيله بحيث يُناسب رواياتهم، في الذين يُرهقون المظلوم بأسئلةٍ لا تُطرحُ على الظالم، وكأنَّ عليه أن يُثبت مرارًا وتكرارًا أنه ضحية، بينما يُمنح الجلاد حقَّ الشك والتمهل في الحكم.

لذلك، لا ينبغي أن تُضاعفوا على المظلوم عبء التبرير، ولا أن تُحملوه فوق آلامه اختبارًا قاسيًا يُثبتُ من خلاله أنه يستحقُّ التعاطف. المظلوم لا يحتاج إلى إحسانكم، بل إلى إنصافكم، لا يحتاج إلى دموعكم، بل إلى أن تقفوا حيث يجب أن تقفوا، بلا تردد، بلا تحذلقٍ يُحاول أن يجعل كل شيءٍ رماديًا، بلا خطبٍ باردة تُحاول أن تُخفف وقع الجريمة بحجة الموضوعية.

لكن هناك من يظن أن التعاطف مع المظلوم يُجيز له الانتقاص من كرامته، كأنما هو يتفضّل عليه بمواساته، فيُشعره بأنَّه ضعيف، بأنَّه مدين لهذا التعاطف، بأنَّه محظوظٌ لأنَّ هناك من التفت إليه أصلًا. هذا النوعُ من التعاطف ليس إلا وجهًا آخر للخذلان، لأنَّه لا يرى في المظلوم إنسانًا له حق، بل مجرد حالةٍ تستدعي العطف لا العدالة، يستدرُّ دموع الآخرين لكنه لا يستفزُّ وقوفهم معه.

ليس هناك ما هو أشدّ قسوةً على المظلوم من أن يُصبح مجرّد قصةٍ يتداولها الناس بعبارات الأسف العابر، ثم يمضون في حياتهم كما لو أن شيئًا لم يكن. أن يُعامَل كأنه مُكسَرٌ إلى الأبد، كأنَّ مأساته هي كلُّ ما يُعرّفه، كأنَّ الحياة قد حُسمت له في خانة الألم، فلا يُنتظر منه إلا أن يبقى هناك، في دائرة الضحية التي لا تخرج منها. لكنه ليس ضحيةً ليُعزى، بل إنسانٌ له كامل الحقِّ في أن يكون أكثر من قصته الحزينة، له الحقُّ في أن يُعامل بكرامته، لا بشفقةٍ تُلقي عليه نظرةً من علٍ، وكأنه أقل شأنًا ممن لم يُصبه ما أصابه.

المشكلة في هذا العالم ليست في قلة العدل فحسب، بل في أولئك الذين يظنون أنَّهم يُمارسون التعاطف، بينما هم، دون أن يشعروا، يُمارسون لونًا آخر من الظلم. في الذين يمدّون يدهم للمظلوم لا ليُعينوه على النهوض، بل ليبقوه في موضع الاستجداء. في الذين يُحدّقون في جراحه بدهشةٍ زائفة، لا لأنهم يريدون مداواتها، بل لأنهم يجدون في تأمل الألم نوعًا من التسلية، من الفضول، من الإحساس المُريح بأنَّهم في موقع المتفرّج لا في موقع المتألم.

الحقُّ واضحٌ لمن أراد اتباعه، لكن المشكلة دائمًا في الذين لا يُريدون ذلك، في الذين يُجيدون الالتفاف حول الحقيقة، في الذين يُنفقون جهدهم في تبرير القسوة بدلاً من مواجهتها، في الذين يُمارسون حيادًا خادعًا يُساوي بين الظالم والمظلوم، ثم يُنادون بتسامحٍ لا يُطلب إلا ممن فُرض عليه الألمُ فرضًا. أما العدالةُ ليست فعلًا انتقائيًا، تُمارَس حين تكون مُريحة، وتُتجاهل حين تُصبح مكلفة، لأن المظلوم ليس بحاجةٍ إلى نصفِ موقف، أو كلماتٍ جميلة لا تُغيّر من واقعه شيئًا، أو تعاطفٍ مشروطٍ بقبوله لدور الضحية الصامتة التي لا يُسمح لها بالغضب، ولا بالمطالبة بحقها كاملًا. ما يحتاجه هو أن يُؤخذ حقه بجدية، لا أن يُعامل كحالةٍ إنسانيةٍ تُثير التعاطف، ثم تُطوى صفحتها مع أول خبرٍ جديدٍ يسرق انتباه العالم. ومن أراد أن يقف مع المظلوم، فليقف معه بكرامته، لا بشفقته. ومن أراد أن يكون عادلًا، فليكن ذلك بوضوح، بلا مواربة، بلا عباراتٍ مُلتوية تُجمّل الوقوف في المنتصف، بلا خطبٍ فارغة تُحاول أن تُخفي الحقيقة وراء ستارٍ من الكلمات المنمقة. الحقُّ واضحٌ، لا يحتاجُ إلى زخرفةٍ لغويةٍ تُخفي حدَّته، ولا إلى تبريراتٍ تُخفف من وطأته على من لا يُريد أن يراه كما هو.

سعدية مفرح – كاتبة كويتية – الشرق القطرية
43b345a643.jpg

صورة اسماء عثمان

اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.

كانت هذه تفاصيل خبر حين يصبح التعاطف قناعاً للخذلان ! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

قد تقرأ أيضا