ابوظبي - سيف اليزيد - طه حسيب (أبوظبي)
اختتم منتدى هيلي نسخته الثانية، أمس، بعدما تواصلت فعالياته في يومها الثاني، بالتركيز على المحور الجيوتكنولوجي، بما يتضمنه من تأثير التقنيات المتقدمة على العلاقات السياسية والتطورات الاقتصادية.
المنتدى الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بالشراكة مع أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، ناقش تحت عنوان «إعادة ضبط النظام العالمي: التجارة والتكنولوجيا والحوكمة»، أبرز القضايا الجيوسياسية والجيواقتصادية والجيوتكنولوجية التي تعيد تشكيل المشهد العالمي ومنطقة الشرق الأوسط.
تحت عنوان «تحولات تكنولوجية.. المستقبل الجديد»، رصدت الجلسة الرئيسية في اليوم الثاني من المنتدى، تأثير التحولات التكنولوجية، لا بصفتها تحدياً عارضاً، بل كسِمة بنيوية حاكمة للمشهد العالمي في القرن الحادي والعشرين. ودعا المشاركون في الجلسة إلى بناء اقتصادات مرنة ومجتمعات قادرة على التكيف بنجاح، في مرحلة أصبح فيها الابتكار المستمر عاملاً رئيسياً لتحقيق الازدهار المستدام. الجلسة رصدت التحول التكنولوجي كحقيقة حتمية تعيد تعريف مفاهيمنا في المجالات كافة، شارك فيها الدكتور محمد الكويتي، رئيس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات، ومعالي الدكتور جونج هو لي، وزير العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الكوري الجنوبي السابق، وجيمس مورس، رئيس أكاديمية ربدان، ورائد الأعمال عبدالله أبو الشيخ، وأدارت الجلسة الدكتورة هدى أهلي، اختصاصي أول في دبلوماسية العلوم والتكنولوجيا بوزارة الخارجية.
وأكد الدكتور محمد الكويتي أن دولة الإمارات اليوم، تمضي برؤية قيادتها، في طريق التحول إلى دولة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، «بحيث تصبح التكنولوجيا في صُلب حياتنا اليومية، وركيزة أساسية في كل أعمالنا». وأضاف الكويتي أن استراتيجية الإمارات الوطنية للأمن السيبراني تُبنى على ركائز عدة، أولاها الحوكمة، عبر السياسات والإجراءات والتشريعات والإرشادات، ووفق نهج مرن يقوم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص والأفراد. وثانيتها التكنولوجيا والابتكار، وتنمية الكوادر والكفاءات من خلال التدريب، وثالثتها، إعادة التأهيل، وصقل المهارات، ورابعتها تنفيذ مهمة «الحماية والدفاع».
تقنيات استراتيجية
من جانبه، أشار جونج هو لي إلى أن كوريا الجنوبية حددت 12 تقنية استراتيجية، وأنشأت منظومة لتطويرها. وأضاف أنه لمواكبة التغير التكنولوجي المتسارع، يتم تنفيذ إصلاحات مؤسسية، ويُقدم دعم مالي وحوافز، فضلاً عن استقطاب خبراء متخصصين على معرفة واسعة بأحدث التقنيات.
واستنتج وزير العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الكوري الجنوبي السابق أنه من منظور استشرافي ينبغي التشديد على أهمية المشروعات البحثية الطموحة، التي يجب أن تكون مؤشرات أساسية إلى مستوى التطلعات التكنولوجية، فتدفع حدود المعرفة، وتعزز النظم البحثية الوطنية، وتؤهل الخبراء لقيادة مجالات الابتكار التحويلي.
وخلال مداخلته في الجلسة الرئيسية، استنتج جيمس مورس أن الأمن في عصر التحولات الجيوتكنولوجية يقف عند حدود الدول، بل غدا مرهوناً بحماية الإنسان، وصيانة القيم والأفكار، إذ باتت التهديدات تتسلل من ميادين الأمن السيبراني، ومراكز البيانات، وسلاسل الإمداد إلى حياة المجتمعات. وتقتضي مجابهة هذه التحديات تعزيز التعاون، ودمج القدرات العسكرية الجوهرية بالعمليات المعلوماتية، مع الاستعداد لأي مخاطر مستجدة، مثل تقنيات التزييف العميق، وغيرها. ويرى مورس أنه مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في تولي كثير من المهام، تزداد أهمية الإبداع البشري، والتفكير الأخلاقي والنقدي. ولا بد من صون هذه الركائز الجوهرية في ظل أطر تعليمية متغيرة.
وداعاً لمعارفنا القديمة
وخلال الجلسة، أكد رائد الأعمال، عبدالله أبو الشيخ، أن النموذج التقليدي الذي كانت تقدمه المؤسسات التعليمية الرسمية - المتمثل في أن الحصول على الشهادات بعد سنوات طويلة من الدراسة يفضي إلى وظائف مستقرة - آخذ في التلاشي، ما يشكل تحدياً أمام المسارات المهنية، وأنماط التعلم التقليدية.
ولدى «أبو الشيخ» قناعة بأن المهارة الأهم في عصرنا هذا هي القدرة على أن «نضع جانباً معارفنا القديمة». علينا أن نتخلى عن الأساليب التي تجاوزها الزمن، ونعيد التفكير في التعليم من جذوره، ونتبنى طرقاً جديدة في التفكير؛ لأن الجيل القادم يتجه نحو مستقبل من دون معارف سابقة، وبعيد عن المسارات المهنية التقليدية.
جلسات فرعية
شهدت فعاليات اليوم الثاني من منتدى «هيلي» جلسات فرعية تسلط الضوء من زوايا متنوعة على دور التكنولوجيا وتأثيرها، من خلال محاور محددة، من بينها: «دولة الإمارات: التكنولوجيات الجديدة وإعادة تشكيل موازين القوى»، و«صديق أم عدو: الذكاء الاصطناعي ومستقبل الحوكمة والمجتمعات والثقافة»، و«ما بين القوانين الدولية الإنسانية والخوارزميات: إعادة تعريف قواعد الحرب والسلام»، و«الفجوة العميقة: الدول الصغيرة والمتوسطة تكنولوجياً في عصر الدول الفائقة تكنولوجياً».
وخلال مشاركته في جلسة حوارية بعنوان «صديق أم عدو: الذكاء الاصطناعي ومستقبل الحوكمة والمجتمعات والثقافة»، استنتج الدكتور سعيد الظاهري، مدير مركز الدراسات المستقبلية بجامعة دبي، أن «المشكلة لا تكمُن في ما قد تُحدثه تقنيات الذكاء الاصطناعي من زعزعة واضطراب، بل في كيفية التعامل مع هذا التحدي بمسؤولية وحكمة». وأضاف أن «علينا الحذر والنزاهة الأخلاقية في تعاملنا مع الذكاء الاصطناعي، وأن نبتكر ونُجدد في إطار من الالتزام الأخلاقي». وفي الجلسة ذاتها، أكد خالد النعيمي، مدير عام المؤسسة الاتحادية للشباب بدولة الإمارات، أن التحول ينبغي ألا يمس قيمنا وثقافتنا، لا سيما في ظل استخدام البيانات المستقاة من مصادر أخرى لا تُشاركنا القيم نفسها. وأكد النعيمي أن التعليم سيتحول إلى مهارات للتعلم مدى الحياة.
«كوب30».. أسباب التفاؤل
على هامش مشاركته في جلسة «النمو الأخضر.. التحول الطاقي»، دعا مارسيلو بريتو، المبعوث الخاص للحكومات دون الوطنية بمنطقة الأمازون في مؤتمر الأطراف «كوب 30»، في تصريح خاص لـ «الاتحاد»، إلى التفاؤل بمؤتمرات المناخ، فأولاً، يتوصل العالم عادة لحلول جيدة أثناء الأزمات. فجميع التحولات الكبرى في العالم جاءت في أوقات الأزمات، سواء بعد الحروب أو أثناء الصراعات، ولم نصنع شيئاً يغير العالم في فترات الهدوء.
أما السبب الثاني، حسب بريتو الذي تستضيف بلاده النسخة المقبلة من مؤتمر الأمم المتحدة للدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ «كوب30»، فهو أن هذه النسخة، ولأول مرة، سيجتمع العالم بالأمازون المكان الذي يُعد مثالاً لتحديات تطال أكبر جزء من الكوكب: «الفقر وسط الغنى»، فالأمازون مكان غني، لكنه مليء بالبؤس والفقراء. وستكون هذه هي المرة الأولى في العالم التي سيكون لدينا أربعة مؤتمرات للأطراف تنعقد في الجنوب العالمي.
وقال بريتو: «لدينا كل الأسباب لنكون متفائلين. لدينا كل ما يجعلنا ننظر إلى الطاقات المتجددة، وكل ما يدفعنا للتفكير في الزراعة ومشكلة الجوع في العالم». وأكد: «على الرغم من كل التحديات التي نواجهها الآن، علينا أن ننظر بتفاؤل؛ لأن هذه هي لحظة التغيير، وهذه لحظة يجب أن نأتي فيها بأفكار جديدة في وقت الأزمات».
حروب تجارية وحالة من عدم اليقين
في تصريح خاص لـ «الاتحاد»، أوضحت دميانا باكاردزيفا، الباحثة بأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، أن النتيجة الأساسية للحروب التجارية الحالية، هي حالة عدم اليقين بشأن السياسات الصادرة من واشنطن، وعدم اليقين بشأن ما إذا كان سيتم تطبيقها أم لا، وعدم اليقين أيضاً بشأن ردود جميع الدول المعنية على تلك الرسوم الجمركية الجديدة. وأضافت باكاردزيفا، أن ما ينتج عن هذه الرسوم الجمركية وعن حالة عدم اليقين هو أن النمو العالمي مرشح للتباطؤ لأن التجارة نفسها مرشحة للتباطؤ. ولهذا الأمر انعكاسات على جميع الدول، لكنها ستؤثر بشكل خاص على الشعوب الأكثر هشاشة، أي الدول الأكثر فقراً التي ستكون الأكثر تضرراً، وكذلك المشاريع الصغيرة التي ستعاني أكثر من غيرها. وهذا يؤدي إلى عواقب خطيرة، إذ يعني: فرص عمل أقل واحتمالية أقل لانتشال الناس من الفقر، وانعكاسات سلبية عامة على مستوى العالم. أما بالنسبة للاتجاهات المستقبلية، فأشارت باكاردزيفا إلى أن الوقت الحالي ليس وقت الذعر، بل فرصة إعادة التجمع والانخراط في جهود مشتركة بين الدول الأخرى، من خلال إبرام اتفاقيات تجارة حرة ثنائية أو متعددة الأطراف، وإنشاء منتديات بديلة لتعزيز حرية التجارة بدلاً من الحمائية؛ بهدف موازنة التوجهات الجديدة القادمة من الولايات المتحدة. وحسب «باكاردزيفا»، الأمل أن تؤدي هذه الاتفاقيات البديلة في نهاية المطاف إلى العودة إلى صيغة أكثر تعددية، وإلى منظمة تجارة عالمية يتم إصلاح قواعدها، بحيث تتمكن جميع الدول من الشراكة مجدداً بطريقة أكثر نفعاً وأقل تعقيداً.
التواصل والحوار
أشار الدكتور سلطان النعيمي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية إلى أن الزخم الكبير الذي شهده منتدى هيلي بنسخته الثانية، يعكس قيمتَي التواصل والحوار، اللتين يسعى المنتدى إلى ترسيخهما. وأكد النعيمي أن منتدى هيلي يُبرز المكانة التي تحظى بها دولة الإمارات بدبلوماسيتها الفعَّالة، التي تجلت في حضور نخبة من الوزراء وصناع القرار والمفكرين لمناقشة أبرز القضايا الملحَّة التي تواجهها منطقتنا والعالم.
الاستخدام المسؤول
أوضح نيكولاي ملادينوف، المدير العام لأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، أهمية نقاشات منتدى هيلي 2025 بأن التكنولوجيا عنصر رئيسي يسهم في إعادة تشكيل موازين القوة والعلاقات الدولية. وأشار إلى أن الحوارات حول الذكاء الاصطناعي والابتكار أوضحت الحاجة الملحّة إلى تعاون عالمي يضمن الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات، بما يخدم جهود السلام والتنمية، ويعكس دوراً متنامياً لدولة الإمارات كقوة دبلوماسية تسهم في صياغة المستقبل.
تعاون دولي
اختتم المنتدى أجندته بالتأكيد على أن التقدم التكنولوجي، بما يحمله من فرص وتحديات، يتطلب تعاوناً دولياً وشراكات عابرة للحدود لضمان توظيفه بما يخدم الاستقرار والازدهار العالمي. وجدد «منتدى هيلي» التزامه بمواصلة توفير منصة استراتيجية للحوار وتبادل الرؤى، تسهم في صياغة مقاربات عملية لمواجهة التحولات المتسارعة، وبناء مستقبل أكثر توازناً وشمولية للمجتمع الدولي.