اخبار العالم

أراد لهن "الحرية"... قصة "كشف الحجاب" القسري في إيران الشاه

  • أراد لهن "الحرية"... قصة "كشف الحجاب" القسري في إيران الشاه 1/2
  • أراد لهن "الحرية"... قصة "كشف الحجاب" القسري في إيران الشاه 2/2

الرياص - اسماء السيد - لولا السجاد الحريري النفيس المفروش على الأرض، وقبعات كاراكول الصغيرة المصنوعة من فرو الأستراخان على الجباه، آخر بقايا الزي الشرقي، لكان بالإمكان تخيّل المرء نفسه في دولة أوروبية وليس في إيران. بهذه العبارة أستطيع أن ألخص أبرز ما ورد في كتب ومقالات تاريخية إيرانية اطلعت عليها وأنا أعد هذا التقرير الذي يعود بنا إلى فترة حكم الشاه رضا بهلوي.

الرجل الذي حاول أن يجعل من إيران "بلدا أوروبيا" بكل التفاصيل الشكلية، بما فيها تحديد الزي واللباس الذي يجب على الإيرانيين والإيرانيات ارتداؤه أو خلعه.

سياسة التحديث هذه ما كانت لتكون بوجود نساء يرتدين الحجاب الذي يرمز إلى "التخلف" في نظر الشاه، وحتى لا يحول بينه وبين "الأوروبية" التي حاول أن يلبسها لإيران، أقر قانون "كشف الحجاب" الذي يمنع النساء من ارتدائه.

وهكذا بدأت الشرطة تراقب الشوارع، لإجبار النساء على خلع الحجاب أو إزالته بالقوة في حال رفضن الامتثال للأوامر ومعاقبتهن.

لتتحول مسألة الحجاب حينها إلى قضية اجتماعية وسياسية ساخنة. الحداثيون بدؤوا بمهاجمة الحجاب، وصفقوا لسياسة الشاه، والمحافظون ساخطون، سرا في الغالب، على قرار لا يتماشى مع عادات وتقاليد المجتمع الإيراني.

التمهيد لـ " كشف الحجاب"

قبل أن نخوص في حيثيات قرار رضا بهلوي، لابد أن نعود هنا إلى بعض التفاصيل التي استبقت قراره ومهدت لتنزيله على أرض الواقع.

ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر شهدت ملابس النساء نوعا من التوجّه نحو الطراز الأوروبي، غير أنّ هذا التغيير ظل محصوراً في أوساط العائلة الحاكمة والأرستقراطية.

ومع مطلع القرن العشرين بدأت تروج مجموعة واسعة من الملابس الأوروبية بين النخب في المدن.

كان الإيرانيون المتعلّمون من أبناء النخبة، الذين سافروا إلى أوروبا، قد أُعجبوا بالدور الذي لعبته النساء في المجتمعات الأوروبية، وعند عودتهم إلى إيران أخذوا يطالبون بتعليم المرأة و"تحريرها" من الحجاب.

و أسّست النساء جمعيات في المدن الكبرى وبدأن في إصدار صحف ودوريات عالجت مسألة الحجاب.

يقول المؤرخ الإيراني هوشنج شهابي، وهو أستاذ بكلية فريدريك س. باردي للدراسات العالمية بجامعة بوسطن تُعنى بالتعليم والأبحاث في مجال الدراسات العالمية، في كتابه المعنون: "عرض ملابس الإمبراطور الجديدة: قواعد اللباس وبناء الأمة في عهد رضا شاه"، "في حين أن الغالبية العظمى من النساء الإيرانيات لم يتخلَّين عن الحجاب قبل أن يُجبرهن رضا شاه على ذلك، فقد حدث تراخٍ تدريجي في الأعراف بشكل تلقائي؛ فعلى سبيل المثال، اختفى القناع الذي كان يُرتدى تحت الشادور، وهو زي تقليدي إيراني، تقريباً، باستثناء سواحل إيران الجنوبية".

وبين الإيرانيين المتعلمين في المدن، أخذت المعارضة للحجاب تترسخ تدريجياً، كما أن معظم صحف العاصمة كانت تحرّض على الفكرة، وفق شهابي.

وأصبح الحجاب علامة على "التخلّف" بالنسبة لفئة من اللإيرانيين المتعلمين، وهو ما منح سياسة "كشف الحجاب" قدراً من التأييد الاجتماعي.

تنفيذ أجندة "التحديث"

بعد أن عزّز رضا شاه قبضته على السلطة، بدأ في تنفيذ الأجندة الثقافية للحداثيين الإيرانيين في سعيه لإحلال التقدّم في إيران، ويشمل ذلك تبنّي الإيرانيين للأزياء الأوروبية.

الأمر الأكثر أهمية كان مسألة الحجاب، وهو موضوع تقريرنا. ففي عام 1928 تلقت الشرطة أوامر بالسماح للنساء بالوجود في الأماكن العامة بدون حجاب، واستفادت عدد من النساء في طهران من هذا الإذن، رغم معارضة رجال الدين. وكانت الملكة أحيانًا تظهر في الأماكن العامة بدون حجاب، يقول الكاتب والمورخ الإيراني عباس أمانات.

في يونيو 1934 قام رضا شاه بزيارة رسمية إلى تركيا، وهي الزيارة الخارجية الوحيدة في عهده.

ويقول عباس آمانات الذي زودني ينسخة من كتابه المعنون بـ "إيران: تاريخ حديث"، "ظل رضا شاه في تركيا لفترة أطول مما كان مخططاً له، وأُعجب بالتقدم الاجتماعي والاقتصادي الذي تحقق تحت حكم أتاتورك، وبمشاركة النساء في الشؤون العامة التي أتاحتها هذه التغييرات".

وكانت المناسبات الاجتماعية التي شهدها في تلك الزيارة هي ما دفع رضا شاه إلى تسريع وتيرة "التغريب الأوروبي" للمجتمع الإيراني، وفق المؤرخ الإيراني.

وفي يوم 8 يناير/ كانون الثاني عام 1936، حضر رضا شاه مراسم افتتاح كلية تدريب المعلمين أو ما يسمى بالفارسي "دانشسراي مقدماتی" الجديدة في طهران لتسليم الشهادات لخريجات عدد من المدارس، برفقة زوجته تاج الملوك المكشوفة الوجه وبناته.

وقد أُمر جميع النساء المدعوات بالحضور بدون حجاب. وفي هذا التجمع، ألقى رضا شاه خطاباً قال فيه: "أنا مسرور للغاية لرؤية أنه نتيجة للمعرفة والتعليم، أصبحت النساء مدركات لحالهن وحقوقهن وامتيازاتهن. فالنساء اللواتي كن خارج المجتمع، لم يكن بإمكانهن تطوير مواهبهن الفطرية. لم يكن بإمكانهن رد الدين لوطنهن العزيز، ولا خدمته والتضحية من أجله كما يجب".

وأضاف "...لا ينبغي أن ننسى أن نصف سكان البلاد لم يُؤخذ في الاعتبار حتى هذه اللحظة... وأنتن النساء المتعلمات اللواتي بدأتن الآن بالإدراك الكامل لحقوقكن وامتيازاتكن وواجباتكن تجاه وطنكن".

خلع الحجاب بالقوة

بعد إقرار القانون، أُرسلت توجيهات إلى المحافظات لضمان تقليد جميع النساء لأفعال عضوات العائلة الحاكمة. ولتحقيق هذا الغرض، أُقيمت حفلات واستقبالات في جميع أنحاء البلاد خلال شهري يناير/ كانون الثاني، وفبراير/ شباط للاحتفال بكشف الحجاب، وفق المؤرخ الإيراني هوشنج شهابي

ويضيف أنه لتسهيل الأمور، كان من المقرر أن يحصل موظفو الدولة على قروض لشراء ملابس جديدة لزوجاتهم، وأن يُحالوا إلى إجازة غير مدفوعة الأجر إذا لم يحضروا مع زوجاتهم بغير حجاب إلى المناسبات الرسمية. كما كانت تُحفظ سجلات دقيقة بأسماء الحاضرين ومن لم يحضر، أما الذين لم يحضروا أو جاؤوا دون زوجاتهم، فكانوا يُوبَّخون أولاً، ثم يُفصلون من عملهم.

ولتنفيذ هذه السياسة، نشرت الدولة ما يشبه نظام المراقبة الشاملة، فقد صدرت التعليمات إلى السلطات المحلية في جميع أنحاء البلاد باعتقال ومعاقبة كل من يعارض السياسة علناً، وخاصة رجال الدين، وكذلك منع النساء المحجّبات من دخول المتاجر ودور السينما والحمّامات العامة، أو من ركوب العربات والسيارات، باختصار، "جعل حياتهن اليومية مستحيلة." يقول شهابي.

ويضيف أنه في بعض الأماكن، لم يكن لدى السلطات المحلية ما يكفي من رجال الشرطة، فطُلبت تعزيزات إضافية. وأحيانًا كان يتم وضع عملاء سرّيين عند مداخل الحمّامات لمراقبة الالتزام بالقانون.

وهنا بدأت المعاناة الحقيقية للعديد من النساء اللائي ينتمين للطبقات المحافظة، إذ فضل بعضهن عدم مغادرت بيوتهن نهائيا وفق محدثنا الأستاذ الجامعي الإيراني بجامعة ليدين الهولدنية توراج أتابكي، والمختص بالتاريخ الاجتماعي للشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

مقاومة القرار

القرار خلق انقساما في المجتمع الإيراني. بالنسبة للبعض فهي خطوة نحو التحرر والتطور، أما بالنسبة للبعض الآخر فالقانون همش وأقصى الهوية الثقافية والدينية للبلد، يقول توراج أتابكي.

وبينما أصبح القانون مفروضاً بالقوة، لجأت العديد من الأسر إلى ابتكار استراتيجيات متعددة للتعامل والمقاومة ضد تدخل الدولة في الحياة الخاصة.

في البداية، ردّت كثير من النساء بارتداء فساتين طويلة وأوشحة للرأس، لكن في أواخر ربيع عام 1936 أصدرت الحكومة أوامر إلى السلطات المحلية بوقف هذه الممارسة تحت طائلة العقوبة.

"وعلى الرغم من أن الشرطة كثيرأً ما كانت توجَّه لتجنب العنف، إلا أنها، عند تلقيها أوامر إخلاء الشوارع من النساء المحجبات أو مواجهة التوبيخ، كانت غالباً ما تعتدي جسدياً على النساء وتمزق أوشحتهن أو شادورهن"، وفق المؤرخ الإيراني هوشينج شهابي.

ظلّت العديد من النساء المتدينات في منازلهن، لكن ذلك خلق مشكلة أخرى، إذ أن المنازل الإيرانية في ذلك الوقت لم تكن تحتوي على حمامات داخلية. لذا كان على النساء أن يذهبن إلى الحمّام العام في منتصف الليل عن طريق تسلق منازل الجيران، أو يأملن أن يتغاضى رجال الشرطة عن ذلك.

ومن بين الأساليب التي كانت تتحايل بها الأسر على الشرطة نذكر موقفا ذكره الكاتب الإيراني رضا براهني حينما كان والده يحمل والدته وزوجته إلى الحمّام العام في كيس كبير، حتى تم توقيفهم يوماً من قبل شرطي. وعندما أخبر الشرطي أن الكيس يحتوي على فستق، كُشف أمره، وتم اعتقاله.

لماذا التركيز على لباس المرأة؟

لماذا بُذل كل هذا الجهد ورأس المال الرمزي لتغيير مظهر الإيرانيين؟ الإجابة عن جزء من هذا السؤال يقتضي ربما تحليل الظرفية التي كان يحكم فيها رضا بهلوي، المتأثر بالنموذج الغربي والتركي والساعي إلى بناء "أمة حديثة".

ولم تكن إيران الوحيدة أو ربما السباقة لتضمين اللباس ضمن سياسة التحديث، فالشاه عبر أنذاك عن إعجابه بالنموذج التركي في زمن أتاتورك.

كما أن هناك نماذج غربية أثبتت نوعا ما نجاعتها في تحديث المجتمعات من حيث اللباس، كما هو شأن الثورة الفرنسية التي شملت اللباس أيضا.

يرى المؤرخ الإيراني هوشنج شهابي أنه لا يمكن إنكار فضل رضا شاه في التقدم الاقتصادي الذي تحقق خلال فترة حكمه، إلا أنه أحدث "اضطرابا كارثيا" في حياة الناس، ولم يكن هناك توافق بين التحولات الثقافية التي حاول فرضها والواقع الاجتماعي والاقتصادي لإيران.

مضيفا أن هذا التباين بين السياسات والواقع الاجتماعي الذي كانت تهدف إلى تغييره هو ما يفسر الطابع المسرحي لتلك الحقبة، "فقد جرى التحديث حرفياً على خشبة المسرح، مع مخرجين لم يفهموا المسرحية تماماً وممثلين لم يتطوعوا لأدوارهم" على حد تعبيره.

ولا يختلف ما قام به رضا بهلوي عما قامت به الدولة بعد ثورة 1979، في نظر محدثنا توراج أتابكي

إذ عمد النظام إلى ممارسة نفس الطريقة لكن بشكل معكوس هذه المرة عبر فرض الحجاب على جميع النساء.

النظامان معاً بنيا سياستهما على جسد المرأة، يقول توراج. "ومن خلال ما جرى قبل الثورة وما بعدها يظهر حجم خطورة تسييس جسد المرأة واعتبارها رمزا للهوية الوطنية".

ويقول في ختام حديثنىا معه، أن الكرامة والحداثة لا يتم بناؤهما بشكل عمودي ومن الأعلى، بل عن طريق البدء من القاعدة.

أثناء اطلاعي على المصادر الإيرانية التي وثّقت تلك المرحلة من تاريخ إيران، يبرز بوضوح أن مسألة لباس المرأة، سواء قبل الثورة الإيرانية أو بعدها، لم تكن بيد المرأة نفسها؛ فإما لم يكن لها صوت، أو لم يُسمح لها أصلاً بامتلاك الخيار أو المشاركة في النقاش حول ما تريد أن ترتديه.

Advertisements

قد تقرأ أيضا