ابوظبي - سيف اليزيد - أحمد عاطف، عبدالله أبو ضيف (القاهرة)
اعتبر خبراء ومحللون، أن مؤتمر حل الدولتين يمثل محطة محورية في مسار القضية الفلسطينية، إذ يُعيد الاعتبار للمسار السياسي بعد سنوات طويلة من الجمود، ويعكس إدراكاً دولياً متنامياً بأن استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من دون أفق سياسي يشكّل تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي والدولي.
وشدد هؤلاء، في تصريحات لـ«الاتحاد»، على أن المؤتمر الدولي يُعد فرصة نادرة لإعادة إحياء الأمل في السلام، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية دولية حقيقية، وتوافق عربي فلسطيني يعزز الموقف التفاوضي، إلى جانب ضغوط واضحة على إسرائيل للالتزام بالشرعية الدولية.
وأوضحوا أن الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية من قبل عدد من الدول الغربية، تشكّل رصيداً مهماً ينبغي استثماره، بما يعزز فرص حل الدولتين، باعتبارها خياراً استراتيجياً لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
رسائل ودلالات
وشدد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الأردن، الدكتور عبد الحكيم القرالة، على أن مؤتمر حل الدولتين يحمل دلالات بالغة الأهمية؛ لأنه يعيد وضع الأساس للحل السياسي، بوصفه خياراً وحيداً لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إضافة إلى أنه يوفر فرصة لتوحيد المواقف الدولية والإقليمية حول رؤية تضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، مما يسهم في حماية الاستقرار في الشرق الأوسط، ويقلل من احتمالات اتساع دائرة العنف.
وقال القرالة، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن أهمية المؤتمر لا تتوقف عند البعد السياسي فقط، بل تمتد لتشمل الجوانب الإنسانية والاقتصادية، إذ إن أي تقدم في مسار حل الدولتين سينعكس إيجاباً على حياة الفلسطينيين، ويفتح المجال أمام مشاريع تنموية واستثمارية تعزز من فرص السلام.
وأضاف: أن المجتمع الدولي مطالب بترجمة توصيات المؤتمر إلى خطوات عملية ملموسة، عبر الضغط على إسرائيل للالتزام بقرارات الشرعية الدولية، ووقف سياسات الاستيطان، باعتبارها العقبة الأساسية أمام أي حل عادل وشامل.
وبيّن القرالة أن المؤتمر يفتح الباب أمام إعادة الاعتبار للدور العربي، من خلال توحيد الجهود وتنسيق المواقف، بما يضمن تعزيز الموقف الفلسطيني على طاولة المفاوضات، مؤكداً أن غياب الأفق السياسي، خلال السنوات الماضية، أدى إلى تعقيد المشهد، مما يجعل المؤتمر فرصة تاريخية لإعادة ترتيب الأوراق وإحياء المسار التفاوضي.
محطة مفصلية
من جهته، أوضح أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، الدكتور علي الأعور، أن مؤتمر حل الدولتين يمثل محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، لما يحمله من فرصة لإعادة إحياء عملية السلام على أسس عادلة تعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وأوضح الأعور، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن المؤتمر يسعى لتثبيت الإجماع الدولي على أن الحل العادل يقوم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، وهو ما يشكل الضمانة الحقيقية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، مشدداً على أن أهمية المؤتمر تكمن في أنه يوفر إطاراً سياسياً وقانونياً يمكن البناء عليه لمواجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية.
وأشار إلى أن المؤتمر يرسل رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي لا يزال متمسكاً بمبادئ الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، منوهاً بأن إنجاح هذا المسار يتطلب إرادة دولية ضاغطة تضع حداً للممارسات الإسرائيلية التي تعرقل الوصول إلى سلام عادل ودائم.
وأفاد الأعور بأن المؤتمر يكتسب أهمية إضافية في ظل الأوضاع الراهنة في غزة والضفة الغربية، حيث يشكل نافذة أمل لوقف دوامة العنف، وفتح الطريق أمام تسوية سياسية شاملة، مؤكداً أن أي تقدم في هذا المسار سينعكس إيجاباً على الأمن الإقليمي والعالمي؛ لأنه يعالج جوهر الصراع الذي يقف وراء كثير من التوترات في الشرق الأوسط.
موقف موحد
في السياق، أوضح الباحث في الشؤون العربية، محمد حميدة، أن انعقاد مؤتمر حل الدولتين في هذا التوقيت يعكس إدراكاً متزايداً لدى المجتمع الدولي بأن الحل السياسي لا يزال خياراً ممكناً، في ظل التداعيات الإنسانية المأساوية التي تشهدها غزة والضفة الغربية، مشيراً إلى أن الاعترافات المتزايدة بدولة فلسطين تسهم في إعادة الزخم لمسار حل الدولتين، وتمثل رسالة سياسية واضحة بأن العالم لم يعد يتجاهل الحقوق الفلسطينية.
وقال حميدة، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن أهمية المؤتمر لا تقتصر على مناقشة الإطار السياسي فحسب، إذ يفتح المجال أمام الفلسطينيين لإعادة ترتيب بيتهم الداخلي وتوحيد الصفوف، بما يعزز الموقف الوطني في أي مفاوضات مستقبلية، لا سيما أن أحد التحديات الكبرى التي تواجه هذا المسار يكمن في الانقسام الفلسطيني الداخلي، وأي جهد دولي لن ينجح ما لم يكن هناك توافق وطني فلسطيني على رؤية واضحة وموحدة.
مصلحة أمنية
من جانبه، أكد محلل الشؤون الأمنية، ياسر أبو عمار، أن حل الدولتين لا يشكل مجرد خيار سياسي، بل يمثل مصلحة أمنية إقليمية ودولية، موضحاً أن استمرار الصراع من دون أفق سياسي يفتح الباب أمام تصاعد العنف والتطرف، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية، وإنما في المنطقة ككل، مما يهدد الأمن الإقليمي والعالمي.
وأشار أبو عمار، في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أن مؤتمر حل الدولتين يوجه رسالة بأن المجتمع الدولي بات يدرك أن غياب الحل العادل يغذي بؤر التوتر، ويمنح الفرصة للجماعات المتطرفة لاستغلال الأوضاع.
وقال: إن تحقيق حل الدولتين يمكن أن يسهم في تجفيف منابع العنف من خلال معالجة جوهر الصراع، وتوفير بيئة مستقرة تفتح المجال أمام التعاون الإقليمي في مجالات الأمن والتنمية والطاقة، موضحاً أن التحدي يكمن في ضمان التزام الأطراف بتوصيات المؤتمر، وتحويلها إلى مسار عملي.