في قلب شرق آسيا، حيث كانت اليابان ذات يوم شعلة الازدهار الاقتصادي وقاطرة النمو في المنطقة، بدأ المشهد يتبدل. اليوم، لم تعد اليابان فقط رمزًا للتقدم الصناعي، بل أصبحت أيضًا مرآة تعكس التحديات الاقتصادية التي تلوح في الأفق، ليس داخل حدودها فحسب، بل في كوريا الجنوبية وتايوان، وربما حتى في الصين. ومع تسارع معدلات الشيخوخة وانخفاض نسب المواليد، يبدو أن مركز الثقل الاقتصادي العالمي بدأ في الانزياح غربًا، ليترك خلفه تساؤلات عن مستقبل شرق آسيا الاقتصادي.
تتراجع اليابان بسرعة في تصنيف أكبر اقتصادات العالم، إذ من المتوقع، وفقًا لصندوق النقد الدولي، أن تهبط إلى المرتبة الخامسة بحلول عام 2025، متأخرة خلف الولايات المتحدة والصين وألمانيا، مع صعود الهند إلى المركز الرابع. غير أن هذا التراجع لا يخص اليابان وحدها؛ فهي، كما كانت في طليعة الطفرة الاقتصادية التي اجتاحت دول شرق آسيا منذ ستينيات القرن الماضي، تجد نفسها اليوم في مقدمة مشهد ركود اقتصادي آخذ في التوسع، يشمل كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ، وسط مؤشرات متزايدة على أن الصين هي الأخرى ماضية على الطريق ذاته. وفي عمق هذا التحول البنيوي، تبرز قوى ديموغرافية لا مفر منها، تتمثل في تسارع وتيرة الشيخوخة وتناقص عدد السكان، ما يُلقي بظلال ثقيلة على آفاق النمو والإنتاجية.
التتابع الاقتصادي في شرق آسيا
لسنواتٍ طويلة، كانت منطقة شرق آسيا مركز النمو العالمي الرئيسي، وكانت اليابان المحرك الرئيسي لهذا النمو. وخلال حقبة ”المعجزة اليابانية“، من منتصف خمسينيات القرن الماضي إلى أوائل سبعينياته، كان معدل نمو الاقتصاد الياباني يخطف الأنظار حول العالم. ففي عام 1968، تجاوزت اليابان ما كان يُعرف آنذاك بألمانيا الغربية لتصبح ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة. وابتداءً من منتصف ستينيات القرن الماضي، حذت كوريا الجنوبية حذوها محققةً ”معجزة نهر الهان“. وسرعان ما انضمت إليها تايوان وهونغ كونغ وسنغافورة لتشكيل مجموعة ديناميكية أُطلق عليها اسم ”التنانين الأربعة الصغيرة“.
وقد بدأ صعود ”التنين الكبير“، الصين، في أواخر سبعينيات القرن الماضي في ظل سياسات ”الإصلاح والانفتاح“ التي انتهجها دينغ شياو بينغ. وبعد أن خرجت الصين من تداعيات الثورة الثقافية (1966-1976)، لم تحتاج سوى نحو 30 عامًا لتتجاوز اليابان، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم عام 2010.
وبحلول ذلك الوقت، كانت اليابان قد اتخذت مسارًا مختلفًا. فبعد انهيار فقاعة أسعار الأصول في ثمانينيات القرن الماضي، دخلت اليابان في ”العقد الضائع“، الذي استمر لعشرين عامًا أخرى تقريبًا، مما سمح للصين بتولي دور مركز النمو في آسيا والعالم. وفي عام 2024، تراجع الاقتصاد الياباني إلى المركز الرابع، خلف ألمانيا. وكنسبة مئوية من الناتج الاقتصادي العالمي، انخفض الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لليابان من 17.5% عام 1995 إلى حوالي 4% اليوم.
المصير الديموغرافي؟
مسار النمو الاقتصادي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاتجاهات الديموغرافية.
فقد بلغ عدد سكان اليابان ذروته في عام 2008 عند 127,08 مليون نسمة، وهو يتقلص باستمرار منذ عام 2011. وفي عام 2024، انخفض عدد المواليد الأحياء إلى أقل من 700 ألف لأول مرة منذ أن أطلقت الحكومة مسحها الإحصائي الحيوي السنوي عام 1899. وعلاوة على ذلك، تشهد الدول المجاورة لليابان، بعد أن سارت على نهجنا نحو النمو والازدهار، نفس التحول الديموغرافي.
حيث انخفض عدد سكان كوريا الجنوبية لعامين متتاليين بعد أن بلغ 51.76 مليون نسمة عام 2020. وفي عام 2023، ارتفع إجمالي عدد سكان البلاد بشكل طفيف بفضل تدفق العمال الأجانب، ولكن مع امتلاكها أحد أدنى من معدلات الخصوبة في العالم، ومن غير المرجح أن تتمكن كوريا الجنوبية من وقف تراجعها الديموغرافي على المدى الطويل. أما تايوان، فقد انكمش عدد سكانها لثلاث سنوات متتالية بعد أن بلغ 23,60 مليون نسمة عام 2019. ثم انتعش قليلاً عام 2023 - بفضل الهجرة أيضًا - لكنه بدأ في الانكماش مجددًا عام 2024.
وأخيرًا، نصل إلى الصين، الدولة الأكثر سكانًا في العالم منذ زمن طويل. حيث كان للانخفاض السكاني فيها جانبٌ مُصطنعٌ يتمثل في سياسة الطفل الواحد المُعتمدة عام 1979. لكن معدل المواليد ظلّ ضعيفًا حتى بعد إلغائها عام 2015. ونتيجةً لذلك، استمرّ عدد سكان الصين في الانكماش منذ عام 2021، حين بلغ ذروته عند 1,264 مليار نسمة. وفي عام 2023، وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، تجاوزت الهند الصين لتصبح الدولة الأكثر سكانًا في العالم.
والمؤشر الرئيسي للاتجاهات الديموغرافية المستقبلية هو معدل الخصوبة الكلي (TFR)، وهو عدد الأطفال المتوقع أن تنجبهم المرأة الواحدة في متوسط حياتها. وفي الدول المتقدمة، يبلغ معدل الخصوبة اللازم للإبقاء على استقرار عدد السكان – ما يُعرف بـ معدل الإحلال - حوالي 2.1.
وفي تصنيف البنك الدولي لمعدل الخصوبة الإجمالي الذي يشمل 218 دولة ومنطقة، تحتل اليابان المرتبة 199 بمعدل خصوبة إجمالي يبلغ 1.20، والصين المرتبة 211 (1.00)، وتايوان المرتبة 215 (0.87)، وهونغ كونغ المرتبة 216 (0.75)، وكوريا الجنوبية المرتبة 217 (0.72). وإذا استمرت معدلات الخصوبة عند هذه المستويات، سينخفض عدد سكان المنطقة بمقدار النصف على الأقل قبل نهاية القرن. فالمنطقة التي كانت مركز النمو العالمي تواجه الآن انكماشًا سكانيًا.
التحول غربًا
وبالإضافة إلى قلة عدد الأطفال، يعيش سكان شرق آسيا حياة أطول، مما يؤدي إلى شيخوخة ديموغرافية سريعة. وهذا يعني أن نسبة السكان المنتجين (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا) تتناقص من إجمالي السكان. وهذا يُضعف النشاط الاقتصادي ويُضعف النمو، وهذا بالضبط ما شهدناه في شرق آسيا في السنوات الأخيرة. فقد تراوح معدل النمو في اليابان بين 0% و1%، وفي كوريا الجنوبية بين 1% و2%، بينما تراوح في تايوان بين 1% و4%.
وقد أعلنت الحكومة الصينية عن معدل نمو قدره 5% لعام 2024، إلا أن هذا الرقم يُضعف مصداقيتها. فقد ظل الطلب المحلي راكدًا في ظل أزمة العقارات المطولة، وتصاعدت الضغوط الانكماشية على مدار العامين الماضيين. وعلاوة على ذلك، تشهد الصين هجرةً لرأس المال الأجنبي نتيجة عوامل متعددة، منها تشديد اللوائح لمواجهة الخلاف مع الولايات المتحدة. وقد أصدرت الصين سندات خزانة خاصة وضخت رؤوس أموال في بنوكها الرئيسية. وتشير كل هذه الظروف إلى أن معدل النمو الفعلي قد يكون أقل من نصف الرقم الذي نشرته الحكومة. ولا تزال الصين تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلا أن حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي انخفضت إلى أقل من 17% من ذروتها البالغة 18.3% في عام 2021.
وفي غضون ذلك، تجاوز عدد سكان فيتنام 100 مليون نسمة في عام 2023، ونما اقتصاد البلاد بنسبة 7% في عام 2024. وفي الهند، التي حلت محل الصين كأكبر دولة في العالم من ناحية التعداد السكاني، ظل نمو الناتج المحلي الإجمالي يتراوح بين 6% و9% منذ عام 2021. الأمر الدال على أن مركز النمو في آسيا، والعالم، يتجه نحو الغرب.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: أطفال يتلقون تدريبًا على الإسعافات الأولية خلال تدريب للدفاع المدني أُجري في مدينة سيول، مايو/ أيار 2023. © أ ف ب/جيجي برس)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | اقتصادات شرق آسيا تحت المجهر: الركود يطرق الأبواب وانهيار المواليد يسرّع الأزمة لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.