منذ أن أُطلق عليه اسم ”خط يامانوتي“ في عام 1909، عُرف هذا الخط الحديدي بأنه الشريان الحيوي الذي يغذي العاصمة اليابانية بالحياة والحركة، ولعب دورًا محوريًا في دعم النمو الحضري المتسارع لطوكيو. يمتد الخط اليوم ليشمل ثلاثين محطة تربط بين أهم الأحياء والمراكز الحيوية في المدينة. لكن ما يخفيه هذا الخط من أسرار لا يقتصر على صخبه اليومي أو زحامه المعتاد، بل يمتد إلى أعماق أسماء محطاته. فلكل اسم حكاية، ولكل محطة تاريخ دفين يستحق التأمل. وفي الحلقة الخامسة من هذه السلسلة، نسلّط الضوء على محطة ”شيناغاوا“ — تلك المحطة الغامضة والمثيرة التي تحمل الرقم ”JY25“ حسب نظام الترقيم الخاص بشركة JR شرق اليابان، والتي تختزن بين حروف اسمها ألغازًا وعجائب من الماضي البعيد.
محطة شيناغاوا: نقطة الانطلاق الأولى لخط يامانوتي
تُعد محطة شيناغاوا، إلى جانب محطة يوكوهاما (المعروفة حاليًا باسم محطة جي آر ساكوراغيتشو)، من أقدم محطات القطار في اليابان. وقد بدأت أولى رحلات نقل الركاب بين المحطتين في 12 يونيو/حزيران عام 1872.
ورغم أن كثيرين يعتقدون أن محطة شينباشي هي أول محطة في البلاد – استنادًا إلى كلمات أغنية شهيرة للسكك الحديدية تقول: ”بصفارة واحدة ننطلق من شينباشي...“ – فإن الواقع هو أن محطة شينباشي لم تُفتتح إلا في 14 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، أي بعد أربعة أشهر من تشغيل محطة شيناغاوا.
كان من المفترض في البداية أن يبدأ تشغيل الخط بين شينباشي ويوكوهاما، إلا أن أعمال البناء في المقطع الواصل بين شينباشي وشيناغاوا تأخرت، مما جعل من شيناغاوا نقطة الانطلاق المؤقتة في ما عُرف بـ”الافتتاح التجريبي“.
اللافت أن مقر محطة شيناغاوا الأولى كان يقع على بُعد نحو 300 متر جنوب موقعها الحالي، في منطقة تُعرف باسم ”ياتسوياماشيتا“. وتُظهر ”لوحة مشهد قطار البخار على ساحل ياتسوياماشيتا في طوكيو“ القطار وهو يسير فوق سكة حديدية مشيدة فوق سطح البحر. ففي عام 1869، سارعت حكومة ميجي، التي كانت تطمح لبناء دولة حديثة، إلى ردم الساحل وإنشاء خط السكك الحديدية ومحطة شيناغاوا على ذلك الردم. وهكذا وُلدت أول محطة قطار في اليابان على شاطئ البحر، شاهدة على انطلاق عصر النقل الحديث في بلاد الشمس المشرقة.
لوحة ”منظر سكة حديد البخار على ساحل ياتسوياماشيتا في طوكيو“ تُصوّر مشهد السكك الحديدية في الفترة التي شُيّد فيها أول مبنى للمحطة (الأرشيف الخاص بالمكتبة المركزية لمحافظة طوكيو)
محطة شيناغاوا: من خط ساحلي إلى نقطة انطلاق خط يامانوتي
نُقلت محطة شيناغاوا إلى موقعها الحالي في عام 1896، وتُظهر صورة محفوظة في أرشيف متحف السكك الحديدية مظهرها بعد هذا النقل، حيث أصبحت السكة الحديدية مزدوجة، ولكنها لا تزال تمتد بمحاذاة البحر، وهو مشهد يصعب تخيله اليوم بالنظر إلى شكل المحطة الحالي. ووفقًا لما ورد في الموقع الرسمي لحي شيناغاوا، بدأت طلبات ردم البحر تتزايد مع بداية عصر تايشو، خاصة في مناطق مثل ياتسوياماشيتا الساحلية، مما أدى إلى ظهور أراضٍ واسعة تم استصلاحها بحلول أوائل عهد شوا، ما ساهم في تشكيل الملامح الحضرية الجديدة لشيناغاوا بعد نهضة ميجي.
ولعدة سنوات بعد افتتاحها، كانت محطة شيناغاوا مجرد نقطة توقف على خط شينباشي – يوكوهاما، ولم تُدرج ضمن محطات خط يامانوتي إلا في مارس عام 1885، وذلك بعد افتتاح المقطع الذي يربط شيناغاوا بأكاباني. بهذا، تم ربط شيناغاوا بالمنطقة الشرقية من طوكيو عبر خط واحد، وتأسست لاحقًا محطات مثل ميغورو وشيبويا، لتتشكل بذلك حلقة خط يامانوتي تدريجيًا.
وتجدر الإشارة إلى أن محطة شيناغاوا تُعد رسميًا نقطة الانطلاق لخط يامانوتي، وهي معلومة شائعة بين عشاق السكك الحديدية. ففي دليل السكك الحديدية الياباني الرسمي، الصادر تحت إشراف وزارة الأراضي والبنية التحتية والنقل والسياحة، تُذكر شيناغاوا كبداية المسار الذي يمر بمحطات مثل شيبويا، شينجوكو، إيكيبوكورو، ويصل إلى محطة تاباتا التي تُعد نقطة النهاية. وداخل ردهة المحطة، يمكن العثور على ”صندوق بريد الصفر كيلومتر“، الذي يرمز إلى بداية خط يامانوتي.
صندوق بريد الصفر كيلومتر في محطة شيناغاوا يشير إلى أن هذه المحطة هي ”نقطة الانطلاق“ الرسمية لخط يامانوتي ( © بيكستا)
ومن هذا يتبيّن أن ما يُعرف عمومًا بمسار خط يامانوتي يشير بدقة إلى المسافة التي تبلغ 20.6 كيلومترًا بين المحطتين الرئيسيتين في الجنوب والشمال، بينما يُعد المسار الممتد من الشمال إلى وسط المدينة جزءًا من الخط الرئيسي المتجه إلى الشمال الشرقي، والمسار الممتد من وسط المدينة إلى الجنوب جزءًا من الخط الرئيسي المتجه إلى الجنوب الغربي.
لغز وقوع محطة شيناغاوا في حي ميناتو وليس في حي شيناغاوا
هناك قصة شهيرة أخرى، وهي أن محطة شيناغاوا تقع في ”حي ميناتو، تاكاناوا، 3 تشومي“، وليس في ”حي شيناغاوا“. فما سبب ذلك يا ترى؟
إنّ اسم محطة شيناغاوا مشتق من ”محطة إقامة شيناغاوا“ التي كانت إحدى محطات التوقف على طريق توكايدو القديم. وكانت تُعد مركزًا مهمًا للمواصلات، تقع على بُعد حوالي ثمانية كيلومترات من نقطة البداية في نيهونباشي.
رسم توضيحي لمحطة إقامة شيناغاوا كما تم رسمها في ”الخرائط المصورة لمحطات طريق توكايدو“. يظهر في الجهة اليمنى اتجاه نيهونباشي، وفي الجهة اليسرى اتجاه كاواساكي. وهي نسخة من الخريطة التي رُسمت حوالي عام 1690 (أرشيف مكتبة البرلمان الوطنية)
لوحة ”محطة شيناغاوا ضمن المحطات الثلاث والخمسين على طريق توكايدو“ للفنان أوتاغاوا هيروشيغي. تحمل عنوان ”رحيل الحكام الإقطاعيين“، وفيها مشهد موكب أحد الدايميو (الحكام الإقطاعيون) ضمن نظام السانكين كوتاي (الإقامة الإجبارية للحكام الإقطاعيين في إيدو). (أرشيف قسم المجموعات الخاصة بمكتبة محافظة طوكيو المركزية)
أصل اسم ”شيناغاوا“ وتاريخها العريق
يتداول حول أصل اسم ”شيناغاوا“ عدة روايات، لكن هناك روايتان تُعدان الأكثر شيوعًا:
- الأولى تشير إلى أن الاسم مشتق من عبارة تعني ”الأرض ذات الجودة العالية“، حيث أُطلق اسم ”شينا غاوا“ (حلقة الجودة) تكريمًا لجودة الأرض، تماشيًا مع اسم القرية المجاورة ”تاكا ناوا“ (الحلقة المرتفعة) حسب سجلات إقليم موساشي الجغرافية الجديدة.
- الثانية تفيد بأن الاسم جاء نتيجة لتغيير اسم نهر ميغورو القديم ”شيموناشيغاوا“ إلى ”شيناغاوا“، وهو ما توثقه مصادر مثل كتاب نانكوتشاوا.
معظم الدراسات والمراجع تميل إلى صحة الفرضية الثانية، التي تقول إن اسم ”شيناغاوا“ مشتق من خصائص النهر والتضاريس المائية المحيطة بالمكان. ويُذكر أن أول ظهور موثق لاسم ”شيناغاوا“ كان في ”مخطوطات تاشيرو“ عام 1184. أما عشيرة شيناغاوا، العائلة الإقطاعية التي حكمت المنطقة، فتم ذكرها في وثيقة ”أوامر كانتو“ الصادرة عام 1223.
يشير المؤرخ أوئيشي منابو إلى أن ميناء شيناغاوا كان قائمًا منذ القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وازدهر في فترة المقاطعات المتحاربة تحت حكم عائلة هوجو، ليصبح مركزًا مهمًا للملاحة البحرية.
كما يؤكد الباحث في تاريخ المدن سوزوكي ماساؤ أن طوكيو كانت تضم منذ القرن الثالث عشر ثلاثة موانئ رئيسية: أساكوسا، إيدو، وشيناغاوا. وتذكر وثائق مثل ”مخطوطات معبد إنغاكوجي“ أن حوالي ثلاثين سفينة كانت ترسو في ميناء شيناغاوا، الذي احتوى أيضًا على مكاتب تجارية مختصة بنقل البضائع البحرية.
بحسب تلك الدراسات، كان توكوغاوا إيياسو على علم بأهمية ميناء شيناغاوا كمركز تجاري مزدهر قبل دخوله إلى إيدو، وقد استغل هذا الموقع الاستراتيجي بشكل كبير في بناء المدينة. ولولا وجود شيناغاوا، لما تحقق ازدهار إيدو كما نعرفه.
يمكن القول إن شيناغاوا كانت حجر الأساس لتطور إيدو، مما يجعل من الطبيعي أن تنمو لتصبح واحدة من أبرز محطات الإقامة في اليابان.
مواقع تاريخية مرتبطة بالقوميين في الحكومة الشوغونية
ونظرًا لأهميتها الكبيرة، ارتبطت هذه المنطقة بعدد من الأحداث والشخصيات المحورية في التاريخ الياباني، خاصة خلال المراحل الأخيرة من عهد الشوغونية. ويشير المؤرخ أندو يوئيتشيرو إلى أن أبرز هذه الأمثلة تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر.
في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول عام 1862، اجتمع عدد من القوميين من مقاطعة تشوشو (التي تُعرف اليوم بمحافظة ياماغوتشي) في حيّ بيع الهوى المعروف باسم ”دوزو ساغامي“، والذي كان يقع جنوب محطة شيناغاوا. ومن بين المجتمعين كان كل من تاكاسوغي شينساكو، وإيتو شونسوكي، الذي أصبح لاحقًا أول رئيس وزراء لليابان باسم هيروبومي إيتو. وقد هدف هذا الاجتماع السري إلى التخطيط لحرق مبنى السفارة البريطانية، الذي كان لا يزال قيد الإنشاء في مكان قريب.
وربما كان اختيارهم لهذا الحي، الذي يضجّ بالحركة والاختلاط، نابعًا من رغبـتهم في التمويه والابتعاد عن أعين المراقبة. وقد نجحت العملية بالفعل، وأسفرت عن حرق المبنى. ولا يزال الموقع الذي شهد الاجتماع الأول محفوظًا اليوم، حيث أقيم فيه نصب حجري يُعرف باسم ”أطلال دوزو ساغامي“.
(إلى اليسار) تاكاسوغي شينساكو قائد فرقة ”كيتاهيتاي (الجنود غير النظاميين)“ من كتاب ”صور الشخصيات البارزة في العصر الحديث – الجزء الثاني“، (إلى اليمين) إيتو شونسوكي (عُرف لاحقًا باسم هيروبومي) عندما كان من القوميين في أواخر فترة الحكومة الشوغونية، من كتاب ”تاريخ ثمانين عامًا من إعادة النظر على عصور إيدو، وميجي، وتايشو – الجزء الثالث“. (كلا الصورتين من أرشيف مكتبة البرلمان الوطنية)
نُصب تذكاري إلى جوار قبر إيتاغاكي تايسوكي (© بيكستا)
عند السير من محطة شيناغاوا على طول طريق كيهين الأول باتجاه كاواساكي، سيقودك الطريق إلى ضريح شيناغاوا، حيث يقع في الجزء الخلفي من الحرم قبر إيتاغاكي تايسوكي، أحد الشخصيات القومية البارزة من مقاطعة توسا (محافظة كوتشي حاليًا). اشتهر إيتاغاكي بقيادته لحركة الحرية والحقوق الشعبية خلال عصر ميجي. وبالقرب من قبره، يقف نصب تذكاري حجري نُقشت عليه عبارته الشهيرة: ”حتى إن مات إيتاغاكي، فإن الحرية لا تموت“، وهي الكلمات التي يُقال إنه نطق بها عند تعرّضه لمحاولة اغتيال.
وفي مكانٍ آخر هادئ بالمنطقة، تقع حديقة صغيرة تنعم بالسكون، وتقوم على بقايا المقر الرئيسي (هونجين) لمحطة إقامة شيناغاوا القديمة. وتحمل هذه الحديقة اسم ”سيسيكي“، والذي يعني ”الموقع المقدس“، نسبةً إلى ارتباطها بذكرى زيارة الإمبراطور ميجي. ففي عام 1868، وأثناء رحلته من كيوتو إلى طوكيو في أعقاب نهضة ميجي ونقل العاصمة، توقّف الإمبراطور للراحة في هذا المكان المميز، الذي كان يُعد آنذاك أعلى أماكن الضيافة رتبة في محطات الطريق.
إن شيناغاوا غنية بالمعالم التي تحكي فصولًا مؤثرة من التاريخ، وتشكل كنوزًا لا تُقدّر بثمن لعشّاق أواخر حقبة الشوغونية وبدايات عصر النهضة الحديثة في اليابان.
【معلومات محطة شيناغاوا】
- الافتتاح: 12 يونيو/حزيران 1872
- متوسط عدد الركاب اليومي: 248,650 راكبًا (المرتبة 5 من أصل 30 محطة وفقًا لإحصاءات شركة جي آر شرق اليابان للسكك الحديدية للسنة المالية 2022)
- الخطوط التي تمر عبر المحطة: خط كيكيو الرئيسي، وهي محطة توقف لخطوط قطارات يامانوتي، خط توكايدو الرئيسي، خط كيهين توهوكو، خط يوكوسوكا، وخط شينكانسن توكايدو التابعة لشركة جي آر
【المراجع】
- ”شيناغاوا بعد نهضة ميجي“، إصدار حي شيناغاوا
- ”أسرار أسماء المحطات المرتبطة بالجغرافيا في منطقة طوكيو“، أوتشيدا سوجي، دار جيتسوغيو نو نيهونشا للنشر
- ”معجم أصول أسماء الأماكن في طوكيو“، تحرير تاكيؤتشي ماكوتو، دار طوكيودو للنشر
- ”سلسلة قراءة إيدو وطوكيو من خلال أسماء المحطات“، أوئيشي مانابو، دار PFH للنشر
- ”أصل أسماء الأماكن في أحياء طوكيو الـ 23“، كانيكو تسوتومو، دار غنتوشا للنشر
- ”جغرافيا وأسماء الأماكن في إيدو وطوكيو“، سوزوكي ماساؤ، دار نيهون جيتسوغيو للنشر
- ”جولة في إيدو على طول خط يامانوتي“، أندو يوئيتشيرو، دار أوشيو للنشر
(النص الأصلي باللغة اليابانية، صورة العنوان الرئيسي: محطة شيناغاوا في أواخر عصر ميجي. كانت بجانب البحر مباشرة. تُظهر هذه الصورة، الملتقطة عام 1896 بعد انتقال المحطة إلى موقعها الحالي، عددًا من خطوط السكك الحديدية المتجاورة. (أرشيف متحف السكك الحديدية)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | محطة شيناغاوا (JY25): المحطة المنسية التي ولدت فيها السكك الحديدية اليابانية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.