لأن الطيور أهم مكونات الحياة الطبيعية، وجزء أساسي في التنوع البيولوجي على كوكب الأرض؛ فإن عمليات الصيد الجائر والمتزايد للطيور المتوطنة والمهاجرة تمثل أهم أسباب تدهور الطبيعة.

والمشكلة هنا أن أكبر عمليات صيد وقتل الطيور تتم في منطقة البحر المتوسط، ومن بينها مصر.. دلل على ذلك التقرير الذي صدر مارس الماضي عن منظمة bird life international أكبر منظمة معنية بالطيور على مستوى العالم، وأشار إلى صيد وقتل حوالي 25 مليون طائر تمثل 375 نوعًا من الطيور، وذلك فقط في دول حوض المتوسط، بما يهدد التنوع البيولوجي جوًا وبرًا وجميع المسطحات المائية.

هذا التقرير حدا بالجمعية المصرية لحماية الطبيعة برئاسة الدكتور خالد النوبي، بالتعاون مع جمعية كتاب البيئة والتنمية برئاسة الكاتب الصحفي الدكتور محمود بكر؛ لإطلاق حملة تحت عنوان (حتى تعود الطيور)، وذلك بنقابة الصحفيين، في حضور نقيب وأعضاء مجلس النقابة وخبراء من إدارة المحميات الطبيعية بوزارة البيئة.

ولأن مصر تمثل أهم أحد المسارات العالمية لهجرة الطيور، كما تحتضن تنوعًا كبيرًا من الطيور المقيمة التي تستوطن بيئتها الطبيعية، لكن بدلًا من أن تكون مصر محطة آمنة لاستراحة الطيور المهمة، تحولت بعض مناطقها وعلى رأسها بحيرة ناصر إلى ساحات مفتوحة للصيد الجائر، تستباح فيها الطيور المهاجرة والمقيمة بأساليب غير قانونية وتحت غطاء سياحي في بعض الأحيان.

الدكتور خالد النوبى شرح الدور الذي تقوم الجمعية المصرية لحماية الطبيعة على مدار السنوات السابقة، حيث وثقت خلال موسم صيد 2023 نمطًا خطيرًا ومتكررًا من ممارسات الصيد الجائر في بحيرة ناصر، تمثلت في 15 رحلة صيد غير قانونية إلى البحيرة، شارك فيه 87 صيادًا أجنبيًا، معظمهم من جنسيات أوروبية، ومنهم من يواجهون ملاحقات قانونية في بلدانهم على خلفية انتهاكات بيئية.

للأسف- وفقًا لتقرير المنظمة الدولية التي أشرت لها مسبقًا، والذي شمل 46 دولة مع التركيز على 22 دولة متوسطية تعد أكثر المناطق ممارسة للصيد غير القانوني- تم تصنيف مصر ضمن أعلى 9 دول بحاجة إلى إجراءات صارمة من هذه الظاهرة، ويقدر التقرير أن أكثر من 5.7 مليون طائر تقتل سنويًا بما في ذلك أنواع نادرة ومهددة بالانقراض.

الجزء الإيجابي الذي أشاد به مسؤولو المحميات وأعضاء الجمعية المصرية لحماية الطبيعة خلال مؤتمر إطلاق الحملة الوطنية، هو قرار وزارة البيئة بمنع الصيد تمامًا في بحيرة ناصر.. فقد مثل قرار الحظر على مدار العامين الماضيين نقطة تحول بيئية فارقة، حيث أتاح الفرصة للمنطقة لاستعادة توازنها البيئي، وبدأت أنواع من الطيور كانت مهددة بالاختفاء في العودة مرة أخرى.

أما الجزء السلبي فإن قرار حظر الصيد في بحيرة ناصر تم اتخاذه من محافظة أسوان، في حين أن البحيرة تمتد إلى محافظة الوادي الجديد، ما قد يسمح بالصيد في مناطق أخرى من البحيرة، فالمفترض أن بحيرة ناصر تمثل نظامًا بيئيًا متسقًا ووحدة طبيعية متكاملة، لا يجوز التعامل معها كمساحات منفصلة تخضع لحدود إدارية متباينة، بل كجسم مائي واحد تتكامل أجزاؤه بيئيًا ووظيفيًا، ولا يصح بأي حال من الأحوال الفصل الإداري أو التشريعي بين مكوناته، لما سيشكله ذلك من تهديد مباشر لفعالية الإدارة البيئية، وتعطيل لجهود الحماية المتكاملة.

وما يزيد الأمر سوءًا أنه بالرغم من سريان قرار الحظر خلال العامين الماضيين، فقد لوحظ توجه بعض الصيادين إلى مناطق الواحات، التي تُعد من أكثر النظم البيئية هشاشة ولا تحتمل مثل هذه الممارسات، وهو ما يُبرز الحاجة المُلِحّة ليس فقط إلى تمديد قرار الحظر بل أيضًا إلى توسيعه جغرافيًا ليشمل جميع المواقع ذات الأهمية البيئية، علمًا بأنه ليس هناك قرار بحظر الصيد في مناطق الواحات.

خلال المؤتمر أصدرت الجمعية المصرية لحماية الطبيعة بيانًا شددت فيه على أهمية الاستمرار في تطبيق قرار الحظر، وأعربت عن تخوفها من أن عدم تجديد القرار أو التهاون في تنفيذه، سيمهد الطريق لعودة أنشطة الصيد غير القانوني، وعودة الفوضى مرة أخرى، لذلك طالبت في بيانها بتجديد قرار حظر الصيد في بحيرة ناصر لعام إضافي (2025–2026) دون استثناءات، مع توسيع نطاقه جغرافيًا ليشمل المناطق البيئية الهشة مثل الواحات المصرية.. وتفعيل وتطبيق القوانين البيئية بحزم، وملاحقة جميع المتورطين في أنشطة الصيد الجائر، أيًا كانت جنسياتهم أو الشركات الداعمة لهم.. وتعزيز التعاون بين الوزارات المعنية وعلى رأسها وزارة البيئة، وزارة السياحة، وزارة الداخلية، لضمان إحكام الرقابة الفعالة على البحيرة ومحيطها.

ألفت سعد – بوابة روز اليوسف