في لحظة صادمة ومليئة بالتوتر، يكشف رجل طاعن في السن يرقد على سرير المستشفى عن هويته الحقيقية: كيريشيما ساتوشي، الهارب المطلوب منذ خمسين عامًا بتهمة الإرهاب الداخلي. هكذا تبدأ قصة «الهروب»، الفيلم الذي يسلط الضوء على حياة رجل عاش في الظل لعقود، حتى وافته المنية بسرطان المعدة. في هذه المقالة، يكشف المخرج أداتشي ماساو عن الدوافع العاطفية التي دفعته لصنع هذا العمل الاستثنائي، الذي يتجاوز كونه مجرد دراما، ليصبح صدى لتاريخ من النسيان والمطاردة.
(© لجنة إنتاج فيلم الهروب 2025)
شهد العالم في شهر يناير/كانون الثاني عام 2024 ظهورا مفاجئا لرجل كان هاربا من العدالة لما يقرب من نصف قرن. فقد كشف في المستشفى الذي تم تشخيص إصابته فيه بسرطان المعدة في مرحلته النهائية، فجأة عن هويته الحقيقية بأنه كيريشيما ساتوشي، أحد أكثر المجرمين المطلوبين للعدالة في اليابان، والذي كان مطاردا لتورطه في سلسلة من تفجيرات بالقنابل استهدفت شركات في عامي 1974 و1975. وعلى مدار 50 عاما، كانت صورة كيريشيما بشعره الطويل ونظاراته ذات الإطار الأسود وابتسامته الشيطانية معلقة في مراكز الشرطة ومحطات القطار في جميع أنحاء البلاد. وأصبح وجهه من أكثر الوجوه شهرة في اليابان. وقد أثار خبر ظهوره ضجة على مستوى البلاد. وقد لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أربعة أيام فقط، في 29 يناير/كانون الثاني.
في وقت سابق من ذلك الشهر، تم إدخاله إلى مستشفى في كاماكورا بحافظة كاناغاوا، تحت الاسم المستعار أوتشيدا هيروشي. وفي 25 يناير/كانون الثاني، كشف عن هويته الحقيقية للسلطات في المستشفى. وفي اليوم التالي، استجوبه مكتب الأمن العام التابع لشرطة العاصمة طوكيو، وهو ما أحدث ضجة كبيرة.
ملصق شخص مطلوب لكيريشيما ساتوشي، على اليسار (© لجنة إنتاج فيلم الهروب 2025).
أكدت اختبارات الحمض النووي هويته في 27 فبراير/شباط. وقدمت شرطة العاصمة وثائق لملاحقته قانونيا على خلفية تورطه في خمس هجمات تفجيرية. إلا أن مكتب المدعي العام لمنطقة طوكيو قرر في 21 مارس/آذار عدم متابعة القضية نظرا لوفاة المشتبه به.
فيلم من إخراج عضو سابق في الجيش الأحمر الياباني
بعد أكثر من عام بقليل، تم إصدار فيلم سينمائي من القصة، يلعب فيه كيريشيما دور البطولة. وقد شارك المخرج أداتشي ماساو أفكاره حول ما جذبه إلى هذه القصة، وشغفه بالغموض الذي يعتري القصة فيما يخص سبب اختيار كيريشيما الكشف عن هويته وعيش أيامه الأخيرة باسمه الحقيقي. قليلون من لهم القدرة مثل أداتشي على استكشاف عقلية ذلك الخارج عن المجتمع الذي استند إلى مثالية مفرطة قادته إلى مسار خاطئ، حيث تتقاطع خلفيته الشخصية وتجربته مع تعقيدات حياة كيريشيما.
ينتمي أداتشي إلى جيل سابق لفترة ”لجان النضال المشترك في الجامعات (زينكيوتو)“ التي أحدثت اضطرابات ذات طابع يساري في الجامعات اليابانية في ستينات القرن الماضي، وكان قد شارك في احتجاجات عام 1960 على مراجعة معاهدة الأمن بين اليابان والولايات المتحدة. لكنه لم يشارك في الاضطرابات التي تلت ذلك، مفضلا المراقبة عن بعد حركة اليسار الجديدة وهي تتطور في البلاد. وقد أبعد نفسه عن الحركات الراديكالية طوال أواخر الستينات وحتى السبعينات، مفضلا التأمل في السياسة والسينما والثورة من منظور فنان. وبالإضافة إلى تطوير رؤيته المميزة تجاه الحركة بصفته ناقدا ومنظرا، كان أيضا ناشطا حيث استخدم صناعة الأفلام كمنصة للتعبير عن آرائه السياسية.
الممثل فوروتاتشي كانجي يؤدي دور كيريشيما في فترة منتصف العمر وما بعدها (© لجنة إنتاج فيلم الهروب 2025).
بدأ أداتشي في سبعينات القرن الماضي بالسفر إلى الشرق الأوسط كصحفي، باحثا في أنشطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقال مازحا إن دافعه كان معرفة إن كان ”رجل سكّير من شينجوكو قادرا على أن يصبح ثوريا“. وفي عام 1974، سافر إلى فلسطين مجددا، حيث التقى شيغينوبو فوساكو، وهي شخصية بارزة في الجيش الأحمر الياباني. وانخرط أداتشي بشكل مباشر أكثر في النضال السياسي، حيث عمل ناطقا رسميا باسم الجيش الأحمر الياباني. أدرج اسمه على قائمة المطلوبين دوليا، واعتقل في لبنان عام 1997، حيث قضى ثلاث سنوات في السجن قبل ترحيله إلى اليابان عام 2000. وبعدها استأنف عمله كمخرج سينمائي، ولا تزال مسيرته الفنية الحافلة مستمرة حتى يومنا هذا.
تصدر أداتشي عناوين الأخبار في سبتمبر/أيلول عام 2022، بعد إطلاقه السريع لفيلم ”الثورة +1“، وهو فيلم يصور حياة الشاب الذي اغتال رئيس الوزراء السابق شينزو آبي. وقد تم تعجيل إصدار الفيلم ليتزامن مع جنازة آبي الرسمية، تبع ذلك إصدار نسخة نهائية أكثر صقلا بعد ثلاثة أشهر.
يكمل هذا الفيلم الجديد مسيرة أداتشي في إنجاز أعماله بسرعة بشكل طموح. فما الذي يدفعه لإنتاج أفلامه بهذه السرعة؟ عبر أداتشي عن تأملاته عند سماعه بأن كيريشيما كشف عن هويته الحقيقية قائلا.
”أذهلني مدى نجاحه في الإفلات من القبض عليه كل هذه السنوات، وصدمني عندما أعلن عن هويته أخيرا. ظللت أفكر في الأمر لساعات بعد سماعي الخبر. لماذا سلم نفسه بينما كان بإمكانه أن يموت دون أن يكتشف أمره؟ لقد كان قريبا جدا من تحقيق هروب مثالي. ثم أدركت في نهاية المطاف أنه بكشفه عن هويته، كان مستعدا للتعبير عن كل ما مرّ به خلال فترة هروبه. حينها أدركت أنني يجب أن أخرج فيلما عنه، وعقدت العزم على القيام بذلك في أسرع وقت ممكن“.
”أعتقد أنه أراد أن يوضح للناس أن حياته في الخفاء كانت شكلا من أشكال الكفاح. ومن خلال ذلك التصريح كان يوجه رسالة إلى رفاقه أولئك الذين أنهوا حياتهم والذين نجوا وأولئك الذين سجنوا. وحين فهمت هذا، أصبح موضوع الفيلم واضحا بالنسبة لي وشعرت بالثقة في المضي قدما وإنجازه على الفور“.
كفاح الحياة اليومية في رحلة الهروب
يصور أداتشي في الفيلم مشاهد من حياة كيريشيما السرية المنعزلة، ويستحضر شخصيات خيالية يتحاور معها من بينهم رفاق من الماضي ونسخ سابقة من نفسه.
بعد سلسلة من الحوارات الداخلية، يبلغ كيريشيما أنه لم يتبق له سوى أسبوع واحد من عمره، فيجد أخيرا المخرج الذي لطالما بحث عنه وهو أن ينهي حياته باسم كيريشيما ساتوشي. ومن خلال هذا المسار من مراجعة الذات، لا يسعى أداتشي إلى تصوير إيمان كيريشيما الراسخ بالثورة فحسب، بل أيضا صراعه الصادق مع مخاوفه اليومية ورغباته. ومن خلال تساؤلات كيريشيما الذاتية، فإن المشاهدين مدعوون للتواصل مع رجل يبدو عاديا في الظاهر، لكنه كان يعاني بداخله من صراع بين ثمن دفعه بسبب قيمه وشغفه بالحياة الدنيوية.
كيريشيما كان يكسب رزقه من عمله كعامل يومي (© لجنة إنتاج فيلم الهروب 2025).
”كان طموحه الحقيقي عندما كان شابا هو تأسيس فرقة موسيقية. ولكن عندما التحق بالجامعة، التقى بناجين من حركة اليسار الجديدة، وبدأ يأخذ القضايا الاجتماعية بجدية أكبر، واشتعل شغفه بالعدالة الاجتماعية. لا أعتقد أنه رأى نفسه يوما ثوريا حقيقيا. وفي تلك الأيام، تم اعتقال أو ملاحقة ما يقارب من 10 آلاف شخص بسبب مشاركتهم في احتجاجات الطلاب“.
”بمجرد انقضاء مدة التقادم القانونية، عاد الكثير منهم إلى ديارهم، وتولوا إدارة أعمال العائلة، وتراجعوا عن آرائهم أو أداروا ظهورهم للحركة. لكن ما أريد قوله هو أنه حتى أولئك الذين عادوا إلى حياتهم اليومية، غالبا ما كان ذلك بمثابة بداية صراع جديد داخل سياق حياتهم العادية“.
أداتشي ماساو يتحدث عن فيلم الهروب (© هاناي توموكو).
وراء هذه الفكرة يكمن قلق أداتشي العميق والمستمر إزاء الوضع المتدهور الذي يعيشه الشباب في اليابان اليوم، وهو أمر عانى منه منذ عودته إلى وطنه قبل 25 عاما، بعد أن قضى 26 عاما في الخارج.
”عندما عدت، شعرت أنني مثل أوراشيما تارو، الشخصية من الحكاية الشعبية التي تعود إلى وطنها بعد ما يعتقد أنها إقامة قصيرة في قصر التنين تحت البحر، لتكتشف أن قرونا قد مضت. بدت الأنظمة القديمة التي عرفتها وكأنها قد اندثرت، وقد صدمت من واقع حياة الشباب، التي أصبحت أكثر صعوبة من ذي قبل. كان هناك شعور بالاختناق، كما لو أن الناس ملفوفون بالقطن، ولا يستطيعون حتى التعبير عما يخنقهم من الوضع. وبعد أكثر من عشرين عاما، لم يزدد الأمر إلا سوءا. لا تكمن المسألة في إلقاء اللوم على جيل الشباب. إنه ليس خطأهم. نحن الجيل الأكبر سنا (أقصد جيلي) هو من شكّل هذا المجتمع ونحن المسؤولون عما آلت إليه الأمور. وأيضا أولئك الذين جاؤوا بعدنا وكانوا جزءا من لجان النضال المشترك في الجامعات. الهزيمة التي ألحقناها بأنفسنا هي التي صنعت العصر الحالي. إن أهم ما يمكننا فعله هو تقبل هذه الحقيقة وأن نتحمل مسؤوليتنا عنها في تفاصيل حياتنا اليومية“.
(© لجنة إنتاج فيلم الهروب 2025).
الإعلان الرسمي للفيلم باللغة اليابانية
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. التقرير والنص بقلم ماتسوموتو تاكويا من Nippon.com. صور أداتشي ماساو © هاناي توموكو، صورة العنوان: مخرج الفيلم أداتشي ماساو. © هاناي توموكو)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | ”الهروب“... فيلم ياباني يروي القصة الحقيقية لرجل أفلت من العدالة نصف قرن! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.