كتبت: ياسمين عمرو في السبت 13 سبتمبر 2025 10:03 صباحاً - تُعتبر فترة المراهقة واحدة من أكثر المراحل العمرية إثارة للتحديات في التربية، حيث يبدأ الشاب أو الفتاة في تشكيل هويتهم الخاصة، وإثبات استقلاليتهم عن الأسرة، ومن أبرز "ساحات المعارك" التي تنشأ بين الوالدين والمراهقين، تأتي معركة الملابس في مقدمتها، قد يبدو الأمر للبعض تفصيلاً صغيراً، لكنه في الحقيقة يعكس صراعاً عميقاً بين الحرية الفردية والقيم الأسرية والاجتماعية.
في هذا المقال، سنستعرض أسباب هذه المعركة، نتائجها، وطرق الإقناع الفعّالة التي يمكن أن تساعد في تجنّب تصاعد الخلافات، كما سنعرض قصتين واقعيتين لأبوين واجها هذا الموقف بطريقتين مختلفتين.
لماذا تبدأ معركة الملابس؟
التأثر بالأصدقاء

في هذه المرحلة، يكون للأصدقاء التأثير الأكبر، إذا ارتدى صديق المراهق نوعاً معيناً من الأحذية أو التيشرتات، فسيشعر أنه مضطر لارتداء الشيء نفسه كي لا يبدو مختلفاً أو خارج المجموعة، وذلك بسبب حاجته للانتماء والتقبل، حيث يوفر له الأصدقاء شعوراً بالتقبل الاجتماعي ويعزز ثقته بنفسه.
كما أن للتغيرات النفسية والجسدية دوراً كبيراً في التأثر بالأصدقاء، فخلال مرحلة المراهقة، يبدأ المراهق في الانفصال التدريجي عن سلطة الوالدين، ويبدأ في تكوين آرائه الشخصية، ويصبح الأصدقاء مرجعاً هاماً له، ومن منطلق الاستقلال وتجريب الجديد، يميل المراهقون إلى استكشاف تجارب جديدة، والأصدقاء غالباً ما يكونون محفزاً لهذه التجارب، كما أنهم يساهمون في استقلال المراهق في اتخاذ قراراته، التي يعتمد على أصدقائه في دعمها؛ إذ توفر الصداقات القوية شبكة دعم عاطفي هائلة للمراهقين، مما يساعدهم على تجاوز الأزمات النفسية والمشاعر السلبية كالإحباط والقلق.
وقد ينجرف المراهق وراء مجموعة من الأصدقاء للحفاظ على شعوره بالانتماء، حتى لو كان ذلك يعني تقليدهم في سلوكيات قد لا يرضى عنها، وذلك في محاولة غير واعية لتجنب الرفض، وفي النهاية تساعد الصداقات المراهق على تطوير مهارات التواصل والتعاون عند المراهق، وفهم الآخرين والتعاطف معهم، وهي مهارات أساسية للنمو النفسي السليم.
إثبات الهوية الشخصية
أحد الأسباب الرئيسية لارتباك الهوية لدى المراهقين هو الضغط من أجل التوافق مع الأعراف والتوقعات الاجتماعية، عندما يصبح عالمنا أكثر ترابطاً قد يتم قصف المراهقين باستمرار بالصور والروايات المثالية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات والثقافة الشعبية، غالباً ما تقدم هذه الصور معايير غير واقعية للجمال والنجاح والسعادة، ونتيجة لذلك، يشعر المراهقون بعدم الكفاءة أو الانفصال عن ذواتهم الحقيقية. بما في ذلك تآكل الثقة؛ يدخل في هذا أيضاً حب واحترام هوية الفرد.
لذلك يحاول المراهق أن تكون هويته معقدة ومتعددة الأبعاد بطبيعتها؛ لأنه يتأثر بعوامل كثيرة بما في ذلك العلاقات داخل الأسرة، الخلفية الثقافية والتجربة الشخصية، قد يتعين على المراهقين التعامل مع أسئلة حول العرق والدين والحالة الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها من التابوهات، لذلك يسعى لأن يكون له "ستايله الخاص" الذي يميّزه عن الآخرين، حتى لو كان ذلك عبر ارتداء بنطلون ممزق أو قبعة غريبة الشكل. الملابس بالنسبة له ليست مجرد قماش، بل وسيلة للتعبير عن الذات، وإثبات الهوية الشخصية.
التمرد على القوانين الأبوية
الملابس في بعض الأحيان تصبح ساحة لإعلان "أنا مستقل"، المراهق قد يرفض لبس ما يريده الوالدان لمجرد أنه "فرض" عليه، وتلعب التغيرات الجسدية عند المراهق دوراً كبيراً في تقلبات المزاج والسلوك، الذين يواجهون ضغوطاً اجتماعية كبيرة من أقرانهم، مما قد يؤثر على سلوكهم، فيشعرون بعدم الفهم من قبل آبائهم، ما يدفعهم إلى التمرد.
ولا يخفى ما لتدهور العلاقات الأسرية، من علاقة مع التمرد، فهي تزيد من الشعور بالتوتر والانزعاج، كما قد يؤثر التمرد على تركيز المراهق ودوافعه، ما يؤدي إلى انخفاض في تحصيله الدراسي.
الاختلاف بين الأجيال

الوالدان يرون الملابس من منظور "الذوق والستر والقبول الاجتماعي"، بينما المراهق يراها من منظور "الموضة والجرأة والتميز"، هذا التباين يولّد الصدام، وقد ظهر صراع الأجيال؛ نتيجة الاختلافات الثقافية والفكرية بين الأجيال المختلفة، أو ما يُعرَف بـ"الفجوة بين الأجيال"، والتي تعكس الفروقات في الآراء، والقِيَم، والاتِّجاهات، والتصوُّرات العامّة عن الحياة، والعلاقات بين الجيلَين، وخاصَّةً بين الأجيال الشابَّة وكبار السِّنّ؛ إذ إنّ كلّ جيل نشأ في ظروفٍ مُعيَّنة، وتأثَّر بتجاربه وبالمجتمع الذي عاش فيه، وبالثقافة التي تميَّز بها زمنه.
وبالرغم من أنّ الفجوة بين الأجيال ليست شيئاً سلبياً بالضرورة، بل يُمكن أن تكون مصدر إثراء وتبادل ثقافي، إلّا أنّ سوء التعامل معها هو ما يُؤدّي إلى الصِّراع بين الأجيال؛ بعدم الحِوار الفعّال، وعدم رضا كلّ جيل عن الآخر؛ إذ يرى الجيل القديم أنّ أصحاب الجيل الجديد لا خبرة لديهم، ولا يحترمون العادات، والتقاليد، وآراء الكبار، وأنَّهم مُنفَتحون جدّاً، وفي المقابل، يرى الجيل الجديد أنّ الجيل القديم مُتشدِّد ولا يتماشى مع تغييرات العصر الحديث، ممّا يُسبّب الصِّدام والعِدائيَّة، والنُّفور بين الجيلَين.
التأثر بالمشاهير ووسائل التواصل
الإنستغرام، تيك توك، ويوتيوب مليئة بنماذج ملهمة للمراهقين، التقليد هنا يصبح وسيلة للشعور بالحداثة والانتماء لعصرهم، فإذا كان الأهل أو المحيط الذي يعيش فيه المراهق من المتابعين الدائمين للمشاهير وأخبارهم ونمط حياتهم، وكانت قصص المشاهير وأخبارهم حاضرة في كل وقت، فهذا سيؤثر بشكل كبير على نظرة المراهق إلى المشاهير ومشاعره تجاههم وتأثره بهم اعتقاداً منه أن المشاهير مثاليون، وحياتهم خالية من المشاكل ومليئة بالترف والسعادة يجعله يحلم بأن يعيش هذه الحياة حتى في خياله، واتباع أسلوب المشهور في الكلام واللباس والتصرف يقرّب المراهق من هذا الحلم، حيث يقضي وقتاً على مواقع التواصل الاجتماعي مدمناً عليها لإزالة الفجوة والمساحة بين الجمهور عموماً والمراهقين خصوصاً من جهة وبين المشاهير من جهة أخرى، مما ساعد في زيادة ظاهرة هوس المشاهير والتعلق بهم وذلك بسبب سهولة التعرف إلى حياتهم ومتابعتهم، والدخول أكثر في التفاصيل الجذابة في حياة المشاهير من خلال حساباتهم الشخصية.
كل ذلك يحصل بسبب الفراغ العاطفي وحالة التخبط العاطفي التي يمر بها المراهقون، حيث يكون التعلق بالمشاهير نوعاً من أنواع البحث عن الاستقرار العاطفي عند المراهق، فتعلق الفتاة بمطرب جميل وأنيق ليس إلّا نوعاً من محاولة إيجاد قصة عاطفية خيالية، ما يجعل المراهق يحس بأن لديه نوعاً من الثقافة بحيث يكون قادراً على التحدث في اجتماعاته مع أصدقائه والتباهي بمعرفته الشاملة عن حياة مثله الأعلى.
وأهم الأسباب هو الهروب من الواقع، حيث يمكن أن تتسبب المشاكل الاجتماعية للمراهق -خاصة المشاكل بين الأهل أو التعرض للتنمر- بمحاولة المراهق الخروج من واقعه وتخيل عالم افتراضي مع شخص مثالي والذي غالباً ما يكون أحد المشاهير الذين يستهدفون هذه الفئة العمرية لتحقيق الشهرة والأرباح، بالتالي سنجد أن المشاهير يعرفون جيداً كيف يثيرون غرائز المراهقين ودوافعهم ليعزّزوا تعلق أكبر شريحة ممكنة بهم وبحياتهم.
النتائج المحتملة لمعركة الملابس بين الوالدين والمراهقين

تصاعد التوتر داخل الأسرة: النقاشات المتكررة حول "ليش لابس كذا؟" قد تتحول إلى صراخ، وتخلق جوّاً من العناد المستمر.
ضعف الثقة بين الطرفين: إذا شعر المراهق بأن أهله لا يحترمون اختياراته، سيبدأ في إخفاء ملابسه أو تغييرها خارج البيت، ما يقلل من مستوى الثقة المتبادلة.
انعكاسات اجتماعية: في بعض الحالات، الملابس قد تؤثر على صورة المراهق أمام المجتمع أو الأقارب، وقد يشعر الوالدان بالحرج.
تكوين شخصية مستقلة (إيجابية وسلبية): أحياناً الصراع قد يؤدي لنضج المراهق في الدفاع عن اختياراته، لكن إذا أُدير بطريقة خاطئة قد يعزز التمرد والرفض التام للسلطة الأسرية.
طرق الإقناع الفعّالة لتجنب معركة الملابس بين الوالدين والمراهقين
الحوار لا الأوامر
بدل جملة "ممنوع تلبس هذا البنطلون"، يمكن قول: "أنا متفهمة إنك تحب هالستايل، بس خلينا نتكلم عن كيف ممكن تلبس شيء يعبّر عنك وما يسببلك مشاكل مع الناس".
التفاوض
الاتفاق على قاعدة "ملابس البيت والطلعات مع الأصدقاء شيء، والزي العائلي أو المناسبات شيء آخر".
إعطاء خيارات
بدلاً من فرض قطعة محددة، يمكن عرض عدة خيارات ملائمة وترك المراهق يختار بينها، فيشعر أن له حرية القرار.
تفسير وجهة النظر
أحياناً المراهق لا يدرك أن ما يراه "ستايل" قد يُفهم اجتماعياً بشكل سلبي، الشرح بهدوء يساعد على بناء وعيه دون شعوره بالإهانة.
القدوة
إذا رأى المراهق والديه يهتمان بمظهرهما بشكل متوازن بين الذوق والاحترام، سيتعلم تدريجياً أن الملابس ليست مجرد تقليد أعمى للآخرين.
أخطاء تقع بها الأمهات عند اختيار الزي المدرسي للبنات
قصص على ألسنة المراهقين والآباء

كنت أخفي ما أحب
كنت أكره بشدة اختيار أمي لملابسي، لذلك سمحت لي باختيار ملابسي بنفسي في الصف الثالث تقريباً. نعم، في الصف الثالث.
الآن، سأعترف تماماً بأن مظهري كان غريباً في بعض الأيام. لكنني لم أكن أهتم حقًا بعدم تناسق ملابسي. عادةً ما كنت أختار ما يعجبني من بنطلون وقميص (والذي كان يُغطى عادةً بسترة من نوع ما)، صحيح أن والدي وزوجته العنيدة لم يعجبهما الأمر، لكن بصراحة، كانت آراؤهما خاطئة لأنني لم أكن الفتاة المثالية.
الأيام الوحيدة التي كانت أمي تختار ملابسي فيها كانت يوم التصوير، وكانت تطلب مني أن أرتدي ملابس متطابقة عندما أذهب إلى منزل أبي الذي انفصل عن أمي، كنت أكره الذهاب إلى هناك، كنت أخفي ما أحب، وكان نصف ملابسي من متاجر مستعملة نعم، المتجر الأنثوي الأنيق الذي تجده أمي في معظم المراكز التجارية.
ثقفي ابنتك
تقول إحدى الأمهات: "أعلم، أنه لأمرٌ مُريع أن تُطوّر ابنتكِ أسلوبها الخاص في الملابس، هل تعلمين أنهم يُصنّعون قمصاناً قصيرة للارتداء؟ إذا أرادت ابنتكِ ارتداء قميص قصير، فلا تُخجليها من جسدها بإخبارها أنه لا يُمكنها ارتداؤه، نعم، قد تظن ابنتكِ أنكِ تقولين إنها لا تملك الجسم المُناسب لارتداء قميص قصير.
بدلاً من ذلك، ثقّفيها بشأن سلبيات ارتداء هذا النمط من الملابس، ولكن ادعمي اختيارها، ابنتي في السادسة عشرة من عمرها، وليست طفلة صغيرة، ولا ينبغي أن أختار لها ملابسها.
أنا أرتدي الأسود غالباً، ويمكن وصف أسلوبي في الملابس بأنه غوطي/إيمو (للون فقط)، ورغم أن زوجي يعرب عن عدم رضاه عن ذلك، ولكنه محترم بما يكفي لعدم إجباري على ارتداء ملابس لا تعجبني..
أيتها الأم لك الحرية في إبداء رأيك والتعبير عن مشاعرك، ولكن لا تجبري ابنك أو ابنتك المراهقة على القيام بشيء ما لمجرد أنك لا تحبينه".
أحذر بناتي من طريقة لباسهن
يقول أحد الآباء: "عندما كانت بناتي في سن المراهقة، لم أكن أهتم إن كنتُ وقحاً أم لا، كانت هناك قواعد منزلية تتعلق باللباس، لم أكن أهتم إن لم يُعجب أطفالي، كنتُ أنا المسؤول عنهم.
قواعد منزلي فيما يتعلق بملابس المدرسة والخروج في الأماكن العامة إلى المناسبات الوطنية المدرسية أو معي، لا تظهر حمالات الصدر، ولا تظهر البطن، ولا تظهر الثديين، ولا بنطلون مربوط تحت مؤخراتهن يظهر ملابسهن الداخلية، ولا إصبع القدم ولا ملابس ضيقة، أو تنانير أعلى من شبر واحد فوق الركبة إلا إذا تم ارتداء جوارب طويلة أو شورت غير شفاف (مثل سروال) كان من المفترض أن تكون الملابس أنيقة ونظيفة وخالية من الثقوب، كنت أمنع أمهم من شراء جينز ممزق!
لم أهتم بما يرتدينه في المنزل طالما كان المنزل مريحاً للجميع، أي أنه بعد سن معينة، كان عليهن تغطية أنفسهن عند الاسترخاء في الأماكن العامة، كان دخولهن غرف نومهم عاريين أمراً مختلفاً تماماً، بينما كان التسكع في غرفة المعيشة أمراً آخر، في المناسبات الخاصة، كان يُسمح لهن بالالتزام بقواعد معينة، لكنني كنت أصر على الاحتشام.
نعم، نظرياً، ينبغي أن يكون بإمكان أي شخص ارتداء ما يشاء دون خوف من قول أو فعل أي شخص آخر، هذا ليس العالم الذي نعيش فيه، بإمكاننا أن نعمل من أجل هذا العالم، إلى أن يتحقق ذلك، أحذر بناتي من طريقة لباسهن، لحمايتهن من التعليقات البذيئة.
كيف تؤثر الأم على خيارات بناتها في الموضة؟
*ملاحظة من «الخليج 365»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص
