ثمّة خسائر تشبه الشفاء، تنسلّ من روحك كما ينسلّ السمّ من الجرح، وتتركك أخفّ، أنقى، وربما أكثر قدرة على التنفس من جديد.
لطالما توهّمنا أن العلاقات، كل العلاقات، أشبه بعقود أبدية. نتمسّك بها حتى وهي تفتك بنا وتستنزف أعصابنا وتفتّت أرواحنا وتشوّش بوصلة سلامنا الداخلي. نربّي في صدورنا أحيانًا صداقة سامة أو علاقة حب خانقة، فنُقنع أنفسنا أن الصبر فضيلة، وأن الاحتمال شكل من أشكال الإخلاص، حتى نجد أنفسنا نتقوقع حول قلق لا يهدأ، وحزن لا يُبرر، وجسد لا ينام إلا مرهقًا من التفكير، وروح لا تفرح إلا حين تهرب.
نعم.. بعض الخسائر لا تُقدّر بثمن، لأنها ببساطة تستردّ منك ذاتك التي كنت قد أودعتها لدى من لا يستحق، وتنازلت عنها وأنت تظن أنك تُحب، أو تَصل رحمًا، أو تَصنع معروفًا. ثم يأتي الفقد، فجأة أو بالتقسيط، ليذكّرك أنك كنت تضحّي بأهم ما تملك؛ نفسك.
قبل أيام تعرفت على سيدة تبدو وقد تجاوزت الستين من عمرها. التقيتها في حفلة عرس. كانت تضحك وترقص بخفّة لا تشبه عمرها، وحين سألتها عن سرّ تلك الخفة المغرية، قالت بمرح: “طردت من حياتي كل من جعلني أشكّ في قيمتي، أو أخجل من نفسي، أو أبكي أكثر مما أضحك.” لم تكن تقصد الطرد حرفيًا، بل تقصد أنها وضعت لكل علاقة سقفًا، ولكل قلب مفتاحًا، وأنها أعادت توزيع مساحاتها على من يستحقون فقط. لا شيء شخصيا، فقط مسألة صحة نفسية.
ولعلّ أجمل ما في الأمر، أن المرء حين يتخلّص من أول علاقة مرهِقة، يشعر برعشة حرية تشبه الرجوع من منفى طويل. ثم تتوالى «الخسائر الجميلة»!
كما لو أن جسده الداخلي أصبح لديه جهاز مناعة جديد، يرفض العدوى ويتنبّه للأذى قبل أن يستفحل. ليس انتقامًا، بل نضجًا. وليس تعاليًا، بل حفظًا لكرامة النفس التي أُهدرت كثيرًا باسم الوفاء.
أحيانًا لا تكون المشكلة في الآخر بقدر ما تكون في المرء ذاته. في خوفه من أن يكون وحيدًا، أو من أن يبدو قاسيًا، أو من أن يُتّهم بالأنانية. ولهذا يتحمّل ويتنازل ويبرّر، حتى يتورّط في شبكة عنكبوتية من التناقضات لا يُفكّها إلا فقدٌ كبير، أو وعي مفاجئ، أو انهيار يوقظه على فداحة ما فرّط فيه.
إن خسارة الأشخاص لا تعني دائمًا أن الخطأ فيهم، كما لا تعني أن الخطأ فيك. أحيانًا لا تناسبنا القوالب، وأحيانًا أخرى نتغير ببساطة، وتفشل العلاقة في مواكبة هذا التغيّر. تمامًا كما يحدث مع الثياب التي كنا نحبها في صغرنا، ثم صارت تقيّد حركتنا حين كبرنا. لا نكرهها، ولكن لا نعود نرتديها.
كل ذلك لا يعني أن نتحوّل إلى كائنات بلا حنين، أو أن نقطع علاقاتنا بالجملة، أو أن نُقدّس العزلة. بل أن نتحلّى بالجرأة الكافية لنقول؛ هذه العلاقة لم تعد تشبهني، هذه الصداقة تؤذيني أكثر مما تُسعدني، هذا القرب يستنزفني، هذه الرفقة تمضي بي إلى الخلف. وأن نقول ذلك من دون شعور بالذنب.
لقد خُلقت الروح لتسكن في الطمأنينة، لا في التوتّر الدائم. وكل ما يهدد هذه الطمأنينة، يجب أن يُعاد النظر فيه. فسلام النفس ليس رفاهية، بل ضرورة. والصحة النفسية ليست شعارًا، بل حياة كاملة يجب أن نعتني بها كما نعتني بقلوبنا وأجسادنا.
وهكذا، حين تقرّر أن تُنقذ نفسك من علاقة سامّة، لا تنظر خلفك كثيرًا. لا تسأل عن الرأي العام، ولا تفتش عن مبررات. فقط كن صادقًا مع نفسك، وضع هذه الخسارة في سجل المكاسب. وثق أن الحياة بعد ذلك ستمنحك ما هو أطيب، وربما تمنحك نفسك من جديد… نقية، خفيفة، ومليئة بإمكانية الفرح.
سعدية مفرح – الشرق القطرية
كانت هذه تفاصيل خبر ليست كل الخسائر هزائم! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.