ابوظبي - سيف اليزيد - دينا جوني (أبوظبي)
في تحول يعكس رؤية الإمارات نحو بناء منظومة تعليمية أكثر مرونة وتوازناً، أقرّت وزارة التربية والتعليم إلغاء امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني لجميع المراحل، والاكتفاء بالامتحانات المركزية في الفصلين الأول والثالث، مع الاعتماد على التقييم المستمر والتقييم المرحلي خلال الفصل الثاني.
ويمثل القرار بعداً جديداً في مسيرة تطوير التعليم، إذ لا يقتصر على تقليص عدد الامتحانات، بل يمتد ليشمل تعزيز الصحة النفسية للطلبة، وتخفيف الضغوط عن الأسر، وإعادة صياغة علاقة المعلم والمدرسة بالطالب عبر أدوات تقييم أكثر تنوعاً وتفاعلية من خلال المهارات التي تركّز الوزارة على تعزيزها في العملية التعليمية.
وفي هذا الإطار، أشار عدد من الخبراء إلى أن إلغاء امتحان الفصل الثاني يشكّل فرصة وميزة لكل من الطالب والمعلم، إذا استُثمر في تعميق التعلم وتنويع أساليب التقييم بدلاً من اعتباره مجرد تخلص من عبء دراسي.
ويشير الدكتور أحمد عيد، رئيس قسم الإرشاد النفسي والتربوي في إحدى المدارس الخاصة، إلى أن الامتحانات المتكررة ثلاث مرات في العام كانت تحول العملية التعليمية إلى «سباق قلق» يستهلك طاقات الطلبة والأسر.
ويضيف: «إلغاء الامتحان الثاني يتيح للطالب استقراراً نفسياً ووقتاً أطول لاستيعاب الدروس بعمق، وهو ما يعزز مناخاً صحياً للتعلم».
ولكنه يلفت في الوقت نفسه إلى أن القرار لن يحقق أهدافه إلا إذا تعامل معه الطالب بجدية، لأن «الميزة الحقيقية ليست في تقليل الضغط فقط، بل في استغلال الوقت للتعلم الفعلي».
مشاريع وأنشطة
ترى رحاب زكارنة، خبيرة، موجهة تربوية، أن الخطوة تمثل فرصة لإعادة تعريف دور المعلم في توجيه الطلبة.
وتقول: «المعلم هو من يحدد ما إذا كان هذا القرار سيترجم إلى نقلة في التعلم أم مجرد تقليل للمهام. إذا أحسن استثمار الوقت في مشاريع وأنشطة، فسوف يدرك الطالب أن غياب الامتحان ليس إعفاء من المسؤولية، بل هو دافع للتعلم المستمر».
ويوافقها الرأي إبراهيم الجوي، خبير تربوي، الذي يرى أن الامتحان الملغى منح المدارس أسابيع دراسية إضافية، كانت تضيع في التحضير والاختبارات.
ويؤكد أن هذه الفترة يمكن أن تتحول إلى مساحة مثالية لتبني استراتيجيات تعليمية مبتكرة، مثل التعلم القائم على المشاريع والتجارب العملية، ما يسهم في رفع جودة المخرجات التعليمية.
فرصة مزدوجة
من جانبه، يوضح علي مال الله السويدي، مدير مدرسة سابق، خبير تربوي، أن القرار ينعكس على البيئة الأسرية أيضاً: «الأهالي لم يعودوا مضطرين لخوض سباق مكثّف في المراجعات ثلاث مرات في العام. الآن، بات بإمكانهم توجيه جهودهم نحو متابعة التعلّم اليومي لأبنائهم، وهو ما يخلق علاقة أكثر هدوءاً واستدامة مع الدراسة».
ويشدد السويدي على أن نجاح القرار يعتمد على تكامل الأدوار: الطالب الذي يستغل الفرصة، والمعلم الذي يوجّهها، والأسرة التي تدعمها.
ويجمع الخبراء على أن القرار يمثل «فرصة مزدوجة»: فهو يخفّف من الضغط النفسي المتكرر، ولكنه في الوقت نفسه اختبار لمدى نضج الميدان التربوي في استثماره. فإذا أدرك الطالب أن غياب الامتحان لا يعني التراخي، بل فرصة لترسيخ المعرفة، وأدرك المعلم أن مسؤوليته مضاعفة في نقل القرار بروح إيجابية، فإن النتائج ستكون ملموسة أكاديمياً ونفسياً.
دعوة إلى قياس الأثر
اتفق المتحدثون على ضرورة أن ترافق هذه الخطوة «آلية قياس دقيقة» من خلال استطلاعات رأي تشمل الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور خلال الفصل الثاني وبعده، لقياس الأثر النفسي والاجتماعي والأكاديمي.
فالتجربة تحتاج إلى تغذية راجعة تحدد ما إذا كان الإلغاء قد خفّف القلق فعلاً، وحفّز التعلم العميق، ورفع جودة المخرجات التعليمية.
والخطوة الإماراتية تتماشى مع أنظمة تعليمية متقدمة في العالم، مثل فنلندا وسنغافورة، التي تركّز على التقييم المرحلي أكثر من الامتحانات التقليدية.
ويجمع الخبراء على أن هذه التوجهات تعكس وعياً متزايداً بأهمية ربط التقييم بجودة التعلّم، وإعداد أجيال قادرة على الإبداع والمنافسة في الاقتصاد المعرفي.
في المحصلة، لا يمثل القرار مجرد تغيير في جدول الامتحانات، بل هو تعبير عن انتقال فلسفي في التعليم الإماراتي من «ثقافة الامتحان» إلى «ثقافة التعلّم».
وبينما يضع التقييم المستمر الطالب في قلب العملية التعليمية، يمنح المعلم والأسرة أدواراً أكثر فاعلية، ليُعاد تشكيل البيئة التربوية بما ينسجم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.
خط زمني:
2013–2014
مرحلة أولى
إلغاء الامتحان المركزي للفصل الثاني لصفوف 6-11 ودمج التقييم مع الثالث؛ والسماح للمدارس بإجراء اختبارات مدرسية في الفصل الثاني. هذا كان التمهيد لتقليل الامتحانات المركزية.
2014–2015
توسيع التطبيق
تعميم قرار الدمج وإلغاء امتحان الفصل الثاني المركزي على نطاق أوسع وفق القرار الإداري 465/2014، مع اختلاف تطبيقه على بعض المدارس الخاصة ذات المناهج غير الوزارية بعد التطبيق، حيث أبدى الميدان التربوي ملاحظات عديدة حول صعوبة الاكتفاء بامتحانين فقط في العام.
2016–2017
عودة الامتحان
عودة امتحانات نهاية الفصل الثاني بصيغة مركزية وجداول رسمية صادرة عن الوزارة
أُعيد تطبيق نظام الامتحانات في الفصل الثاني بدءاً من العام الدراسي 2016 - 2017، عندما قررت وزارة التربية والتعليم العودة إلى الامتحانات المركزية الثلاثية (الفصل الأول - الفصل الثاني - الفصل الثالث)، بهدف:
- زيادة دقة القياس عبر توزيع الامتحانات على فترات أقصر.
- الحد من تراكم المنهاج على الطالب في نهاية العام.
- ضمان عدالة التقييم بين المدارس الحكومية والخاصة التي تتبع المنهاج الوزاري.
2025–2026
إلغاء شامل
إلغاء امتحانات نهاية الفصل الثاني لجميع المراحل، والانتقال إلى تقييم مستمر، مع الإبقاء على الامتحانات المركزية في الفصلين الأول والثالث.