بعد مفاوضات ماراثونية استمرت نحو عام ونصف، نجحت شركة ”نيبّون ستيل“ اليابانية في إتمام صفقة الاستحواذ على ”يو إس ستيل“، إحدى أبرز شركات الصلب الأمريكية. ورغم التحديات الجسيمة التي لا تزال تعترض طريقها، فقد تمكنت الشركة من ترسيخ موطئ قدم استراتيجي في السوق الأمريكية، واضعةً آمالًا كبيرة على أن يُترجم هذا الإنجاز إلى قصة نجاح تُحسب لها عالميًا. وفي الخلفية، تراقب الحكومة اليابانية المشهد عن كثب، متطلعة إلى أن يسهم هذا التطور في تعزيز موقفها في مفاوضات الرسوم الجمركية المستمرة مع واشنطن.
لا مفر من قبول ”الحصة الذهبية“
كانت عملية استحواذ شركة ”نيبّون ستيل“ على شركة ”يو إس ستيل“ طويلة ووعرة، نتيجة معارضة الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس جو بايدن، إلى جانب نقابة عمال الصلب المتحدة. إلا أن انتهاء فترة إدارة بايدن منحت المفاوضين اليابانيين بصيص أمل، في ظل رغبة الرئيس التالي دونالد ترامب في الظهور بمظهر صانع صفقات، واستعداده لتغيير مواقفه من أجل إنجاحها. وبالتالي، فإن إتمام الصفقة في ظل إدارة ترامب لا يعد مفاجئا إلى حد كبير.
ورغم أن نيبّون ستيل استحوذت بالكامل على شركة يو إس ستيل، إلا أن سيطرتها على الشركة ستختلف عن الحالات الأخرى لما يعرف بـ ”الشركات المملوكة بالكامل“. ويُعزى ذلك إلى توقيع ”اتفاقية أمن قومي“ مع إدارة ترامب، مُنح البيت الأبيض بموجبها ما يُعرف بـ ”حصة ذهبية“ ذات طابع غير اقتصادي، حيث تتيح له فعليا حق النقض على القرارات المتخذة في اجتماعات المساهمين إذا ما مست مصالح الولايات المتحدة الوطنية أو الاستراتيجية. وعلى الرغم من أنه لطالما عارضت الولايات المتحدة استخدام الحصص الذهبية بسبب ما تسببه من تقويض لحقوق المساهمين، إلا أن قبول هذه الشروط وشروط أخرى، كان ضروريا لحصول نيبّون ستيل على موافقة الحكومة الأمريكية.
وفي مواجهة القلق من بنود اتفاقية الأمن القومي، شدد هاشيموتو إيجي رئيس مجلس إدارة نيبّون ستيل على أن الشركة ستحتفظ بـ ”حرية إدارية كافية“، وأن إدارتها ”لن تُقيّد في سعيها لتحقيق أهدافها“. ونظرا لاحتمال تأثير وجود بند الحصة الذهبية على أسعار الأسهم، لم يكن أمام هاشيموتو بد من التأكيد على هذا الموقف من أجل ضمان تمرير الصفقة في الاجتماع العام للمساهمين في شركته.
هاشيموتو إيجي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة نيبّون ستيل، في مؤتمر صحفي بتاريخ 19 يونيو/حزيران عام 2025، عقب إتمام عملية الاستحواذ على شركة يو إس ستيل (© جيجي برس).
ومع ذلك، فإن غياب التفاصيل الكاملة حول الاتفاقية وبنودها يجعل من الصعب تقييم مدى قدرة الحكومة الأمريكية على التدخل في إدارة شركة يو إس ستيل، وكذلك تقدير المخاطر المترتبة على مثل هذا التدخل.
من المؤكد أن حرية التصرف لدى إدارة نيبّون ستيل باتت مقيّدة إلى حد ما، إذ يتعين عليها استثمار رأس مال قدره 11 مليار دولار في الولايات المتحدة بحلول عام 2028. كما نعلم أن نيبّون ستيل لا تستطيع تقليص حجم شركة يو إس ستيل أو إغلاق مصانعها الأمريكية أو تقليص عملياتها دون الحصول على إذن. وقد أشار وزير التجارة الأمريكي هاوارد لوتنيك عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن هناك الكثير من التفاصيل في الصفقة تتجاوز ما هو متاح حاليا للعامة.
وبين تكاليف الشراء والاستثمارات الموعودة في رأس المال، ستخصص نيبّون ستيل نحو 3.5 تريليون ين ياباني (ما يعادل تقريبا 25 مليار دولار)، لاستحواذها على يو إس ستيل، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى قدرتها على استرداد هذا الاستثمار من خلال العمليات التجارية. وبما أنها تملك فريقا إداريا رفيع المستوى، فلا شك أن نيبّون ستيل أجرت حسابات دقيقة للعائد المتوقع على الاستثمار، ودرست بعناية إمكانات النمو استنادا إلى أوضاع السوق الأمريكية، وقاعدة عملاء يو إس ستيل، وحجم المنافسة. ولا بد أنها رأت أن الفرص طويلة الأجل في صناعات السيارات وبناء السفن، تبرر هذه التكاليف.
النقاط الرئيسية للصفقة
- شركة يو إس ستيل تصبح شركة مملوكة بالكامل وتابعة لشركة نيبّون ستيل
- سعر الشراء 2 تريليون ين (14.1 مليار دولار)
- إتمام اتفاقية الأمن القومي مع الحكومة الأمريكية
- ”الحصة الذهبية“ غير الاقتصادية مع حقوق النقض الممنوحة للحكومة الأمريكية
- وعد باستثمار رأس مال في المستقبل بمقدار 1.5 تريليون ين (11 مليار دولار)
من إعداد Nippon.com بناء على تقارير إعلامية مختلفة.
مضت نيبّون ستيل في عملية استحواذها على شركة يو إس ستيل رغم الحواجز التي وُضعت في طريقها، إذ لم تكن ترى فرصا كثيرة للنمو في هذا الجانب من المحيط الهادئ. فالسوق المحلية في اليابان وصلت إلى ذروتها، وقد جرى استبعاد الشركة تماما من السوق الصينية. أما في المقابل، فإن الإنتاج في الولايات المتحدة يحظى بحماية نسبية من الصلب الرخيص المستورد، حيث إنه يخضع لتعريفات جمركية مرتفعة تبلغ 50%، ما يجعل السوق الأمريكية جذابة للاستثمارات المؤسساتية.
إن السعي لإتمام هذه الصفقة –من منظور إداري– كان قرارا عقلانيا بالكامل. وحتى في حال لم تحقق شركة يو إس ستيل النمو المتوقع، فإن تقييم النتيجة يستوجب النظر إلى ما كانت ستؤول إليه أوضاع نيبّون ستيل لو أنها لم تُقدم على هذه الخطوة. فطبيعة اتخاذ القرارات في عالم الأعمال على هذا المستوى الرفيع تقوم على تقييم المخاطر النسبية وتكاليف الفرص البديلة المترتبة على أي خيار يُتخذ.
معالجة مشكلة شح الصلب عالي الجودة في الولايات المتحدة
من المرجح أن يسهم استحواذ نيبّون ستيل على شركة يو إس ستيل في إنعاش إنتاج الصلب داخل الولايات المتحدة، وكذلك في تحفيز الصناعات المرتبطة به، مثل السيارات وبناء السفن. فقد أسهم تراجع القدرة التنافسية والجودة في قطاع الصلب الأمريكي في تدهور طويل الأمد في كلا القطاعين. وكان غياب صفائح الصلب عالية الجودة المطلوبة لصناعة السيارات والصفائح السميكة اللازمة لبناء السفن –بأسعار معقولة– مشكلة خانقة تعيق تقدم الصناعات الأمريكية المحلية المعتمدة على الصلب.
لذلك، فإن ما تعهدت به نيبّون ستيل من استثمارات في رأس المال ونقلها للتكنولوجيا والخبرات الهندسية إلى الصناعة الأمريكية، قد يؤدي إلى تحسين جودة المنتجات، ويفتح المجال أيضا لتوسيع نطاق الإنتاج داخل الولايات المتحدة. ومهما زاد إصرار الرئيس ترامب على إحياء قطاعي السيارات وبناء السفن في بلاده، فإن غياب الصلب المحلي الكافي، سواء من حيث الجودة أو الكمية، كان سيجعل طموحاته غير قابلة للتحقق في نهاية المطاف. ومن هذا المنظور، فإن صفقة نيبّون ستيل تشكل تطورا مهما أيضا بالنسبة للولايات المتحدة والسياسات التي يتبناها الرئيس ترامب.
كما أن هذه الصفقة، وما يُتوقع أن تحققه من مساهمة في إعادة إحياء قطاع التصنيع الأمريكي، تمثل عنصرا محوريا ضمن الصورة الأوسع للمفاوضات التجارية الجارية بين اليابان والولايات المتحدة. ومن منظور نيبّون ستيل، لا شك أن ربط مفاوضات الاستحواذ بالمفاوضات الخاصة بالتعريفات الجمركية بين البلدين كان أمرا مزعجا. وقد سعت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية فعليا لتجنّب هذا الربط. ومع ذلك، فإن إتمام الصفقة يمنح الجانب الياباني قدرا أكبر من الثقة، ويبعث برسالة واضحة.
لكن، حتى لو طرح الجانب الياباني رؤية واسعة ومتفائلة حول كيفية إسهام نيبّون ستيل في إنعاش صناعة الصلب الأمريكية والصناعات التابعة لها، فسيكون من السذاجة توقع أن يؤدي الاتفاق الأخير فورا إلى إحراز تقدم في مفاوضات التعريفات الجمركية. فوزير التجارة الأمريكي لوتنيك معروف بتشدده، كما أن المفاوضات تجري في بيئة فقد فيها الجهاز الإداري الأمريكي عددا كبيرا من موظفيه وقدراته التشغيلية. وهذه عوامل تجعل من الصعب على الحكومة اليابانية إيصال وجهة نظرها بوضوح. لذلك، لا ينبغي توقع أي تغييرات مفاجئة في مفاوضات التعريفات الجمركية التي يقودها حاليا وزير الإنعاش الاقتصادي أكازاوا ريوسيه. وسيتعين على طوكيو مواصلة جهودها لكسب تفهم إدارة ترامب ومسؤوليها السياسيين.
احتمالية التوصل لاتفاق عام تتلاشى
رغم أن نظير أكازاوا من الجانب الأمريكي هو من الناحية الشكلية وزير الخزانة سكوت بيسنت، إلا أن من الواضح أن لوتنيك هو الشخصية الرئيسية التي تمثل الولايات المتحدة في مفاوضات التعريفات الجمركية مع اليابان. ففي الجولة الخامسة من المفاوضات التي جرت مطلع يونيو/حزيران، التقى أكازاوا مع لوتنيك لمدة ساعتين في اليوم الأول، ثم اجتمع في اليوم التالي مع بيسنت لمدة 45 دقيقة، ليعود بعد ذلك ويجتمع مع لوتنيك مرة أخرى لساعتين إضافيتين. وهذا يشير إلى أن قضية التعريفات الجمركية على السيارات كانت محور النقاشات المكثفة.
كل من لوتنيك وبيسنت لا يوليان اهتماما إلا لرئيس البلاد دونالد ترامب، ويحرصان باستمرار على مراقبة ردود فعله. وفي منتصف يونيو/حزيران، بدا أن أكازاوا يأمل في التوصل إلى اتفاق شامل بين الولايات المتحدة واليابان بشأن التعريفات الجمركية قبيل قمة مجموعة الدول السبع في كندا. وقد عكست تصريحاته في تلك الفترة تلقيه ردا إيجابيا من لوتنيك بخصوص هذه الإمكانية.
لكن رد فعل ترامب بدا مختلفا تماما. وفي الواقع، لم يرافق لوتنيك الرئيس ترامب في زيارته إلى قمة مجموعة السبع. فالمفاوضات ذات المخاطر العالية كهذه لا تسير بسلاسة.
من المرجح أن تتسارع وتيرة المفاوضات على المستوى الوزاري في المرحلة المقبلة. وعلى اليابان أن تلتزم بموقف ثابت، مع التشديد على ما تقدمه من إسهام في قطاع التصنيع الأمريكي وفي خلق الوظائف وزيادة الإنتاجية من خلال استثماراتها في صناعة الصلب داخل الولايات المتحدة، ومن ثم دعم صناعة السيارات الأمريكية. ومن الناحية المثالية، ينبغي أن تنعكس هذه المساهمة في خفض التعريفات الجمركية المفروضة على السيارات اليابانية، وهي النقطة التي تبدو الآن ساحة المعركة الرئيسة. والرسالة الأساسية التي يجب إيصالها هي أن اليابان تتعاون مع الولايات المتحدة من أجل المساعدة في إنعاش قطاع التصنيع الأمريكي ذاته.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 26 يونيو/حزيران عام 2025، استنادا إلى مقابلة أجراها موتشيدا جوجي من Nippon.com. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: المقر الرئيسي لشركة نيبّون ستيل. © جيجي برس/AFP)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | صفقة نيبّون ستيل... هل تذيب الجليد في مفاوضات التعريفات الجمركية بين اليابان وأمريكا؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.