اخبار العالم / اخبار اليابان

اليابان | رحلة بين البساطة والجمال: اكتشاف فلسفة الشاي اليابانية

  • اليابان | رحلة بين البساطة والجمال: اكتشاف فلسفة الشاي اليابانية 1/4
  • اليابان | رحلة بين البساطة والجمال: اكتشاف فلسفة الشاي اليابانية 2/4
  • اليابان | رحلة بين البساطة والجمال: اكتشاف فلسفة الشاي اليابانية 3/4
  • اليابان | رحلة بين البساطة والجمال: اكتشاف فلسفة الشاي اليابانية 4/4

في قلب الثقافة اليابانية، تقف غرف الشاي كرموز صامتة للجمال البسيط والانضباط الروحي. هذه الهياكل الصغيرة، التي تبدو متواضعة في ظاهرها، تخفي خلف جدرانها أسرار قرون من الفلسفة والفن والضيافة. وفي كتاب جديد نابض بالحسّ الجمالي، يوثق مؤلفان رحلتهما الساحرة عبر اليابان، متنقلين بين تلك المساحات الهادئة التي أنشأها المعلم الأسطوري سين نو ريكيو. بأسلوب أقرب إلى يوميات سفر شاعرية، يأخذان القرّاء في جولة بين حدائق الطحالب، وأصوات المياه، ورائحة الخشب القديم، ليكتشفوا سحر المكان الذي صُمم للتأمل وتقدير لحظة احتساء الشاي.

تميز غرف الشاي الصغيرة في اليابان

يُعدّ فوجيموري تيرونوبو، الأستاذ الفخري بجامعة طوكيو، والمولود في محافظة ناغانو عام 1946، من أبرز الخبراء في تاريخ العمارة العالمية، كما يعرف أيضًا بتصاميمه المعمارية الفريدة والمبتكرة. إلى جانب مسيرته الأكاديمية المميزة، يتمتع فوجيموري بخبرة واسعة في فن إعداد الشاي الياباني التقليدي (سادو)، له العديد من المؤلفات من بينها دراسة فوجيموري تيرونوبو لغرف الشاي.

وتشارك فوجيموري في تأليف هذا الكتاب العارضة هانا، التي تلقت تعليمها في مدارس دولية في يوكوهاما منذ أن كانت في الثانية من عمرها، وبدأت مسيرتها العملية في مجال عرض الأزياء بعمر 17 عامًا. وفي عام 2016 التحقت بدورات تعليم فن تحضير الشاي (فن السادو). وأصدرت كتاباً بعنوان: اليوم أيضًا يوم جميل للتدرّب (Kyō mo okeiko biyori). كما درست هانا أيضاً تاريخ الفن في جامعة صوفيا بطوكيو، واختيرت لاحقاً سفيرة للعلاقات العامة للكنوز الوطنية اليابانية، تقديرًا لاهتمامها بالثقافة التقليدية.

استثمر المؤلفان خبراتهما ومعرفتهما الكبيرة في القيام بجولات شملت 21 غرفة شاي في تسع محافظات يابانية، على مدى عام ونصف. وقد صيغ هذا الكتاب بأسلوب حواري، مستندًا إلى سلسلة من المقالات التي نُشرت في مجلة (ناغومي) الشهرية بين شهر مايو/أيار 2022 وشهر ديسمبر/كانون الأول 2023. ويزخر العمل بصور ملوّنة لغرف شاي نادرة لا تُفتح عادة أمام الجمهور، ما يمنح القارئ إحساسًا غامرًا وكأنه يخوض تجربة الزيارة بنفسه.

وقد استهل هذا الكتاب بمقدّمة مميزة كتبها فوجيموري: في أي مكان من العالم، لا توجد مبانٍ مخصصة فقط لشرب الشاي. سوى في اليابان، في هيئة غرف الشاي (تشاشيتسو).

وتعود أصول هذه الغرف إلى سن نو ريكيو (1522–1591) أيقونة فن الشاي في اليابان، الذي أنشأ مساحات معماريّة مصمّمة خصيصًا لاستقبال الضيوف وتقديم شاي الماتشا لهم. وقد استلهم ريكيو تصميماته من أكواخ القش التي كان يستخدمها النساك للتأمّل والعزلة، والتي لم تكن تتجاوز مساحتها عادةً 4.5 حصير تاتامي (نحو 7 إلى 8 أمتار مربعة). لكنه لم يكتفِ بذلك، بل عمد إلى تقليص المساحة أكثر، تعزيزًا للبساطة والتأمل.

ولا تزال هناك غرفة شاي قائمة تُعد من الإرث المعماري المباشر لسين نو ريكيو، وهي غرفة (تايآن) الصغيرة ذات الحصيرتين، ومازالت محفوظة في بلدة أويامازاكي بمحافظة كيوتو، وتُصنّف اليوم ككنز وطني. ويقال إن ريكيو شيّدها خصيصًا لصديقه المقرّب آنذاك، المحارب الإقطاعي تويوتومي هيدييوشي (1537–1598). وبما أن أسلوب ريكيو في إعداد الشاي كان متجذرًا في فلسفة الزن البوذية، فقد صُمّمت غرفة الشاي بوصفها فضاءً مغلقًا يدعو إلى التأمل والسكينة الداخلية.

جوان: غرفة الشاي الخاصة بشقيق أودا نوبوناغا

بدأ المؤلفان رحلتهما في أوراكوئن (Urakuen)، وهي حديقة تقليدية تقع في مدينة إينوياما بمحافظة آيتشي، وتحتضن إحدى أبرز غرف الشاي في اليابان: غرفة جوان (Jōan)، المصنّفة ككنز وطني.

أنشأ هذه الغرفة أودا ناغاماسو، المعروف أيضًا باسم أوراكو ساي (Urakusai)، الذي عاش بين عامي 1547 و1621، وكان أحد أبرز تلامذة سن نو ريكيو المخلصين، مؤسس فن الشاي الياباني في شكله الكلاسيكي. وُلد أوراكو ساي في إقليم أواوي (الذي يقع ضمن محافظة آيتشي الحالية)، وكان الشقيق الأصغر للزعيم العسكري الشهير أودا نوبوناغا.

ويذكر فوجيموري أن أوراكوساي، رغم كونه شقيق أودا نوبوناغا، لم يكن مقاتلًا بارعًا، بل آثر عالم الشاي والفنون، وهي ملاحظة تلقي الضوء على الشخصية المسالمة والمتأملة، والتي انعكست في تصميم الغرفة. حيث تُظهر غرفة جوان العديد من اللمسات غير التقليدية، خاصة في تصميم النوافذ، ما جعل هانا تصفها بأنها (مفعمة بغرابة أطوار أوراكوساي). وقد بُنيت الغرفة في الأصل ضمن معبد شودان-إن (Shōden-in)، التابع لمجمع كينّين-جي (Kennin-ji) في حي هيغاشياما بمدينة كيوتو، كمكان للتأمل والانعزال عن العالم.

ولاحقًا، خلال حقبة ميجي (1868–1912)، قام آل ميتسوي وهي عائلة تجارية ثرية بشراء الغرفة، وتم نقلها إلى موقعها الحالي في أوراكوئن عام 1972. ومن المفارقات اللافتة أن اسم جوان مأخوذ من اسم أوراكوساي المسيحي بعد تعميده.

غرفة شاي مزوّدة بحمام مياه ساخنة

ويذكر أنه في عام 1591، أُجبر سين نو ريكيو على الانتحار وفقاً لطقوس سيبوكو بأمر من تويوتومي هيدييوشي، في واقعة مثّلت نهاية مأساوية لإحدى أبرز الشخصيات في تاريخ السادو (طقوس تحضير الشاي). ورغم ذلك، لا تزال العديد من غرف الشاي التي شُيّدت في عهد هيدييوشي قائمة حتى اليوم كشاهد على هذا العصر، من بينها شيغورِتيه وكاراكاساتيِه اللتان بُنيتا داخل قلعة فوشيمي، والتي نقلتا لاحقاً إلى معبد كودايجي في منطقة هيغاشياما، كيوتو.

ومن بين الغرف اللافتة الأخرى، تبرز غرفة نيجيكاوغو-نو-سيكي ذات الطراز الريفي، والمتميّزة بسقفها المصنوع من القش، والتي شُيّدت في الأصل كفيلا لرئيس مستشاري إقطاعية أواري. وقد نُقلت لاحقًا إلى متحف شوا للفنون في مدينة ناغويا، إلا أنها للأسف لا تُفتح عادة أمام الزوار.

كما يُشار إلى غرفة كوكيو-آن، التي تقع في مدينة كيوتانابي، بمحافظة كيوتو، والتي كانت المسكن الأخير للكاهن الزن البوذي الشهير إيككيو سوجون(1394–1481) خلال فترة موروماتشي. وتُبرز هذه الغرفة، إلى جانب غيرها من غرف الشاي المتنوعة من حيث الأصول والاستخدامات، مدى غنى وتنوّع فضاءات أوتشا شيتسو عبر العصور، مع حفاظها الدائم على جوهر التأمل والسكينة الذي رسّخه سين نو ريكيو.

غرفة الشاي شيغوريتي بمعبد كودايجي.(© بيكستا)
غرفة الشاي شيغوريتي بمعبد كودايجي.(© بيكستا)

في الواقع، تحمل كل غرفة من غرف الشاي التي يستعرضها الكتاب قصة فريدة تكشف جوانب خفية من التاريخ والثقافة اليابانية. فعلى سبيل المثال، بُنيت غرفة شوكادو في مدينة هاتشيمان، كيوتو، على يد الراهب شوكادو شوجو في مطلع فترة إيدو، وذلك بعد تقاعده من معبد إيوشيزومي هاتشيمانغو. ويذكر الكتاب أن مؤسس مطعم كيتشو، أحد أبرز مطاعم ريوتي التقليدية الفاخرة، شارك في حفل شاي أُقيم في هذه الغرفة عام 1933، وقد أُعجب آنذاك بصندوق الطعام الخشبي المكوَّن من أربع حجرات، ما ألهمه لاحقًا لابتكار شوكادو بينتو وهي وجبة الغداء الشهيرة التي لا تزال تُقدَّم حتى اليوم في سلسة مطاعمه الراقية.

ومن بين المحطات غير التقليدية التي توقف عندها المؤلفان، تبرز غرفة كاندين-آن في ماتسوئي بمحافظة شيماني، المميزة بحمام بخار ملحق بها، في مشهد غير مألوف في عالم غرف الشاي. فقد شُيّدت هذه الغرفة على يد الحاكم المحلي ماتسودايرا هاروساتو (1751–1818)، المعروف بلقبه فومايكو، خصيصًا لعائلة أريزاوا، وهي إحدى الأسر المقربة من دائرته الاستشارية. وكان الحمام يعمل بطريقة تقليدية تقوم على سكب الماء فوق الحجارة الساخنة، ما يضفي على المكان طابعًا يجمع بين طقوس التأمل وفنون الاسترخاء الجسدي، ويُبرز في الوقت ذاته الطابع الفريد لهذه الغرفة التي تدمج بين البساطة والترف الروحي والمادي.

غرفة شاي أخرى في ماتسوئي بمحافظة شيمانى، تُدعى ميمايان، بناها أيضًا ماتسوديرا هاروساتو. (© بيكستا)
غرفة شاي أخرى في ماتسوئي بمحافظة شيمانى، تُدعى ميمايان، بناها أيضًا ماتسوديرا هاروساتو. (© بيكستا)

غرف الشاي ذات التصميم الحرّ

ويختتم المؤلفان رحلتهما في مدينة تشينو بمحافظة ناغانو، مسقط رأس فوجيموري، حيث أقام مجموعة فريدة من غرف الشاي التي تعكس خياله المعماري الغني. تشمل هذه المجموعة غرفة غوآن الصغيرة بمساحة 4.5 حصيرة تاتامي، والتي يمكن الوصول إليها فقط عبر سلم، بالإضافة إلى غرفة أخرى تُدعى سورا توبو دوروبوني (سفينة الطين الطائرة)، معلقة بأسلاك على ارتفاع 3.5 أمتار فوق سطح الأرض. وتُعتبر هذه الغرف نماذج معاصرة تعكس روح غرف الشاي في القرن الحادي والعشرين.

ومن الجدير بالذكر أن غرف الشاي لم تقتصر دائمًا على المساحة المصغّرة المعروفة بـ (الحصيرتين)، والتي ابتكرها سين نو ريكيو، إذ كان تلميذه أوراكو ساي يعتقد أن تلك المساحة بالغة الصغر ولا تُوفّر الراحة الكافية للضيوف، ما دفعه إلى كسر هذا التقليد وأقدم على تصميم غرف شاي أكثر اتساعًا. ويضمّ الكتاب نماذج من هذه الغرف الأكبر حجمًا، التي تكشف عن تنوّع مقاربات التصميم ضمن فن السادو.

وفي ختام هذه الرحلة التي اتّسمت بطابع الحجّ إلى عوالم غرف الشاي، تتوقّف هانا لتتأمّل ما اكتسبته من معارف وتجارب، متسائلة عمّا إذا كانت هذه الغرف ستشهد في المستقبل تطوّرًا يتجاوز نموذج (تايآن) الصغير الذي بناه ريكيو لأول مرة بهدف توجيه تركيز انتباه الضيوف على أكواب الشاي وحدها، أم أنها ستعود إلى ذلك النموذج المثالي البسيط الذي يجسّد فلسفة الزهد والتأمل. بالنسبة لهانا، كانت هذه الرحلة مع فوجيموري تجربة تعليمية عميقة أتاحت لها فهمًا أوسع وأعمق لمعاني (طريق الشاي) فن السادو، وأبعاده ومعانيه الروحية والجمالية.

مواقد متجذرة في الماضي البعيد

يرى فوجيموري أن النار تمثّل العنصر الجوهري في تكوين غرفة الشاي، إذ كانت غرف الشاي التي صمّمها سين نو ريكيو تحتوي دائمًا على موقد يُستخدم لإشعال الفحم بغرض غلي الماء. ويقدّم فوجيموري تفسيرًا فريدًا لتاريخ العمارة اليابانية، مسلّطًا الضوء على العلاقة العميقة بين تصميم المنازل التقليدية وتطوّر غرف الشاي.

على غرار المساكن المحفورة تحت الأرض في فترة جومون (حوالي 10000–300 ق.م)، كانت البيوت اليابانية التقليدية المعروفة بـ(مينكا) تضم موقدًا في مركزها، حيث يُستخدم للطهي وتجمّع أفراد الأسرة حوله للتدفئة والاستراحة. ومع دخول فترة يايوي (حوالي 300 ق.م–300 م)، التي شهدت بداية استخدام المنازل ذات الأرضيات المرتفعة، تغيّر موضع الموقد. وفي العمارة القَصْرية لفترة هييان (794–1185)، وكذلك في أسلوب (شوين-زوكوري) الذي ساد مساكن الطبقة العسكرية والمعابد، نُقل الموقد إلى منطقة منفصلة ذات أرضية ترابية تُعرف باسم (دوما)، وكان يُخصّص للخدم لإعداد الطعام والتعامل مع النار. حتى في مجال طقوس الشاي، كان إعداد الشاي يتم في غرفة منفصلة على يد الخدم، ليُقدَّم لاحقًا إلى ضيوف السيّد.

لكن ريكيُّ قلب هذه الأعراف رأسًا على عقب، إذ لم يعتمد على الخدم، بل كان هو نفسه من يتولى إشعال النار وتحضير الشاي لضيوفه. ومن هذه الزاوية، يمكن النظر إلى المواقد داخل غرف الشاي بوصفها عودة رمزية إلى تقاليد مساكن جومون الغائرة في الأرض، حيث كانت النار في صميم الحياة اليومية ومركزًا للتواصل والسكينة.

أحدث ريكيُّ ثورة ثقافية حقيقية في الفضاء الضيّق لغرفة الشاي؛ فهو يُعتبر الأب الروحي لأسلوب (وابي-تشا)، الذي يتمحور حول الجمال البسيط والنقاء الروحي. غير أن تلك الغرف الصغيرة والمنعزلة، التي بدت مخصصة للتأمل واحتساء الشاي، كانت تُستخدم في كثير من الأحيان كأماكن سرّية لعقد اجتماعات ومداولات سياسية بعيدة عن أعين العامة. ومع أن هذه المساحات كانت في السابق حكرًا على الرجال، فإنها باتت اليوم تشهد حضورًا متزايدًا للنساء. ومن خلال هذا الكتاب، تسلط هانا الضوء على هذه الروح المتحررة الكامنة في غرف الشاي، بما تحمله من تنوع وظيفي وانفتاح ثقافي.

رحلة إلى غرف الشاي في اليابان (Nippon Chashitsu Journey)

تأليف: فوجيموري تيرونوبو وهانا
الناشر: تانكوشا، سبتمبر/أيلول 2024
رقم الكتاب الدولي: ISBN: 978-4-473-04642-0

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي © تانكوشا)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | رحلة بين البساطة والجمال: اكتشاف فلسفة الشاي اليابانية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

قد تقرأ أيضا