اخبار العالم

ألمانيا تعيد تقييم تجربتها مع اللاجئين.. والمزاج قد تغيّر

ألمانيا تعيد تقييم تجربتها مع اللاجئين.. والمزاج قد تغيّر

الرياص - اسماء السيد - ايلاف من بيروت: في خريف 2015، استقبلت ألمانيا مئات آلاف اللاجئين، في خطوة جسّدتها المستشارة آنذاك أنغيلا ميركل بعبارتها الشهيرة: "نحن قادرون على ذلك". أصبحت تلك الكلمات، التي صدرت في ذروة أزمة اللاجئين، رمزًا لحقبة سياسية واجتماعية حاسمة، وفتحت الباب أمام نقاشات واسعة تراوحت بين التأييد المطلق والرفض القاطع.

وقد شكل هذا القرار نقطة تحول ليس فقط في السياسة الألمانية الداخلية، بل في المشهد الأوروبي ككل، وأسهم بشكل مباشر في صعود قوى سياسية مثل حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي استطاع استغلال المخاوف الشعبية ليبني لنفسه قاعدة واسعة، خصوصًا في ولايات مثل تورينغن وعلى مستوى البرلمان الاتحادي.

نجاحات ملموسة
عشر سنوات بعد القرار التاريخي، تشير البيانات إلى صورة معقدة، وإن كانت تتضمن إنجازات واضحة.
نقلت قناة روسيا اليوم دراسة حديثة صادرة عن معهد "IAB"، تظهر أن نحو نصف اللاجئين الذين دخلوا ألمانيا بين 2013 و2015 يعملون اليوم في وظائف منتظمة، بعد خمس سنوات من وصولهم.

ومن اللافت أن 57% من الرجال اللاجئين تمكنوا من الاندماج المهني، مقابل 29% فقط من النساء، حيث تعيق مسؤوليات رعاية الأطفال فرص كثيرات منهن في متابعة مسارات التدريب والعمل. ومع ذلك، يعمل العديد من اللاجئين في قطاعات تتطلب مهارات تقنية عالية، حتى في ظل غياب الاعتراف الرسمي الكامل بشهاداتهم.

وقد منحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ألمانيا تقييمًا إيجابيًا في ما يخص دمج اللاجئين، مشيدةً بفعالية برامج تعلم اللغة والتأهيل المهني، التي ساهمت في بلوغ نسبة تشغيل بلغت 70% في عام 2022.

التجربة الأوكرانية
البيانات الصادرة عن معهد الأبحاث السكانية الألماني (BiB) في فبراير 2025 كشفت تحسنًا ملحوظًا في دمج اللاجئين القادمين من أوكرانيا في سوق العمل. فقد ارتفعت نسبة العاملين منهم من 16% في صيف 2022 إلى نحو 30% في مطلع 2024، رغم الصعوبات اللغوية، لا سيما لدى النساء.

وفي ولاية سارلاند، حققت نسبة توظيف الأوكرانيين قفزة استثنائية بلغت 70% خلال عام واحد فقط، ما يعكس نجاحًا في التنسيق بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني المحلي.

فجوات قائمة
ورغم المؤشرات الإيجابية، لا تزال التحديات قائمة، خصوصًا في مجالات مثل السكن والبنية التحتية. تشير إحصاءات رسمية إلى أن غير الألمان يدفعون إيجارات تزيد بنسبة 9.5% في المتوسط مقارنة بالمواطنين الألمان، ويرتبط ذلك غالبًا بسكنهم في وحدات أصغر وفي مناطق مزدحمة.

كما تستمر الضغوط على الخدمات الاجتماعية، خصوصًا في المدن الصغيرة والمناطق الريفية، حيث لم تستطع البنى التحتية مواكبة النمو السكاني الناتج عن الهجرة.

"ثقافة الترحيب" تتراجع
رئيس ولاية ساكسونيا السفلى، شتيفان فايل، أعرب عن قلقه من تآكل "ثقافة الترحيب" في المجتمع الألماني، داعيًا إلى اعتماد مقاربة أكثر واقعية في التعامل مع الهجرة، توازن بين الاستيعاب ومراعاة قدرات الدولة.

في المقابل، يضغط حزب الخضر باتجاه إصلاحات شاملة، تشمل إلغاء القيود على عمل بعض فئات اللاجئين، وإنشاء وكالة مركزية للهجرة، وتبسيط إجراءات الاعتراف بالشهادات، وتسريع منح التأشيرات، في محاولة لمواجهة أزمة نقص الأيدي العاملة.

كما يُطرح في الأوساط التشريعية مقترحٌ بإنشاء وزارة مستقلة للهجرة على غرار النموذج الكندي، بهدف توحيد الجهود بين المؤسسات المختلفة وضمان تكامل السياسات.

أزمة مستمرة
في موقف يعكس تغيرًا في المزاج السياسي العام، أعلن المستشار الألماني الحالي فريدريش ميرتس أن "ألمانيا لم تعد قادرة على تحمّل نفقات الرفاهية الاجتماعية كما في السابق"، مؤكداً عزمه على الحد من الهجرة وتوسيع سياسات دعم العمل.

الحاجة لا تزال قائمة
رغم هذه المواقف المتشددة، فإن ألمانيا لا تزال بحاجة ماسة إلى العمالة الأجنبية، بحسب تقرير لصحيفة "تسايت"، التي أوضحت أن الاقتصاد الألماني يتطلب استقدام 400 ألف عامل سنويًا لتعويض آثار الشيخوخة السكانية والتغيرات الديموغرافية، خصوصًا في قطاعات التقنية والصحة والخدمات.

Advertisements

قد تقرأ أيضا