اخبار العالم / أخبار السودان اليوم

العمر ليس مجرد رقم

العمر ليس مجرد رقم

تمضي بنا الحياة مثل قطارٍ يتوقف عند محطةٍ، ليعاود الانطلاق إلى محطةٍ أخرى. نصعده صغاراً، نحمل الضحكات البريئة والأحلام البسيطة، نركض خلف آمال لا نعرف مداها، نعتقد أن من يشاركنا رحلة القطار سيبقى معنا حتى النهاية. غير أننا ما إن نكبر، حتى ندرك أن القطار يمضي في طرق متشعبة، وأن لكل واحد منا وجهة، قد تبتعد كثيراً عن وجهات الآخرين.
هكذا نفترق عن أصدقاء الطفولة، الذين كانوا ذات يوم محور حياتنا، بل كان وجودهم شرطاً لا يكتمل الفرح إلا به. نكبر، وينشغل كل واحد منا بما فتح الله له من أبواب الرزق والعمل والعائلة، فيبهت وهج تلك الصداقات شيئاً فشيئاً.

ثم يعود الزمن ليجمعنا بهم من جديدٍ، بعد عقودٍ طويلة، في مناسبةٍ اجتماعيةٍ لا تخلو من طابعٍ إنسانيٍ عميق، حفل زواج يملأ القلوب بهجة، أو مجلس عزاء يعيدنا جميعاً إلى حقيقة المصير.
في تلك اللحظة، نقف أمام مرآةٍ من نوعٍ آخر، مرآة لا يدخل في صنعها الزجاج ولا الفضة والزئبق والمواد الأخرى، مرآة تعيد رسم ملامح الوجوه التي عرفناها يوماً نضرة يانعة.

نحدق في ملامح أصدقائنا، فلا نكاد نصدق ما نراه. أين ذهبت تلك الضحكات الصاخبة؟ أين اختفت حماسة الشباب التي كانت تسكن العيون؟ أين ذهبت الأحاديث المحملة بالأحلام الوردية؟ نرى رؤوساً قد غزا الشيب شعرها، ونرى وجوهاً رسم عليها الزمن خطوطه، ونرى أجساداً أثقلتها سنوات العمر، الذي عبر سريعاً. إنها بصمة الحياة التي لا ينجو منها أحد.
نعتقد أننا وحدنا من يطرح هذه الأسئلة. لا ندرك أن الآخرين يطرحون أيضاً الأسئلة نفسها. ثمة حوارات داخلية تجري بشكل متزامن. ربما ندرك أن هناك مسافةً تفصل بين ما كنا عليه وما صرنا إليه، مسافة صنعتها محطات العمر المختلفة.
أجمل ما في هذه اللقاءات، أنها توقظ فينا ذاكرة نائمة. نسمع من صديق قديم كلمة تفتح أبواباً مغلقة في أعماقنا. نضحك جميعاً على موقف كنا قد دفناه تحت ركام السنوات، فإذا به يعود حيّاً يملأ المكان دفئاً.

نكتشف أننا لم نفقد كل شيء، وأن بيننا وبين الطفولة خيوطاً لا تقطعها الأيام، حتى لو كانت رفيعة. هذه التفاصيل الصغيرة تذكّرنا أن الصداقات الحقيقية لا تنتهي بفعل المسافات البعيدة.

غير أن هذه العودة تحمل، ضمن ما تحمله، وجهاً آخر، وجهاً يذكّرنا بأن العمر رحلة لها بداية ونهاية. حين نرى صديق طفولة قد أثقله المرض، أو نسمع عن رحيل واحدٍ ممن كانت صورته تشكل معنا ذات يومٍ لوحة ذات أبعادٍ وزوايا، ندرك بعمق أن الحياة تمضي بلا هوادة، وأننا نقف أمام لحظة لم تكن ضمن حسابات أولئك الصغار الذين كُنّاهم.
ما أجمل أن يلتقي الإنسان بأصدقاء طفولته، بعد طول غياب! لكن الأجمل هو أن يحافظ على هذه الجسور، فلا يدعها تنهار تحت ضغط المشاغل اليومية. فالأصدقاء القدامى ليسوا مجرد أشخاص عابرين في حياتنا، إنهم جزء من تكويننا النفسي والعاطفي، هم الشهود على البدايات، وهم الذين حملوا أسرارنا الصغيرة، وأحلامنا البريئة، هم الذين رسمنا معهم الملامح الأولى لحياتنا.

الحكمة التي نتعلمها من مثل هذه اللقاءات، هي أن نمنح العلاقات الإنسانية بعضاً من وقتنا، مهما ازدحمت الحياة بالمشاغل. فمشوار العمر أقصر مما نتصور، وقطار الأيام أسرع مما نحتمل. وإذا كان لا بد أن يمضي كل منا في طريقه.

فلنجعل من محطات اللقاء هذه فسحة، نستعيد فيها إنسانيتنا، توقظ بداخلنا الطفل الذي ما زال يقف عند عتبات المدرسة الأولى، يلوّح بيده لأصدقائه الذين يملؤون الساحة ضجيجاً ومرحاً، قبل أن يكمل معهم مشهد ذلك الزمن الذي لم ندرك روعته إلا بعد أن غادرناه، أو غادرنا هو.

قد يغيّر الزمن أشكالنا وأصواتنا وأجسادنا، لكنه لا يستطيع أن يمحو اللحظات التي صنعناها مع أصدقاء طفولتنا. تلك اللحظات تظل محفورة في ذاكرة القلب، تستيقظ كلما التقينا، لتقول لنا إن الصداقة الحقيقية لا يصدأ معدنها، وأن العمر مهما طال، لا يستطيع أن ينتزع منا فرحة أن نجد في وجوه الأصدقاء بقايا ملامح طفولةٍ جمعتنا ذات يوم في بواكير العمر، وأن العمر ليس مجرد رقم.

علي عبيد الهاملي – صحيفة البيان

كانت هذه تفاصيل خبر العمر ليس مجرد رقم لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا