السفر لدواعٍ علاجية أو استشفائيَّة ليس أمرًا مستحدثًا في مجتمعنا، بل كان موجودًا منذ أزمانٍ بعيدةٍ، عندما ينهك المرض الجسد، ويعجز الطب عن إيجاد الدواء أو الوصول إلى أصل الداء، كان المقتدر على السفر ماديًّا يشد الرحال إلى بلاد الله الواسعة، يبحث له أو لأحد أحبته عن طبيبٍ ماهرٍ، ومشفى به إمكانيَّات العلاج.ومن تعجزه إمكانيَّاته الماديَّة أو المعرفيَّة، فالدولة السعوديَّة مبادرة دومًا إلى العون لكل محتاج للسفر الاستشفائيِّ، من خلال وزارة الصحة، ووزارة الخارجيَّة، عبر قنصلياتها المنتشرة حول العالم، في دول الجوار أو أمريكا وأوروبا، حسب الحالة وتغطية تكاليف العلاج والرعاية؛ خلال فترة العلاج والإقامة.

لكن منذ سنوات، اتَّخذ السفر للعلاج مفهوم آخر، لم تعد الأمراض المزمنة والمستعصية هي الدافع لشد الرحال، بل أصبح السفر تحت مسمَّى «السياحة العلاجيَّة» في مشافي متخصِّصة في دول حباها الله بينابيع حراريَّة كبريتيَّة، أو معادن أخرى، كمياه «الراديوم»، كما هي في التشيك في مصحَّة «راديوم بلاس» في ياخيموف، بالإضافة إلى الخبرات العلاجيَّة لسنوات طويلة.وأصبح العلاج أو الاستشفاء بالمياه، والعلاجات المصاحبة، والمساجات، عادة سنويَّة لكثير ممَّن وجدوا فيها راحة جسديَّة ونفسيَّة، وتجديدًا للنشاط والحيويَّة، وضخ المزيد من الطاقة لاستكمال مسيرة الحياة بصحَّة وقدرة جسديَّة تُمكِّنهم من القيام بروتينهم اليومي، أو القيام بأعمالهم الوظيفيَّة أو التجاريَّة، لذلك أصبحت السياحة العلاجيَّة تُوفِّر للمشتركين فرصة التعرُّف على معالم المدن التاريخيَّة، وأهم الأحداث التاريخيَّة، كما أنَّ شركات السياحة العلاجيَّة، كما هي الشركات السياحيَّة، تضم مجموعة متنوِّعة من المشاركين والمشاركات، فهي فرصة للتعارف وبناء علاقات، بعضها يتحوَّل إلى صداقة.منذ سنوات أيضًا اهتم الشباب والشابات من أبناء وبنات الوطن بتنظيم رحلات علاجيَّة بطريقة احترافيَّة، وأصبحت هناك رحلات حسب فصول السنة، لتلبية مختلف الرغبات والاحتياجات.

مصحَّات ترنشيانسكي تيبليتسي العلاجيَّة؛ من أقدم المنتجعات الصحيَّة العلاجيَّة في سلوفاكيا، فهي تقع في الجزء الغربي من سلوفاكيا في منتصف الوادي الطويل ذي 17 كم.أطلق عليها الروائي الشهير موريتس يوكاي في القرن الماضي «لؤلؤة مرتفعات الكارباتي»، حول المصحات حديقة كبيرة، وسطها بحيرة، ويتخلَّلها جدول ماء طويل تسمع خرير الماء خلال سيرك في الحديقة.كأيِّ مكان تراثي تنمو حوله الحكاية، يُحكى أنَّ الينابيع العلاجيَّة في منطقة المصحَّات الحاليَّة تم اكتشافها -حسب الأسطورة- من قبل راعي أعرج، كان يبحث عن خروف ضالٍّ، وخلال بحثه شاهد بركة ماء، تنتشر منها رائحة كبريت، بعد الاستحمام فيها عدة مرات، تعافى.هكذا بدأت سمعة معجزة الشفاء بالمياه الحراريَّة في الانتشار، وأول إشارة خطيَّة مكتوبة حول هذه المنتجعات تعود إلى عام 1247م، فبالإضافة إلى المياه الحراريَّة الطبيعيَّة؛ يتم استخدام مجموعة واسعة من الطرق العلاجيَّة في مجال التأهيل الطبي والعلاج الفيزيائي.أبو فارس، المسؤول عن الشركة والمرافق لنا، منظَّم ودقيق في مواعيده والتزاماته، فقد نظَّم لنا برنامجًا سياحيًّا أيام العطل الرسميَّة للمصحَّة، وفي بعض الأيام التي تنتهي فيها جلسات العلاج مبكِّرًا، بتنسيق مسبق مع المصحَّة، أرسل إلينا من بداية الاشتراك وملتزم به.أمضينا يومًا كاملًا في العاصمة «براتسلافا»، زرنا عدة معالم تاريخيَّة، وجلسنا على ضفة نهر الدانوب نتناول وجبة الغداء، ولازال الجدول مكتظًّا بالرحلات والزيارات.مدينة المصحَّات التي أقمنا فيها صغيرة وجميلة، محاطة بالخضرة والجبال، المغطاة بالكامل بالشجر، منذ وصولنا والأمطار مستمرة، لكن وأنا أكتب هذه المقالة، كان يومًا حارًّا قليلًا، حيث ارتفعت درجات الحرارة إلى 30 درجة.يمكن للسائح أنْ يتمتع بطبيعتها الخلابة وأجوائها المعتدلة، خصوصًا في الصيف، حيث تتراوح درجة الحرارة بين 20 – 24 درجة نهارًا، بينما تنخفض ليلًا إلى 12- 14 درجة، بالإضافة إلى الأجواء الغائمة والأمطار على مدار اليوم.الدولتان «تشيك وسلوفاكيا» قبل الانفصال في يناير 1993م، كانتا جمهوريَّة تشيكوسلوفاكيا، انفصلتا في حدث عُرِفَ بـ»الطلاق المخملي»؛ لأنَّه كان انفصالًا سلميًّا دون نزاع أو صراع مسلَّح.

نبيلة حسني محجوب – جريدة المدينة

اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.